سارعت حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي» الفلسطينيتين إلى التأكيد فور الإعلان عن وثيقة التفاهمات بينها وبين إسرائيل برعاية مصرية يوم الأربعاء الماضي بأن إسرائيل قد رضخت للشروط التي وضعتها المقاومة الفلسطينية لتحقيق هدنة قد تطول وقد تقصر بناء على مدى التزام إسرائيل بها.
وتنص وثيقة التفاهم التي وافقت عليها الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو أولا: تقوم اسرائيل بوقف كل الأعمال العدائيه على قطاع غزة برا، بحرا، وجوا بما في ذلك الاجتياحات وعمليات استهداف الاشخاص.
ثانياً: تقوم الفصائل الفلسطينية بوقف كافة العمليات من قطاع غزة باتجاه اسرائيل بما ذلك اطلاق الصواريخ والهجمات على خط الحدود.
ثالثاً: فتح المعابر وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع وعدم تقييد حركة السكان أو استهدافهم في المناطق الحدودية والتعامل مع إجراءات تنفيذ ذلك بعد ٢٤ ساعة من دخول الاتفاق حيز التنفيذ.
رابعاً: يتم تناول القضايا الاخرى اذا ما تم طلب ذلك.
وأوضحت الوثيقة أن آلية التنفيذ هي على النحو التالي:
أولاً: تحديد ساعة الصفر لدخول تفاهمات التهدئة حيز التنفيذ
ثانياً: حصول مصر على ضمانات من الأطراف بالالتزام بالاتفاق
ثالثاً: التزام كل طرف بعدم القيام بأي افعال من شأنها خرق هذه التفاهمات وفي حال وجود أي ملاحظات يتم الرجوع الى مصر راعية التفاهمات لمتابعة ذلك.
وأوضحت مصادر أميركية وتقارير صحفية إسرائيلية أن نتنياهو وطاقمه الوزاري المصغر، في سياق رفضه الانصياع لشروط المقاومة الفلسطينية، كان يعتزم في أعقاب لقائهم مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عقب وصولها إلى تل أبيب ليل الثلاثاء الماضي، والذي دام حتى ساعات فجر الأربعاء، الإعلان عن وقف العدوان على قطاع غزة حتى ولو من طرف واحد، بلا اتفاق مع حركة «حماس»، لكن الإسرائيليين أعلنوا في وقت لاحق أن «حماس» وافقت على التهدئة. وحولوا الأنظار إلى القاهرة التي أعلن وزير خارجيتها محمد كامل عمر في مؤتمر صحفي مع كلينتون التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وكانت القاهرة قد تحولت إلى عاصمة الاتصالات واللقاءات فلسطينيا وأميركيا وإسرائيليا أعاد إليها نبضا افتقدته. فقد اتصل الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال 48 ساعة ست مرات مع الرئيس المصري محمد مرسي أسفرت يوم الثلاثاء الماضي عن إرساله كلينتون لإجراء محادثات مع نتنياهو ومرسي في مسعى للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بشروط أميركية-إسرائيلية تقضي بتصفية صواريخ المقاومة التي لم يستطع العدوان الإسرائيلي تدميرها ووضع آلية لمنع تسليح المقاومة في المستقبل عبر الحدود المصرية.
وتقول مصادر استخبارية أميركية إن كلينتون وغيرها من المسؤولين الأميركيين قدموا تعهدات لإسرائيل بتخصيص أموال من أجل منع تهريب السلاح من سيناء إلى غزة على أن تجري هذه العملية بتعاون كامل من الحكومة المصرية التي ضمنت اتفاق وقف النار. وتضيف هذه المصادر أن ما سيجري العمل عليه هو نشاط كبير بتمويل أميركي لقطع الطريق على أي محاولات لتهريب السلاح إلى غزة خاصة وان إسرائيل قالت أنها دمرت الكثير من الأنفاق بين غزة ومصر التي تستخدم لتهريب السلاح، كما أن مصر قامت قبيل العدوان الإسرائيلي على غزة بذات الدور.
وبالرغم من سعي الحكومة المصرية التي يقودها «الإخوان المسلمون» إلى تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة وعدم الانجرار إلى أي صراع مسلح مع إسرائيل ومواصلة الالتزام باتفاقية «كامب ديفيد»، فقد ناورت من موقع انتمائها الإخواني للالتفاف على موقف الشارع المصري وقاعدتها الجماهيرية المؤيد للمقاومة الفلسطينية والمعادي لإسرائيل بالتأكيد على أن مرسي مضطر من زاوية حرصه على الإلتزام باستقرار المنطقة إلى غض النظر عن الموقف الجماهيري المؤيد للمقاومة كما أن مرسي يحتاج إلى الدعم الأميركي للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 4.8 مليار دولار. وقال مسؤول أميركي كبير «إن الطريقة التي تعاملنا بها مع مرسي تشير إلى إمكانية أن نكون شريكا حول مجموعة أوسع من القضايا التي هي قيد النظر حاليا».
وقد بذل المسؤولون المصريون وخاصة مدير المخابرات المصرية اللواء رأفت شحادة جهودا مع حركة الجهاد الإسلامي لضمان انخراطها في الهدنة، وهو الأمر الذي يمثل جزءا كبيرا من العقبات التي أزيلت أخيراً.. إلا أن الجانب الفلسطيني يبدي تخوفا بعد صفقة الجندي جلعاد شاليط من عدم التزام إسرائيل بالاتفاق الذي يتم التوصل اليه خاصة وأن نتنياهو يماطل في التوقيع خطيا على وثيقة التفاهمات وهو ما يؤخر التنفيذ الكامل للهدنة .. إذ أن الإسرائيليين يفضلون الاكتفاء بتفاهمات شفهية، فكتابة الشروط تقيد حرية العمل العسكري لإسرائيل في المستقبل وتعرض الوثيقة المكتوبة نتنياهو ووزراءه لانتقاد عام.
وكان مدير المخابرات المصرية أجرى طوال الأيام التي سبقت إعلان وثيقة التفاهمات محادثات مع رئيس جهاز «الموساد» الإسرائيلي تمير فريدو الذي كان زار القاهرة على الأقل ثلاث مرات، برئاسة اللواء رأفت شحاتة وأحضر معه الى اسرائيل وثيقة التفاهمات التي تحوّلت الى أساس لاتفاق وقف النار الذي تم توقيعة بين «حماس» وإسرائيل.
ولتجنب أي انتقادات أعلن وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك أن إسرائيل حققت كامل أهدافها من العدوان على غزة، كما نقلت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن «حماس» وافقت على البنود التي تكف بموجبها هي وإسرائيل عن إطلاق النار، وبحسب التفاهم، توقف «حماس» إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل، وتوقف الهجمات على السياج، وتفرض إمرتها على الفصائل الأخرى في حال محاولتهم خرق وقف النار، أما إسرائيل، فتوقف ليس فقط الحملة الجوية ضد غزة بل أيضا كل الهجمات. وأضاف المسؤولون الإسرائيليون أنه سيتم دراسة وقف النار من جانب «حماس» على مدى الزمن لمعرفة إذا كانت تحترم الهدوء أم لا، وعندما يثبت أن «حماس» استوفت بنود وقف النار، ستبحث إسرائيل شروطا مختلفة مع «حماس» وبالعكس.. مثل مسألة التسهيلات في المعابر ومسألة الاغتيالات، حيث تطالب إسرائيل، باستمرار وجود«الحزام الأمني في الجانب الغزي من الجدار»، وهو ما تعارضه «حماس».
واعتبر المحللون أن لا أحد على المستوى السياسي في إسرائيل يؤمن بأن الشروط سواء كانت مكتوبة أم لا ستصمد زمناً طويلاً.. زاعمين بأن واحدة من المنظمات ستطلق في وقت ما قذيفة صاروخية على جنوبي الأراضي المحتلة مع احتمالية وجود شحنة ناسفة في وقت ما عند الجدار، ويضطر الجيش الإسرائيلي إلى أن يعود ويعمل خلف الجدار لإبطال شحنات ناسفة أخرى. مشيرة إلى أن طول عمر الهدنة ستحدده العوامل القسرية ومصالح الطرفين في المستقبل لا جملة شروط مكتوبة في مكان ما. فيما يرى معلقون إسرائيليون أن ما حققته إسرائيل في اتفاق وقف النار هو «إنجاز تكتيكي» يتمثل في إعادة الهدوء إلى منطقة غلاف غزة، فيما تعتبر نقطة الضعف الرئيسية بالنسبة لتل أبيب هو عدم وضوح الإطار الزمني الذي يستند إليه، فضلا عن عدم إشارته إلى أحد المطالب الإسرائيلية الرئيسية، وهو وقف تزويد فصائل المقاومة الفلسطينية بالسلاح.
إن من من بين النتائج التي أظهرها العدوان الإسرائيلي على غزة هو القضاء على «الأسطورة» التي حاولت إسرائيل في أن تبدو بها وهي صورة القوة العظمى في المنطقة. وأنها بالرغم من تمتعها بمزيج من «النفقات الوطنية، والتمويل الخارجي المكثف، والقدرة الصناعية الوطنية، والإستراتيجية الفعالة وقوة التخطيط» والدعم العسكري الأميركي السنوي الذي يصل إلى نحو خمسة مليارات دولار فإنها أظهرت عجزا أمام صواريخ المقاومة الفلسطينية وقبلها صواريخ «حزب الله»، وهو ما يعني أن لا قيمة لأي تهديد توجهه ضد إيران.
كما تظهر نتائج العدوان فشل حكومة «حزب العدالة والتنمية» برئاسة رجب طيب إردوغان في تركيا في أن يظهر بلاده بأنها هي الأخرى قوة إقليمية كبرى ولاعب مقرر في المنطقة ولا سيما في ظل محاولتها المضنية للإطاحة بالرئيس السورى بشار الأسد والتي باءت بالفشل حتى الآن إضافة إلى تدهور علاقتها مع العراق. فيما رضيت كما قطر بدور هامشي ملحق بالدور المصري في مساعي اتفاق التهدئة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل. حيث أصبحت تركيا كما ذكرت «واشنطن بوست» مشاهداً فقط نظراً لما أصبحت مصر عليه كـ«جسر للتواصل بين إسرائيل وحماس».
Leave a Reply