عماد مرمل
عندما تم التمديد لمجلس النواب اللبناني، للمرة الثانية على التوالي، قيل إن المجلس سيضاعف انتاجيته وسيرفع منسوب جلساته التشريعية، لتجميل صورته وتجديد شبابه، وصولا الى التخفـيف من وطأة عدم اجراء الانتخابات النيابية، وتسهيل هضم التمديد على الرأي العام.
لكن ما حصل هو العكس تماما، إذ أصبح المجلس بعد التمديد له عاطلا عن العمل، بعدما استفحلت «البطالة» فـي صفوف النواب الذين باتوا يمضون معظم الوقت فـي المشاركة فـي المناسبات الاجتماعية، ضمن دوائرهم الانتخابية، متنقلين بين حضور الاعراس وتقديم التعازي بالاموات، أما المهام الاساسية للنائب والمتعلقة بالتشريع والرقابة والمحاسبة والمساءلة فتكاد «تنقرض»..
وأظهرت دراسة أعدتها احدى الشركات الاحصائية المتخصصة فـي لبنان ان اللبنانيين دفعوا لمجلس النواب الحالي خلال ولايته الاصلية والجزء الاول من الولاية الممددة( 2009- 2014) 400 مليار ليرة، اي ما يعادل 266مليون دولار، بدل مخصصات وتعويضات النواب، ورواتب موظفـي المجلس، وأكلاف النظافة والكهرباء والهاتف والصيانة والتأهيل، وذلك بمعدل 139ألف دولار يوميا.
وعقد المجلس، وفق ما بينته الدراسة، 16جلسة تشريعية فقط خلال خمس سنوات وثلاثة أشهر، أقر خلالها 218قانونا، أي ان كلفة القانون الواحد بلغت قرابة مليون و200ألف دولار.
ويوضح النائب غسان مخيبر، فـي دراسة أعدها، ان المجلس عقد طوال 18سنة 86جلسة فقط مخصصة للتشريع، و16جلسة للأسئلة والاستجوابات، و7جلسات للمناقشة العامة، ليخلص الى الاستنتاج ان الوقت الذي يمضيه النائب اللبناني فـي التشريع هو الأقل بالمقارنة مع برلمانات أوروبية وأميركية.
وأكثر من ذلك، ذهب رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى حد القول ان النواب لا يستحقون رواتبهم، لانهم لا يعملون.
وإذا كان يُفترض بالمجلس ان يشكل مساحة لتنظيم الخلاف بين المكونات السياسية والطائفـية للمجتمع اللبناني، عملا بمقتضيات اللعبة الديموقراطية، فان المفارقة هي انه تحول الى ضحية لهذا الخلاف، وذهب «فرق عملة» فـي «تصفـية الحسابات» بين الأطراف الداخلية، فتقزم دوره وتلاشى حضوره، الى درجة ان عقد جلسة تشريعية واحدة بات يتطلب مفاوضات غير مضمونة النتائج.
وبعدما كانت أبواب المجلس قد أقفلت فـي الماضي عندما قدم رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي استقالته، بحجة انه لا يجوز التشريع فـي ظل حكومة تصريف أعمال، ها هو المجلس يسدد فـي الوقت الحاضر فاتورة الشغور فـي رئاسة الجمهورية، مع قرار الكتل النيابية المسيحية البارزة بمقاطعة البرلمان- إلا فـي حال «تشريع الضرورة»- منعا لاي «تطبيع» مع الفراغ فـي قصر بعبدا.
ويتساءل رافضو هذا السلوك عن الحكمة فـي تعميم التعطيل ليمتد من الرئاسة الى مجلس النواب، وعن الجدوى من مقاطعة التشريع، وكيف لها ان تفـيد فـي التسريع بانتخاب رئيس الجمهورية، ولو انها تنفع فلماذا لم يتم انتخاب رئيس الجمهورية منذ قرابة عام؟
ويشدد أصحاب هذا الرأي على ان الشغور فـي موقع رئاسة الجمهورية يجب ان يكون حافزا لتفعيل انتاجية المجلس، وليس سببا لتعطيله، لافتين الانتباه الى ان مسؤولية البرلمان تصبح أكبر حين تكون المؤسسات الاخرى معطلة كما هو وضع الرئاسة، او متعثرة كما هي حال الحكومة.
وما يزيد المشكلة تعقيدا، تعدد التعريفات لـ«تشريع الضرورة» وبالتالي تفاوت الآراء حول المدى الذي يمكن ان يصل اليه هذا المفهوم المبتكر فـي الحياة السياسية اللبنانية، إذ بينما تعتبر القوى المسيحية ان هذا النوع من التشريع يتصل حصرا بالقوانين المتعلقة بتكوين السلطة والمصلحة العليا للدولة مثل قانون الانتخاب، والموازنة العامة، وسلسلة الرتب والرواتب للموظفـين، واستعادة الجنسية.. يرى بري ومؤيدوه ان مشاريع أخرى لها علاقة بمصالح الناس وبانتظام الدولة، تندرج أيضا فـي إطار الضرورة وينبغي البت بها، داعيا الى توسيع هذا المفهوم التشريعي حتى الحد الأقصى وعدم تفصيله على قياس مصلحة هذا الطرف او ذاك.
وتنطلق الكتل المسيحية الاساسية فـي موقفها المعترض على توسيع بيكار التشريع النيابي، من قناعة لديها بانه لا يصح ان يواصل المجلس النيابي نشاطه كالمعتاد، فـي ظل غياب رئيس الجمهورية، حتى لا يتم الاعتياد على الشغور الرئاسي، والايحاء بان المؤسسات الدستورية يمكن ان تعمل بشكل طبيعي، سواء كان رئيس الجمهورية موجودا ام لا.
وفـي المقابل، يشدد بري وعدد من الخبراء الدستوريين على ان المجلس النيابي سيد نفسه، ويشكل سلطة قائمة بحد ذاتها، بل هو أم السلطات ومصدر الشرعية للمؤسسات الدستورية الاخرى، الامر الذي يمنحه استقلالية وحصانة، تسمحان له بان يستمر فـي تأدية دوره، بمعزل عن اي عامل آخر.
ولئن كان البعض يرى انه لا يجوز للسلطة التشريعية التي يترأسها شيعي(بري) ان تبقى منتظمة، حين يكون رئيس الجمهورية الماروني غائبا، او رئيس الحكومة السني مستقيلا، حرصا على توازنات المعادلة الداخلية المرهفة، فان هناك من يرد بالاشارة الى ان المجلس يضم فـي صفوفه جميع المكونات اللبنانية، وينطوي فـي تركيبته على توازن دقيق، ما يجعله جامعا للبنانيين باختلاف توجهاتهم، وليس محسوبا على طائفة او مذهب.
وكون رئيس المجلس شيعيا لا يعني انه يختزل المؤسسة فـي شخصه، ويكفـي للدلالة على ذلك ان تحديد جدول أعمال الجلسة التشريعية، على سبيل المثال، ليس من اختصاص رئيس البرلمان وحده، بل تشاركه فـي ذلك هيئة مكتب المجلس التي تضم نوابا يمثلون معظم الكتل البرلمانية. ثم ان إقرار القوانين يتم، وفق ما هو معروف، إما بأكثرية الاصوات او بأكثرية الثلثين، وعليه، فان صوت رئيس المجلس يصبح، عند الاقتراع، مساويا لصوت أي نائب آخر.
Leave a Reply