عماد مرمل
يخوض رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون، ابن الثمانين عاما، معاركه السياسية هذه الايام بشراسة وحماسة وكأنه فـي عمر الشباب.
وعليه، لا يوحي الجنرال بان لديه أي استعداد للمهادنة فـي التعامل مع الملفات المفتوحة، بل يبدي قدرا كبيرا من التصلب، يرى فـيه البعض تعبيرا عن خيارات مبدئية لا تعترف بموازين القوى وحسابات الربح والخسارة، ويجد فـيه البعض الآخر تعبيرا عن عناد عبثي لا يستقيم مع قواعد اللعبة السياسية التي تفرض فـي الكثير من الاحيان التسويات وتدوير الزوايا.
ويقاتل الجنرال فـي هذه المرحلة على جبهات عدة، دفعة واحدة، بدءا من الاستحقاق الرئاسي، مرورا بمحاولة تصحيح التمثيل النيابي من خلال قانون الانتخابات، وصولا الى التعيينات الامنية وفـي طليعتها ما يتصل بقيادة الجيش التي يطالب عون بان تؤول الى العميد شامل روكز.
وما يجمع بين هذه الجبهات «المشتعلة» هو انها تتصل كلها بـ«حقوق المسيحيين» التي يعتبر عون انها صودرت من أقوياء الطوائف الاخرى منذ عام 1990، وأن آوان استعادتها قد حان، مهما كلف الثمن.
مرة أخرى، يقف الجنرال على مفترق طرق، وهو الذي يهوى أصلا المواجهات الصعبة وحتى تلك المستحيلة.
وعلى قاعدة النصر او «الشهادة السياسية»، يشدد الجنرال على انه ماض حتى النهاية فـي خياراته، ولن يكرر خطأ تسوية الدوحة التي أتت عام 2008 برئيس وسطي هو العماد ميشال سليمان، ولن يقبل مهما اشتدت الضغوط بالتمديد للعماد جان قهوجي فـي قيادة الجيش على حساب العميد روكز، ولو أدى هذا الموقف الى شل الحكومة.
وفـي سياق السعي الى تصحيح الخلل فـي التوازنات الداخلية، وتحسين شروط التفاوض المسيحي مع المكونات الاخرى فـي لبنان، انعقد لقاء القمة فـي الرابية بين عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سيمر جعجع اللذين جمعتهما على ما يبدو «مصيبة» التهميش، لاسيما ان جعجع اكتشف بالتجربة ان تحالفه مع تيار المستقبل لم يكن منتجا على مستوى تفعيل حصته فـي مؤسسات الدولة.
والأرجح، ان هذا اللقاء فـي حال استكماله وتطويره، سيؤدي الى تعديل فـي قواعد الاشتباك على الصعيد الداخلي، وسيشكل منعطفا نحو انتاج واقع مسيحي جديد، على إيقاع التحولات المفصلية فـي المنطقة والتي تهدد مسيحيي لبنان والشرق بمخاطر وجودية.
وبعد الكشف عن «إعلان النيات» الذي تضمن القواسم المشتركة المتفق عليها بين عون وجعجع، قال الشريك فـي إعداد «الإعلان» والمفاوض باسم التيار الوطني الحر مع «القوات اللبنانية»، النائب ابراهيم كنعان لـ«صدى الوطن» ان هناك طريقة تعامل جديدة ستسود بين عون وجعجع، بعد عقود من الصراع والعداء، معتبرا ان ورقة النيات التي تم التوصل اليها ليست مجرد مبادئ عامة، بل هي أعمق وأوسع من ذلك، وترقى الى مرتبة الوثيقة الوطنية التي تتضمن مرتكزات وثوابت أساسية.
ويلفت كنعان الانتباه الى ان ورقة القواسم المشتركة ليست موجهة ضد أحد، بل هي تمد اليد فـي اتجاه الآخرين، على قاعدة احترام حقوق المسيحيين انطلاقا من الشراكة الحقيقية والتوازن الوطني بين كل المكونات اللبنانية.
ويؤكد كنعان انه لا يجب الافتراض ان اي تفاهم بين طرفـين يستهدف حكما طرفا آخر، بل ان التقارب بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية هو ضمانة للبنان وللاستقرار فـيه، لان من شأنه ان يدفع فـي اتجاه معالجة الخلل فـي تركيبة السلطة، علما ان كلا منا سيبقي على تحالفاته الداخلية، و«إعلان النيات» لم يأت على حساب هذه التحالفات.
ويشير كنعان الى ان ورقة النيات لا تعكس تحالفا سياسيا بين التيار والقوات، وإنما هي تهدف بالدرجة الاولى الى بلورة رؤية مشتركة للقضايا المصيرية التي يمكن التوافق عليها، لتعزيز الحضور المسيحي فـي المعادلة الميثاقية، مع تنظيم الخلاف حول تلك التي تبدو مستعصية على التفاهم.
ويأمل كنعان فـي ان يؤدي التقارب بين عون وجعجع الى إقفال الثغرة المسيحية التي يستفـيد منها الآخرون للانتقاص من حقوق المسيحيين الذين كانوا يُمثّلون فـي مؤسسات الدولة وادارتها بالعدد والشكل وليس بالحجم والوزن، ما أدى عمليا الى تفريغ المناصفة المسيحية- الاسلامية من محتواها.
ويرى كنعان ان جعجع أدرك انه لا يستطيع لوحده ان يصحح الخلل، وعون مقتنع بان التعاون بين القوات والتيار، مع ما يمثله كل منهما من حجم وازن، سيساهم فـي تحسين شروط معركة استعادة الحقوق المسيحية، لافتا الانتباه الى ان استطلاعات الرأي أظهرت ان الاكثرية الساحقة من المسيحيين ترفض استمرار حالة الانقسام والصراع بين عون وجعجع.
ويعتبر كنعان ان تقارب الجنرال مع رئيس حزب «القوات» يُثبت ما كان خصومه ينكرونه عليه وهو انه يملك مواصفات المرشح الوفاقي الذي يستطيع الانفتاح على الجميع وإيجاد مساحة للتقاطع معهم، مشيرا الى ان هناك من كان يحاول التصوير بان ترشيح عون الى الرئاسة يواجه بالدرجة الاولى مشكلة مسيحية، ناتجة عن خصومته مع سمير جعجع وعدم انتظام علاقته بـ بكركي، فأتى إعلان النيات من جهة وموقف البطريرك الماروني بشارة الراعي خلال لقائه نواب 14آذار من جهة أخرى ليُسقط إحدى أبرز الذرائع التي كان يتسلح بها المعترضون على وصول الجنرال الى قصر بعبدا.
ويوضح انه ليس مطلوبا تذويب التيار والقوات فـي وعاء واحد، خصوصا ان الساحة المسيحية معتادة على التنوع، وبالتالي فان التمايزات والاختلافات بين الجانبين ستبقى قائمة حول العديد من الامور، لكن ضمن المنافسة الحزبية الصحية والمشروعة.
ويشدد كنعان على ان هناك خوفا حقيقيا لدى المسيحيين مما يجري من حولهم فـي المنطقة، وبالتالي فان قياداتهم معنية بالارتقاء الى مستوى خطورة هذه اللحظة المصيرية.
ويكشف عن ان الخطوة المقبلة هي محاولة الاتفاق مع «القوات» على آلية تطبيقية للاستفتاء الشعبي الذي اقترحه عون فـي مبادرته لانتخاب رئيس الجمهورية.
وتجدر الاشارة الى ان جعجع أبدى بعد لقائه الجنرال موافقة مبدئية على الاستفتاء، «شرط ألا يتعارض مع الدستور».
Leave a Reply