عماد مرمل – «صدى الوطن»
قبل القرار 425 وبعده، وقبل القرار 1701 وبعده، يستمر الطيران الإسرائيلي المعادي، في خرق الأجواء اللبنانية بوتيرة مكثفة إما لمراقبة «حزب الله» وتخويف المواطنين وإما للإغارة على أهداف في سوريا، وسط صمت قوى سياسية داخلية ترفع في العادة شعار السيادة والاستقلال لكنها تطويه خلال عبور طائرات العدو، وفي ظل عجز الدولة التي تكتفي بالشكوى لدى مجلس الأمن منذ عقود من دون أي طائل.
وكان لافتاً أن العدو الإسرائيلي أمعن مؤخراً في استخدام الـ«كوريدور» اللبناني لقصف الأراضي السورية، من دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكناً، فيما تبدو حكومة تصريف الأعمال شبه المشلولة أضعف من أن تتصدى لهذا التحدي.
ولئن كان تشكيل حكومة جديدة سيرفع تلقائياً مستوى المناعة الداخلية ويحسن شروط المواجهة الدبلوماسية للخروق والاعتداءات الإسرائيلية، إلا أن ذلك لن يردع الاحتلال الذي لم يتأثر طيلة تاريخه العدواني بأي ضغط أو تدخل دولي، كما يُستدل من تجاهل تل أبيب المتمادي للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة.
قرار أميركي
وحدها القوة تلجم العدو كما ثبت من تجارب الصراع معه، لكن الدولة اللبنانية لا تملك ما يكفي من هذه القوة للوصول إلى حد أدنى من التوازن بينها وبينه، فيما تحاول المقاومة التعويض عن هذا الضعف أو العجز المتعدد الاسباب، عبر استراتيجية مدروسة تُراكم القدرات العسكرية وعوامل الخبرة، تحسباً لكل الاحتمالات.
ويؤكد مسؤول لبناني واسع الاطلاع لـ«صدى الوطن» أن هناك قراراً أميركياً وغربياً بعدم تزويد لبنان بسلاح جو قادر على التصدي للطائرات الإسرائيلية التي تنتهك السيادة اللبنانية يومياً، كاشفاً عن وجود فيتو على تزويد الجيش بطائرات حديثة، مراعاة لمصالح العدو الإسرائيلي.
ولكن المسؤول البارز يوضح أن هذا الاعتبار ليس هو السبب الوحيد لافتقار لبنان إلى سلاح الجو، ذلك أنه حتى لو رُفع الفيتو عن منحنا هذه القدرة العسكرية، فإن الدولة اللبنانية لا تملك الإمكانات المادية التي تسمح لها بشراء الطائرات الحربية المتطورة، لافتاً إلى أن دولة مثقلة بالديون التي باتت تقارب الـ100 مليار دولار، وتجد صعوبة في تمويل سلسلة الرتب والرواتب، ليس بمقدورها تأمين الموازنة المطلوبة للحصول على سلاح جو متطور.
ويشير المسؤول اللبناني الكبير إلى أنه حتى لو افترضنا أن دولة ما قررت «إهداء» لبنان طائرات حديثة في إطار هبة عسكرية على سبيل المثال، فإن كلفة تشغيلها وصيانتها هي كبيرة جداً وتتطلب مبالغ طائلة، ليست للخزينة اللبنانية أية طاقة على تحملها، لا الآن ولا في المستقبل القريب، لافتاً إلى أن الموازنة المخصصة للجيش هي متواضعة قياساً إلى متطلباته، ومعظمها يُنفق على رواتب العسكريين وبعض الامور اللوجستية، في حين أن معظم الأسلحة ترِدُنا من خلال المساعدات والهبات.
ويؤكد المسؤول الرسمي أن السلاح الروسي بدوره ليس عملياً، لأنه ليس منسجماً مع بنية الجيش اللبناني الذي يعتمد تاريخياً على منظومة تسلح غربية، وبالتالي من غير السهل الانتقال مرة واحدة إلى مدرسة عسكرية أخرى، موضحاً أن استخدام طائرات «الميغ» الروسية يستدعي تعلم اللغة والتدريب الخاص، إلى جانب الكلفة العالية المترتبة على الصيانة الدورية وقطع الغيار.
دفاع جوي
ويعتبر المسؤول الرفيع المستوى أن الظروف غير مهيئة أيضاً للحصول على منظومة دفاع جوي (أرض–جو)، لأنه لا يكفي الإتيان ببضع صواريخ مضادة للطائرات ووضعها هنا أو هناك حتى نستطيع حماية سيادتنا من الانتهاكات المعادية، مشدداً على أن هناك حاجة إلى شبكة متكاملة من قواعد الصواريخ التي يُفترض نشرها في أماكن عدة، على أن تكون مترابطة بالطريقة التي تحقق مظلة الحماية، وهذا النوع من الشبكات يرتب كلفة باهظة أيضاً.
ويلفت المسؤول الرسمي البارز، إلى أنه لا يزال بإمكان العدو الإسرائيلي إيجاد فجوات وممرات كي يُغير من خلالها على دمشق ومناطق أخرى في سوريا، على الرغم من أن الروس يتواجدون هناك بكل ثقلهم ويمنحون الدعم الكبير للجيش السوري، لاسيما بالنسبة إلى منظومات الدفاع الجوي، ومع ذلك لم تكتمل بعد، «الحصانة» في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية.
وإزاء تلك «القيود» الذاتية والخارجية التي تكبل لبنان، وتمنعه من التزود بما يحتاجه من أسلحة متطورة خصوصا على مستوى الدفاعات الجوية، يُقر المسؤول الواسع الاطلاع بأنه لا يمكن الاستغناء –حتى إشعار آخر– عن المقاومة وسلاحها لتحقيق توازن الردع أو الرعب مع إسرائيل، بمعزل عن التجاذبات الداخلية حول هذا الشأن واعتراض البعض على تمسك «حزب الله» بترسانته العسكرية.
Leave a Reply