يبدو أن الرقص الشرقي وبعد سنوات قليلة من إختراقه المجتمعات الغربية، أصبح لا يقل أهمية عن الفنون الإنسانية الأخرى بفضل جدية ومهارة وإبداع القائمين عليه المحاولين الإرتقاء به إلى مكانة متقدمة ومتطورة ومرموقة إلى جانب الفنون الإبداعية الأخرى بعد مئات السنين من الترهل والخمود.فن «هز البطن» أو «بيلي دانسينغ» بدأ بإستعادة مكانته المميزة التي تمتع بها في السنين الغابرة مستقطبا تقدير وإعجاب عشرات وربما مئات الآلاف ممن يقفون إحتراماً لجاذبية وعنفوان هذا الفن الذي أصبح يغزو المجتمع الأميركي بشكل سريع ومذهل.لأول مرة في حياتي أقف مصفقاً بحرارة وأنا أتابع لوحات رقص فنية رائعة لفرقة أميركية قوامها ست عشرة راقصة يتمتعن بقوام فارع وجمال صارخ وحيوية وجاذبية تمكن كل واحدة منهن للمنافسة على لقب ملكة جمال.الجماهير المتابعة للوحات الفن الراقصة مساء السبت الماضي في قاعة الموسيقى الفخمة في ديترويت كانت تراقب بلهفة وإنبهار الحركات الرائعة لنصف أعضاء الفرقة، فيما تحبس أنفساها في لحظة إنتظار وسكون لمشاهدة الفعل الفني الراقص والمثير لنصف الفرقة الآخر.بيت القصيد ليس في المواصفات والجمال وإظهار المفاتن لكنه يكمن في الفن، فن الحضور على خشبة المسرح، فن حركة الجسد والرأس والعنق والكتفين والذراعين واليدين وضبطها مع الإيقاع الموسيقي حتى يشعر المشاهد والمتابع أنه أمام سمفونية تعزف لحناً مميزاً، أو أنه يصغى بخشوع لقصيدة حب رائعة.نظرتنا نحن العرب تجاه الرقص الشرقي (بيلي دانسينغ) هي نظرة جنسية شهوانية. الوجه والسيقان وإظهار المفاتن وحركات الإغراء والإثارة هي التي تحدد نجاح وشهرة الراقصة الشرقية، لأننا وببساطة شعب لا يقدر هذا النوع من الفن ولا نعيره إهتماما، الرقص هو «عدو العرب» نصفق ونضحك وننظر ونتفاعل مع الراقصة وفي نفس الوقت نذمها ونحتقرها. «روح إنت رقوص» هي تهمة متداولة بيننا نقذف بها بوجه شخص لا يعجبنا سلوكه، أو إذا كنا نرغب في ذمه أو التقليل من شأنه.أعرف شخصا عربيا أصيب بالذبحة الصدرية حين علم برغبة إبنه الذي نجح للتو في التوجيهي بأن يدرس فن الطرب ويصبح مطربا، تصوروا للحظات لو أن فتاة عربية تخرجت من المدرسة الثانوية ورغبت في أن تصبح راقصة شرقية، كيف سيكون رد فعل عائلتها..؟؟يقال إن معظم إن لم يكن جميع الراقصات العربيات اللواتي أمتهنّ هزّ البطن إبتداء من نجوى فؤاد وسامية جمال وفيفي عبدو ومرورا بكل راقصات العصر الحاضر كن يتيمات الأب والأم أو لقيطات أو ربما غجريات الأصل والفصل، ولو كن عربيات أصيلات لأضيفت أسماؤهن لقائمة ضحايا قتل الشرف.نتغنى نحن العرب بماضينا التليد وأننا سبقنا العالم في الطب والفلك والرياضيات والموسيقى ونخدع أنفسنا بهذه الأجنحة الوهمية التي وضعت على أكتافنا وحلقنا بها في الفضاء ظنا منا أنا سبقنا الجميع في الميادين الإنسانية، العلمية والأدبية ونحن لا ندرك أننا ما نزال في مكاننا.
Leave a Reply