١٥ عاماً على كذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق
مع اقتراب الذكرى الـ15 للغزو الأميركي للعراق، من المهم أن نستذكر الذرائع الاستخباراتية لشن الحرب على بلاد الرافدين، والتي ما تزال الولايات المتحدة تتحمل تكاليفها –بطريقة أو بأخرى– حتى اليوم.
كذلك من الأهمية بمكان أن نتذكر سياق ما حصل، خاصة في هذا الوقت الذي يتحدث فيه الرئيس دونالد ترامب عن الخيارات العسكرية ضد كوريا الشمالية أو إيران أو فنزويلا أو سوريا، وبما أنه لا توجد أية مبررات لشن مثل هذه الحروب، فمن غير المستبعد أن تلجأ الوكالات الاستخباراتية إلى تلفيق الذرائع –كما فعلت قبل 15 عاماً– لإقناع الرأي العام داخل البلاد وخارجها بأن الحرب ضرورة لا مفر منها.
في عامي 2002 و2003 تعاون البيت الأبيض مع وزارة الدفاع (البنتاغون) و«وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي أي) لفبركة كذبة امتلاك النظام العراقي السابق لأسلحة دمار شامل، وضرورة تدميرها قبل استخدامها على حد تعبير الرئيس حينها جورج دبليو بوش، دون أن ننسى محاولات اتهام بغداد بالتورط في اعتداءات «١١ أيلول» على نيويورك وواشنطن عام ٢٠٠١.
آنذاك لم يتردد وزير الخارجية كولن باول ونائب الرئيس ديك تشيني ومستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس عن اتهام بغداد بالعمل على إنتاج واستخدام أسلحة دمار شامل استناداً إلى فبركات استخباراتية روجتها الإدارة وشبكات التلفزة الأميركية بأن صدام حسين اقترب من تخصيب اليورانيوم وإنتاج سلاح نووي.
اليوم، وربما مذاك الحين، يدرك كبار المسؤولين في الوكالات الاستخباراتية الأميركية جيداً أن ما يسمى بـ«تقرير النيجر» كان افتراء وفبركة استخباراتية، لإيهام المجتمع الدولي بأن العراق قام بشراء اليورانيوم من النيجر.
ومع ذلك، نسجت المؤسسات الإعلامية والأمنية حكايات وهمية حول الخطر القائم من امتلاك العراق للأسلحة النووية، بناء على تقارير كاذبة حول مستودعات مزعومة من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، والأسلحة النووية، والطائرات المسيّرة، إضافة إلى تهمة التعاون بين العراق وتنظيم «القاعدة»، التي بدورها، كذبة أخرى أثبتت الأيام عدم صحتها.
في تشرين الأول (ديسمبر) 2002، وجد بوش الإبن أن حبكة الـ«سي آي أي» لشن حربه على العراق غير كافية، فطالب إدارته بالعمل على تقديم ذرائع يفهمها المواطن الأميركي العادي لأخذ البلاد إلى حرب، لا زلنا حتى يومنا هذا نتساءل عما جناه الأميركيون منها بعد أن كبدتهم آلاف الضحايا وتريليونات الدولارات دون مقابل.
حينها، توجه بوش إلى مدير الـ«سي آي أي» جورج تينت، وأبلغه قائلاً «لقد تلقيت كل المعلومات حول امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل.. هل هذا أفضل ما لدينا؟» وبدلاً من أن يكون تينت صادقاً، أجاب «لا تقلق.. سنقدم لك الدلائل القاطعة» (والمقنعة للناس).
وبعدها بعدة ايام، طلب رئيس هيئة استخبارات الأسلحة آلان فولي من محلليه أن يعدوا تقريراً مختصراً للرئيس، وقال «إذا كان الرئيس يريد أن تدعم الاستخبارات قراره بالذهاب إلى الحرب.. فالأمر متروك لـ«سي آي أي» لتزويده بذلك».
وفي أوائل كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٣ قدم نائب الــ«سي آي أي» جون كاكين ذلك التقرير المختصر، المزور والكاذب، للبيت الأبيض.
ووزع مكتب الخطط الخاصة في البنتاغون، المعلومات الاستخباراتية الزائفة، التي لا تصدقها ولا تحترمها الـ«سي آي أي» نفسها، كما قدم وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسة دوغلاس فيث معلومات استخباراتية مفبركة للبيت الأبيض حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، وحول ارتباط العراق بمنظمات إرهابية، لتسعير أجواء الحرب، ثم «سرّب» تلك المعلومات إلى صحفيين كبار، مثل جوديت ميللر، الكاتبة في صحيفة «نيويورك تايمز».
وكانت ميللر قد نشرت مقالاً على الصفحة الأولى في الصحيفة النيويوركية، في 8 أيلول (سبتمبر) 2002، نقلت فيه عن مسؤولي الإدارة الأميركية زعمهم بأن صدام حسين كان يبحث عن أنابيب ألمونيوم مصممة لتخصيب اليورانيوم، وبعد عدة أيام استخدم الرئيس بوش مزاعم «التايمز» في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما كان أنبوب الألمونيوم، الموضوع الأساسي في كلمة وزير الخارجية كولن بول في الأمم المتحدة في شباط (فبراير) 2003، وكتب رئيس هيئة موظفي باول، ويدعى لورنس ويلكرسون في صحيفة «نيويورك تايمز» أن «جدية وجاذبية الوزير» كانت جزءاً مهماً من جهود إدارة بوش التي استمرت لعامين من أجل تسويق الحرب على العراق أميركياً.
كان من الممكن أن يخوض بوش الحرب بالتعاون مع الاستخبارات أو بدونها، واليوم أيضاً لدينا رئيس لا يمانع من خوض الحروب بالتعاون مع الاستخبارات أو بدونها.
قبل 15 عاماً، كان لدينا مدير لوكالة الاستخبارات المركزية مخلص للرئيس وغير راغب بقول الحقيقة للسلطة، واليوم لدينا مديرة جديدة لهذه الوكالة، وهي جينا هاسبل، الوفية للبيت الأبيض والتي لا يمكن الوثوق بشفافيتها باعتبارها أحد أبرز المشجعين على أساليب التعذيب.
كذلك اليوم بات لدينا وزير خارجية محسوب على الصقور، وهو مايك بومبيو الذي حصل على منصبه الجديد خلفاً للوزير البراغماتي ريكس تليرسون، لكونه موالياً بالكامل لترامب، وهو أيضاً لا يعتمد عليه في قول الحقيقة، فهل من صوت معتدل في البيت الأبيض؟
حرب بوش زعزعت استقرار الشرق الأوسط برمته، وكما يصفها ترامب كانت أسوأ قرار في التاريخ، ولكنه من غير المستبعد أيضاً أن يتخذ الرئيس المغرد قراراً متهوراً أشد خطورة بشن حرب مفاجئة يستخدم فيها الأسلحة النووية، فيعم الدمار ليس فقط الشرق الأوسط الذي خربه أسلافه، بل سيطال العالم بأسره!
Leave a Reply