نبيل هيثم – «صدى الوطن»
ثمة قناعة جدية عند كثيرين بأن الحرب الأهلية في سوريا قد باتت في مراحلها النهائية، وأن ميزان الربح والخسارة بدأ يتضح بالفعل!
ينطلق المؤمنون بتلك النظرية من جملة معطيات سياسية وميدانية في آن معاً.
المعطيات السياسية كثيرة، ويكاد يلخصها موقف أميركي جديد، مفاده أن مصير الرئيس بشار الأسد يحدده طرفا التفاوض في جنيف، أي الوفد الحكومي السوري ووفد المعارضة السورية. يعني ذلك، أن اللعبة القذرة التي انتهجتها الولايات المتحدة وحلفاؤها لإسقاط الأسد التي بدأت قبل ستة أعوام انتهت.
في الميدان، ثمة تحولات لم تشهدها الأزمة السورية منذ فترة طويلة، لعل أبرزها أن كل القوى المناهضة لـ«داعش»، وعلى اختلاف تناقضاتها، قد اجتمعت على إنهاء وجود التنظيم المتشدد في مدينة الرقة، العاصمة الثانية لـ«دولة الخلافة».
الخناق يضيق
خلال الأيام الماضية شهد الميدان تحولات كبرى، أبرزها وصول قوات الجيش السوري إلى نهر الفرات وتحرير مدينة تدمر، في حين أعلن المقاتلون الأكراد في الشمال السوري السيطرة على طريق حيوي، إلى الجنوب من الرقة، ما يعني من الناحية العملية، قطع خطوط الإمداد بين مناطق سيطرة «داعش» في هذه المدينة، وبين مناطق أخرى يسيطر عليها في الشرق، بينما يجري التنسيق على أعلى مستوى بين القيادات العسكرية الفاعلة، وعلى أكثر من خط ومستوى، تمهيداً للمعركة الفاصلة.
بذلك، بات «داعش»، وللمرة الأولى، يواجه مروحة واسعة من «الأعداء» الذين فرقتهم بالأمس حسابات وأجندات وأهداف متباينة، ولكنهم باتوا أقرب اليوم إلى تسوية تنطلق من قواسم مشتركة، أبرزها استشعار خطورة استمرار الأزمة السورية إلى ما لا نهاية.
وبانتظار التوصل إلى تفاهمات، فإن «قوات سوريا الديمقراطية»، التي يمثل الأكراد عمودها الفقري، والمدعومة من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، تواصل تهيئة التربة للهجوم الكبير، بعد حصولها على دعم أميركي متجدد، مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض. ومن أحدث اشكاله، وصول 500 عنصر من القوات الخاصة الأميركية إلى شمال شرق سوريا وتمركزهم في محيط منبج، ما يعني من الناحية العملانية أنهم باتوا خلف خطوط المواجهة بين الجيش السوري والجيش التركي والميليشيات الموالية له بعد سيطرتها على مدينة الباب، ما يؤشر على استعدادات تقدم قوات «قسد» باتجاه مواقع «داعش» المحيطة بالرقة دون التخوف مع مواجهة من الأتراك الذين أقفلت بوجههم سبل التمدد في الشمال السوري.
ومما لا شك فيه أن تلك التطورات تثير قلقاً جدياً من الجانب التركي، الذي يرى نفسه مستشعراً أكثر من أي وقت مدى خطورة الموقف العسكري والسياسي، سواء لجهة تمكين الأكراد من الاستحواذ على نفوذ كبير في الشمال السوري، أو لجهة تقلص الدور السياسي والعسكري لتركيا، ومعها قوتان اقليميتان فاعلتان، هما السعودية وقطر.
هذا ما يفسر، بطبيعة الحال، التعقيدات التي تحوم حول مدينة منبج وعموم ريف حلب الشمالي الشرقي، الذي بات رقعة للعبة شطرنج دقيقة في الصراع الكبير على سوريا.
انتكاسة تركية
لعبة الشطرنج هذه ليست وليدة الأيام الماضية، بل بدأت في العام الماضي، حين تمكن الأكراد من السيطرة على منبج، لقطع الطريق أمام محاولات اختراقها من قبل تركيا وحلفائها من «الجيش السوري الحر» من جهة، ولكسر الفيتو التركي على تقدم الأكراد غربي نهر الفرات لوصل مناطق سيطرتهم بمنطقة عفرين في أقصى شمال غربي سوريا.
ولكن تحرك الأكراد أجهض، بضغط أميركي، مع اطلاق تركيا عملية «درع الفرات». فاستجاب الأكراد للضغوط، وقبلوا بانسحاب جزء من قواتهم إلى شرق الفرات، مع إبقاء سيطرتهم على منبج وريفها تحت حماية التحالف الدولي، بما يعني قطع الطريق أمام دور تركي أكبر في سوريا. وبذلك أصاب الأكراد عصفورين بحجر واحد: كسر شوكة الأتراك ومنعهم من الحصول على مناطق استراتيجية، وتجنب الاقتتال مع قوات «درع الفرات»، قبل أن يقوم الأكراد بتسليم خطوط المواجهة مع القوى المدعومة من أنقرة لقوات الجيش السوري التي انتشرت على الجبهة الفاصلة بين الأتراك والأكراد.
وبالرغم من أن هذه الهجمات المتعددة تأتي في سياق تنافسي بين القوى الفاعلة في الشمال السوري (الولايات المتحدة – روسيا – الأكراد – تركيا – الجيش السوري)، إلا أن هذا السباق يجعل «داعش» تحت ضغط شديد، لن يكون قادراً على مقاومته لفترة طويلة، ما قد يدفعه إلى سحب قواته باتجاه الرقة، لتحصينها استعداداً للمعركة الكبرى.
وعلى جبهة أخرى، تعرض «داعش» لانتكاسات كبرى، حيث خسر مدينة الباب الاستراتيجية، أمام تقدم قوات «درع الفرات» («الجيش السوري الحر» والجيش التركي). وبرغم الانتصار الذي حققه الأتراك في هذه المعركة، الا أن تركيا أظهرت ضعفاً في المواجهة، فالخسائر البشرية التي تكبدتها كانت كبيرة (60 قتيلاً من الجيش التركي، ونحو 500 قتيل من الجيش السوري الحر، إلى جانب ما يقرب من ألفي جريح)، وحلفاء تركيا على الأرض كانوا عاجزين عن التقدم من دون دعم عسكري من رعاتهم الأتراك في الميدان، لا بل إن السيطرة على الباب استغرقت وقتاً تجاوز بكثير، الوقت المخطط له لإنجاز المهمة، وهو ما حرم تركيا من أوراق كثيرة كان يمكن أن تستخدمها في التأثير على مجريات معركة حلب في كانون الأول الماضي.
هذه التطورات من شأنها أن تجعل الوضع أشد تعقيداً بالنسبة إلى تركيا في حال اتفق الأميركيون والسوريون على خوض معركة الرقة سوياً، ما يجعلها الحلقة الأضعف في المعادلة السورية.
لكن تلك الانتكاسات العسكرية لا تساوي شيئاً إذا ما قورنت بالانتكاسة السياسية الكبرى للأتراك، والمتمثلة في تلاشي طموحات رجب طيب أردوغان بأن ادارة ترامب ستتخلى عن سياسة دعم الأكراد التي انتهجها باراك أوباما. ولعل مشهد العربات العسكرية الأميركية في الشمال السوري قبل أيام قد نزل كالصاعقة على رؤوس قادة حزب العدالة والتنمية.
تحولات كبرى
علاوة على ذلك، ثمة مؤشرات تعكس طبيعة التحالفات المقبلة على الأرض السورية، لا سيما في ما يتعلق بالتحول الكبير في العلاقات الأميركية–الروسية المتجهة إلى مزيد من التنسيق والتعاون في الميدان السوري، ومن بينها التطور الميداني المثير للانتباه في تدمر حيث استعاد الجيش السوري، بمؤازرة من روسيا، المدينة التاريخية، بدعم من الطيران الأميركي.
أهمية هذا التحول تكمن في أن الطائرات الأميركية لم تكن في السابق لتشن اي ضربات على «داعش» حين كان الامر يتعلق بقتال بين التنظيم التكفيري والجيش السوري.
كل تلك المؤشرات تعكس تطوراً جدياً في مسار الحرب السورية لصالح الرئيس بشار الأسد وحلفائه، ولعل المفارقة هنا أن الغرب لم يعد شغله الشاغل طبيعة الحكم في سوريا بعد الازمة، كما أسقطت تماماً فكرة رحيل الأسد من التداول الإعلامي.
الجيش السوري لفرض الاستقرار في كافة أنحاء البلاد
يواصل الجيش السوري جهوده لفرض الاستقرار وإعادة الأمان إلى كافة أنحاء سوريا في خطة استراتيجية واضحة المعالم، في ظل التحركات الواسعة لقوات الجيش وحلفائه على أكثر من جبهة مشتعلة.
بعد أن تمكن الجيش السوري من توفير الاستقرار والأمان في مدن دمشق وأريافها، وحمص وغالبية أريافها، وحماه وغالبية أريافها، إضافةً إلى السويداء وطرطوس واللاذقية وحلب، حيث يقطن هذه المدن حوالي 80 بالمئة من سكان سوريا، يتّجه الآن للعمل على المحاور التالية لإعادة الاستقرار إلى المناطق والمحافظات الحدودية:
– دمشق: استكمال إعادة الأمان إلى ما تبقى من مناطق في ريف دمشق، وهي حصراً في الغوطة الشرقية، وتتمّ هذه العملية على هذا المحور من خلال الدمج بين الوسائل العسكرية لإرغام التنظيمات المصنّفة إرهابية والمستثناة من الحلول السياسية، وخيار المصالحة. وقد نجحت هذه السياسة في إعادة الأمان والاستقرار إلى أجزاء واسعة من ريف دمشق.
– دير الزور والرقة: التوجه لفك الحصار عن مدينة دير الزور بعد تحرير تدمر. وفي سياق هذه العملية يتمّ توفير الاستقرار لمناطق واسعة في ريف حمص الشرقي وريف حلب الشرقي، وتتمّ هذه العملية من خلال تقدّم الجيش السوي باتجاه نهر الفرات عبر الريف الشرقي لحلب باتجاه الرقة ودير الزور، ومن شأن تقدّم الجيش على هذا المحور الضغط على تنظيم داعش وشلّ قدرته على حشد المزيد من القوات داخل مدينة دير الزور، وبالتالي تقديم الدعم لحامية المدينة التي تصدّت للهجوم الذي شنّته داعش بمساندة أميركية عبّر عنها الهجوم الجوي الأميركي ضدّ الجيش السوري على جبل الثردة. وهذه المرة بعد استعادة تدمر لن يتوقف الجيش في زحفه نحو دير الزور عبر السخنة لأنّ عديد القوات المسلحة السورية اليوم بات كافياً لاستمرار التقدّم على هذا المحور من دون الحاجة إلى نقل القوات العاملة فيه إلى محور آخر، كما حدث بعد تحرير تدمر إذ اضطر الجيش إلى نقل جزء من القوات للتصدي للهجوم على حلب وعلى ريف حماه الشمالي.
– حلب وإدلب: توسيع الأمان لمدينة حلب من الجهة الغربية الجنوبية، وقد حقق الجيش تقدّماً ملحوظاً على هذا المحور، وثمة استعدادات لفتح معركة إدلب عندما يصبح التوقيت مناسباً، وتحديداً بعد أن تتضح معالم الصراع بين جبهة النصرة من جهة والتشكيلات الأخرى من جهة ثانية، لكن من الواضح أنّ لدى الجيش العربي السوري قوات ترابط الآن في محيط محافظة إدلب أشبه بالطوق الدائري تبدأ الدائرة من الريف الشمالي لإدلب في نبل والزهراء، وفي الريف الشرقي من خان العسل باتجاه خان طومان والعيس، والجنوبي من ريف حماه الشمالي، ومن الغرب من سلسلة جبال ريف اللاذقية.
هذه المحاور ستفضي إلى عودة كلّ الأراضي السورية إلى كنف الدولة السورية وعودة الأمان والاستقرار إليها في وقت قريب، وهذه الخلاصة أكدها «مركز كارينغي» الأميركي الذي استخلص أنّ «النزاع المسلح في سوريا دخل مرحلته الأخيرة» مشدّداً على أنّ «المعارضة السورية تجد نفسها أمام خيارين: إما الانخراط في الدولة المركزية، وإما الدمار» مرجحاً أنّ «القتال سيستمرّ لعام أو عامين»، على أبعد احتمال.
تحرير الموصل
واصلت القوات العراقية تقدمها على أكثر من محور في عملية تحرير مدينة الموصل من تنظيم داعش الذي باتت عناصره محاصرة في ساحلها الأيمن.
وباشر جهاز مكافحة الإرهاب العراقي التوغل في النصف الغربي من المدينة التي باتت شبه ساقطة عسكرياً بعد نجاح القوات العراقية بتحرير المطار الدولي، ومعظم المباني الحكومية في المدينة والسيطرة على أحياء تقع في الساحل الأيمن من مدينة الموصل.
وتواجه القوات العراقية قتالاً شرساً من قبل مسلحي التنظيم الإرهابي الذي يستخدم في المعارك أسلحة رشاشة وصواريخ.
وتقول تقارير للأمم المتحدة إن عشرات المدنيين فروا من حي المأمون باتجاه قوات جهاز مكافحة الإرهاب بينما دوت نيران الرشاشات لينضموا بذلك إلى موجات النازحين من الموصل الذين فاق 211 ألفاً.
وتشير المعلومات الاستخبارية العراقية عن احتمال أن يكون أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم «داعش» قد غادر الموصل قبل بدء عمليات الساحل الأيسر، لإدراك قيادة «داعش» العسكرية عزم القوات العراقية على عزل المدينة باتجاه تلعفر والحدود السورية.
وكان مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية قال الأربعاء الماضي إن البغدادي فرّ من الموصل قبل فترة وجيزة من محاصرة القوات العراقية للمدينة مرجحاً أن يكون فوّض القيادة التكتيكية للمعركة إلى قادة محليين.
Leave a Reply