هل انتهى مفعول «التسوية الرئاسية» التي تمّت بين «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل»، وأدّت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، قبل نحو عام، وعودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة؟.
ماذا قصد المشنوق؟
هذا ما أوحى به كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق، في لقاء جمعه مع «اتحاد العائلات البيروتية»، عندما أعلن أن لقاء وزير الخارجية جبران باسيل مع وزير الخارجية السورية وليد المعلم، هو اعتداء على رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي تسير العلاقة بينه وبين رئيس الجمهورية على «الصراط المستقيم»، ولم يلحظ أي إشكال بينهما، حيث تتم معالجة الملفات بينهما بكثير من التعاون والتفاهم، تحت سقف التسوية التي كان المشنوق من مؤيديها، والموصى بها من مراجع خارجية، لاسيما من السعودية، التي أبلغت الحريري قبل انتخابات رئاسة الجمهورية أن يقيم «ربط نزاع» مع «حزب الله» ويقبل أن يشاركه في الحكومة التي ترأسها تمام سلام مطلع عام 2014، لذلك ظهر موقف وزير الداخلية، وكأن التسوية الرئاسية انتهى مفعولها، بعد أن انتهكها طرف فيه وهو الوزير باسيل الذي اتفق أثناء المفاوضات مع الحريري قبل موافقته على تأييد ترشيح عون، بأن يبقى لبنان في موقع «النأي بالنفس»، عما يجري في سوريا، وعدم إدخال الصراع فيها إلى الداخل اللبناني، لأن النظام السوري لا يمثل «شرعية شعبية» في سوريا، وبات خارج جامعة الدول العربية، ومنبوذاً دولياً، فلا يمكن إعادة تعويمه، وفق ما يعلن «تيار المستقبل» ويؤيّده حلفاء له، غالبيتهم من فريق 14 آذار.
فالوزير المشنوق قرّر أن يعبر عن موقف الرئيس الحريري، وفي لقاء شعبي، لإعادة تعويمه مع الحملة التي تقوم ضده من داخل «البيت الأزرق»، بأنه يقدم التنازلات، والتي بدأت مع انتخاب مرشح «حزب الله» العماد عون إلى رئاسة الجمهورية، ثمّ قبوله مشاركة «حزب الله» في الحكومة التي ما أن يدخل الموضوع السوري إليها حتى تضعضع.
التطبيع مع النظام السوري
لقد بدأت الحكومة تهتز مع فتح ملف إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم، إذ انقسمت الحكومة بين فريقين الأول يمثله حركة «أمل» و«حزب الله» و«التيار الوطني الحر» و«تيار المردة» والحزب القومي والوزير طلال إرسلان، يؤيّد التواصل مع الحكومة السورية لترتيب عودة النازحين، وآخر رفض ذلك تحت ذريعة تعويم النظام وتطبيع العلاقات معه وهذا مرفوض، ومثله «تيار المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» و«القوات اللبنانية»، مما اضطر رئيس الحكومة إلى وضع الموضوع جانباً، ليظهر آخر، وهو تلقي وزراء في الحكومة دعوات من نظرائهم السوريين للمشاركة في معرض دمشق الدولي وهذا ما أثار انقساماً داخل الحكومة، بين مؤيّد للزيارة وآخر رافض، وكل منهما قدّم تبريراته، إذ أكّد الوزراء المدعوون وهم من حركة «أمل» و«حزب الله» و«تيار المردة» و«التيار الوطني الحر»، أن لبنان تربطه معاهدة أخوة وتعاون وتنسيق مع سوريا التي يمثلها سفير في لبنان، كان دعاة «السيادة» هم مَن يدعون إلى إقامة تمثيل دبلوماسي بين البلدين، وباتوا أصحاب دعوة إلى طرد السفير السوري وقطع اللقاءات معه، والتي لم تتوقف مع رئيس الجمهورية الحالي والسابق ولا مع رئيس مجلس النواب ووزراء ونواب وقيادة الجيش وأحزاب وسفارات، إضافة إلى وجود مجلس أعلى لبناني–سوري مازال أمينه العام نصري خوري يمارس دوره بالقدر الذي تسمح الظروف السياسية بذلك.
أما الرافضون لزيارة سوريا، فكانت ذريعتهم بأنها تعطي شرعية لنظام يقتل شعبه، إضافة إلى أن لبنان ملتزم بقرارات الجامعة العربية التي طردت ممثل الحكومة السورية منها، وعزلة دولية يعيشها الحكم السوري الذي لا يقبل لبنانيون عودته للتدخل في الشؤون اللبنانية.
لقاء باسيل–المعلم
هذا الانقسام حول زيارة وزراء إلى سوريا والتي تمّت وجرى خلالها عقد اجتماعات بين وزير الصناعة حسين الحاج حسن ووزير الزراعة غازي زعيتر ووزير الأشغال يوسف فنيانوس ووزراء سوريين، فإن وزير الاقتصاد رائد خوري المنتمي إلى «التيار الوطني الحر» لم يلبِّ الدعوة، وأصدر الوزير باسيل موقفاً رأى في زيارة الوزراء بأنها لا تحظى بقرار رسمي بل مبادرة شخصية وتطابق مع موقف الرئيس الحريري، الذي أشاد بما صدر عن وزير الخارجية الذي قرر الاستفادة من وجوده في الأمم المتحدة إلى جانب رئيس الجمهورية، ليطلب اللقاء مع نظيره السوري وليد المعلم، وأمام وسائل الإعلام، وتركز البحث على موضوع النازحين السوريين وآلية عودتهم دون العودة إلى الحكومة ورئيسها والالتزام بما كان صرح به، وفي الوقت الذي كان الرئيس الأميركي يطرح من على منبر الأمم المتحدة مسألة توطينهم في دول الجوار لسوريا، ومنها لبنان، مبرّراً موقفه بأن النازح السوري إلى أميركا يكلّف عشرة أضعاف وجوده في هذه الدول التي عليها أن تستوعبهم، وردّ عليه الرئيس عون من المنبر الأممي نفسه بأن لا توطين لهم كما لغيرهم، ليظهر باسيل مع المعلم، كرد على الرئيس ترامب، بأن عودتهم ستتأمّن من خلال الحكومة السورية التي باتت تسيطر على نحو 75 بالمئة من الأراضي السورية، وتضم أكبر نسبة من المواطنين السوريين، ويمكن للنازحين العودة الآمنة إليها، وهو ما أكّده الرئيس عون في كلمته أمام الأمم المتحدة.
ولم يخطئ الوزير باسيل في لقائه مع الوزير السوري، لأنه بحث معه في ملف يقلق اللبنانيين وهو النزوح السوري، والذي ممرّه الإجباري للحل، الحكومة السورية، ولم يكن بذلك يعتدي على رئيس الحكومة كما ذكر المشنوق، لأنه يحاول فتح حوار حول ملف شائك ومعقد، وقد لمس وزير الخارجية اللبنانية، ومن خلال موقعه واتصالاته، بأن العديد من الدول تعمل لتوطين السوريين في دول الجوار كي لا يلجأوا إليها، وهم يتشددون بذلك بعد العمليات الإرهابية التي طالت عدداً من الدول، لاسيما الأوروبية منها، وهو المسعى ذاته التي تقوم به الأمم المتحدة من أجل توطين النازحين السوريين، وهذا ما كان أعلنه صراحة أمينها العام السابق بان كي مون عندما طرح العودة الطوعية لهم، فرد عليه باسيل بالعودة الآمنة، وهي باتت مؤمنة لهم من خلال وقف المعارك والاقتتال في العديد من المحافظات لتي أجريت فيها مصالحات، وألقى المسلحون السلاح وانخرطوا في الحياة العادية.
فرط الحكومة
فما طرحه المشنوق سيؤثر على الحكومة وتضامنها التي أعلن وزير الداخلية أن رئيسها لا يمكنه أن يقبل وزراء في حكومته يخالفون قراراتها، وهذا ما يضعفه شعبياً أمام تياره السياسي الذي يعاني من عدم التماسك إضافة إلى شح التمويل، والضبابية السياسية، وهذا ما أظهرته الوقائع على الأرض، بانفكاك شعبي عن «تيار المستقبل» وضمور صورته داخل الطائفة السّنّية التي يقوى فيها التطرف والخطاب الشعبوي، كما في حالة اللواء أشرف ريفي الذي يرفع سقف خطابه السياسي ضد «حزب الله» وإيران والنظام السوري، ليحصد مؤيدين له، مستغلاً تضعضع مواقف الرئيس الحريري الذي رفع شعار الحفاظ على الاستقرار ورفض الإنجرار وراء اللغة الجماهرية التي ترفع من العصبية وتحرّض دون أن تأتي بفائدة إلى لبنان وأمنه.
اعتدال الحريري
من هنا فسّر سياسيون كلام المشنوق بأنه تعويم شعبي لشخصه عشية الانتخابات النيابية، بعد أن بهتت صورته، واتّخذ من لقاء باسيل–المعلم، مناسبة، ليدافع عن رئاسة الحكومة بشخص الحريري، وهو ما يدغدغ شعور أهل السّنّة، عندما تطالب بحقوق لهم يحاول آخر سواء كان شخصاً أو حزباً أو تياراً، أن ينال منها، حيث قرّر المشنوق أن يظهر كمَن يدافع عن موقع الطائفة السّنّية في السلطة ليكون على يسار اللواء ريفي والرئيس فؤاد السنيورة والوزير السابق خالد قباني ورضوان السيد، وكلهم يقودون حملات على الحريري الذي يتنازل كما يعلنون عن الحقوق أمام رئاسة الجمهورية وظلّها الوزير باسيل الذي يؤكّد أنه على تفاهم مع الرئيس الحريري ومستشاره نادر الحريري، وهم ينسقون في كل الملفات، وأن أطرافاً سياسية تخشى من هذا الحلف بينهما وتحديداً النائب وليد جنبلاط الذي لا يترك مناسبة إلا ويهاجم فيها باسيل.
والرئيس الحريري الذي يزعجه لقاء، باسيل مع المعلم، لكنه لن يستقيل بسببه كما ألمح المشنوق، ولن يخرج عن اعتداله الذي كان وراء الاستقرار في لبنان، والذي وضعه كبند متقدم على جدول أعماله، فربط النزاع مع «حزب الله» وخاض حواراً معه، لتخفيف التشنج في ساحتهما، لذلك هو لن يستفزّه ما جرى في نيويورك، وإن كان هزّ مشاعر المشنوق الذي ربما التقط إشارات خارجية، لاسيما سعودية التي له فيها علاقات جيدة مع أمراء، فقرّر رفع سقف خطابه، ليقدّم نفسه كبديل سياسي ويطرح جاهزيته لرئاسة الحكومة، ولكن دون أن يقلق الرئيس الحريري الذي أظهر أنه يدافع عنه ويلمّع له صورته شعبياً في البيئة البيروتية خصوصا والسنية عموماً، على ما أقدم عليه باسيل.
فهل كلام المشنوق، يُنهي التسوية الرئاسية مع عون، ويفك «ربط نزاع» مع «حزب الله»، ويدخل لبنان في المجهول؟
Leave a Reply