نبيل هيثم
تشكل الذكرى السنوية الاولى لـ«ثورة 30 يونيو» في مصر نقطة فارقة في الصراع الوجودي بين جماعة «الإخوان المسلمين» وأجهزة الدولة المصرية.
قبل الذكرى بأيام قليلة، سعى «التحالف الوطني لدعم الشرعية»، الذي يقوده «الإخوان المسلمون» ويضم حلفاءهم في تيار الإسلام السياسي، إلى حشد الشارع المصري في تظاهرات حاشدة، الهدف منها التأكيد على «شرعية» الرئيس المعزول محمد مرسي، ورفض «الانقلاب العسكري»، على حد تعبير قيادات هذا التحالف. ومع ذلك، فإن «الإخوان» لم تكن تقدر سقف التوقعات بشأن القدرة على الحشد عالياً لدى قيادات «التحالف» الإسلامي، فمنذ ان فضّ إعتصاما «رابعة العدوية وميدان النهضة» بدأت جماعة «الاخوان» تترنح في الشارع تحت تأثير الضربات الأمنية التي أصابت بنيتها التنظيمية الصلبة في مقتل، ولم تفلح كل دعوات الحشد المليونية سوى في تنظيم مسيرات محدودة في عدد من معاقل التيار الإسلامي، وعلى وجه الخصوص في المناطق العشوائية في محافظة الجيزة، وبعض الأحياء في الإسكندرية ومحافظات الدلتا والصعيد، وتلك المسيرات انتهت بالفض من قبل أجهزة الأمن المصرية.
وفي ظل المسار الانحداري لقدرة الإخوان على الحشد، غابت التوقعات بحدوث تحوّل دراماتيكي في الشارع، حتى أن الإجراءت الأمنية، يومي 30 حزيران «بدء الثورة على حكم المرشد» و3 تموز (يوليو) «عزل مرسي من قبل القوات المسلحة» لم تختلف عن التدابير المعهودة التي تتخذها القوات المسلحة والشرطة المدنية كل يوم جمعة، عبر إقفال الميادين وتأمين المناطق الحساسة. وكما كان متوقعاً لم يتعد حجم المشاركة في تظاهرات «يوم الغضب» المئات، الذين اجتمعوا في بعض أحياء الجيزة وتفرقوا سريعاً.
ولطالما أشارت التقديرات إلى ان الكتلة العددية لـ«الإخوان» تتراوح ما بين 200 و500 ألف شخص… إذاً فما الذي جعل «الإخوان» يخسرون القدرة على الحشد؟
يفسر بعض المتابعين لواقع الحركات الإسلامية في مصر، هذه الظاهرة بأمرين:
الأول: الضربة الأمنية التي وجهتها السلطات المصرية للكيان التنظيمي للجماعة، والتي أفلحت في اعتقال قياديي الصف الأول والثاني وعدد كبير من الكوادر الوسطية في الجماعة.
الثاني: وجود تيار واسع على مستوى القواعد «الإخوانية» يرى أن مسار التصعيد هو مسار عبثي، وأن الحل يكون إما بالعودة إلى العمل الدعوي أو العودة إلى شكل النشاط الذي كان معتمداً في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
ويمكن قياس حجم هذا التيار الإعتراضي انطلاقاً من الأعداد التي كانت مشاركة في اعتصامي «رابعة العدوية وميدان النهضة» قبل فضهما، والتي كانت التقديرات تشير إلى أنها لا تتجاوز 20 في المئة من الكتلة «الإخوانية» ما يعني أن 80 في المئة من القواعد «الإخوانية» تمارس شكلاً من أشكال العصيان المدني ضد قرارات مكتب الإرشاد.
وأمام واقع كهذا فإن جماعة «الإخوان المسلمين» ربما وجدت نفسها أمام أمر واقع جديد يحتّم عليها تغيير تكتيكاتها. وفي هذا الإطار، يفسر المراقبون التفجيرات التي شهدها قصر الاتحادية الرئاسي – وقبلها تفجيرات المترو – والتي تبنتها مجموعة أعلنت عن نفسها قبل ستة أشهر تحت اسم «اجناد الله»، وتحمل بصمات «الإخوان» أو احد حلفائها في «تحالف دعم الشرعية»، ضمن احتمالين: تكتيك جديد للضغط على نظام الحكم عبر بوابة الأمن، أو بداية ظهور لاجنحة «اخوانية» متشددة.
ويشير محللون أمنيون إلى وجود تغييرات تكتيكية في العمليات الأمنية التي تنفذها جماعة «الإخوان»، ويربط هؤلاء ذلك بسلسلة الاجتماعات التي عقدها «التنظيم الدولي» والتي رشح منها حديث عن خطط لإحداث إرباك أمني ونشر الفوضى، يمهد لخطة إسقاط الدولة المصرية وإيقاع مصر في سيناريو سوريا وليبيا… أو ربما أوكرانيا. ويعيد هذا السيناريو التذكير بالأسلوب الذي اعتمدته «الجماعة الإسلامية» في فترة التسعينيات، وخصوصاً في العام 1995، للضغط على جهاز أمن الدولة، عبر استهداف المدنيين والسياح. ولذلك، فلا يستبعد المحللون أن يشهد العام الثاني لـ«ثورة 30 يونيو» تصعيداً لأعمال العنف، بعد فشل خيار الحشد الشعبي.
لكن محللين أمنيين آخرين يرون أن مسيرات مناصري «الاخوان» خلال العام الاول بعد «ثورة 30 يونيو» انتهت باعتقالات طالت المئات، وربما هذا ما دفع ببعض هؤلاء إلى البحث عن طرق جديدة أكثر عنفاً.
ويشعر مناصرو مرسي بأن قادة الجماعة تخلوا عنهم، أو ان لا حول لهم ولا قوة بعد الضربة الأمنية الناجحة من قبل أجهزة الدولة، وبالتالي فإن معركة الشارع خاسرة ولا يمكن أن تستمر، وبالتالي فإن ثمت حاجة إلى وسائل بديلة، من بينها العنف، وهذا ما يفسر ظهور مجموعات تختلف التقديرات بشأن مدى ارتباطها بقادة «الإخوان» في السجون، ومن بينها «طلاب ضد الانقلاب» و«مولوتوف ضد الانقلاب» و«اجناد مصر». وكان واضحاً خلال العام الماضي أن قيادة الإخوان قد لجأت إلى حيلة خبيثة، وهي استيعاب طاقات الغاضبين بإعطائهم مسؤوليات ميدانية، فأصبحت الكوادر الطلابية صاحبة القرار والتنفيذ، وهذا يفسر شكل العنف في الشارع، المرتبط بطاقة عقلية لشباب يتسم بالنزق والحماقة وارتياد المجهول. وكان الهدف من ذلك تصدير فائض الغضب في صفوف القواعد «الإخوانية» بحيث يبقى موجهاً ضد النظام وليس ضد مكتب الإرشاد، والثاني، مواصلة الضغط على النظام أملاً بتسوية ما. وربما تكون المجموعات الجديدة المشار إليها، وخصوصاً «أجناد مصر»، من بين نتائج تلك الحيلة، حيث يمكن وصفها بالمغامرة، التي قد ترتد حتى على قادة «الإخوان» انفسهم. وبحسب التقديرات الأمنية فإن هذه المجموعات هي خلايا صغيرة لا يتجاوز عدد أفرادها العشرين، وتتدرّج تصاعدياً في مسار العنف.
وعلى سبيل المثال، فإن مجموعة مثل «اجناد مصر» بدأت نشاطها في كانون الثاني الماضي بهجمات متفرقة استخدمت فيها أدوات بدائية «عبوات ناسفة بدائية الصنع»، وظل نشاطها محصوراً ضمن نطاق جغرافي محدد في محافظة الجيزة، لكنها تدرجت صعوداً في عملياتها، فحققت بعد فترة ليست بطويلة نقلة نوعية تمثلت في استهداف محطات المترو وعمليات اغتيال لقادة أمنيين، ثم حققت نقلة نوعية أخرى وأيضاً نقلة جغرافية وأكثر نوعية عبر استهداف القصر الرئاسي في القاهرة.
ثمت مخاوف من نمو تلك المجموعات كالخلايا السرطانية في الجسم المصري، خصوصاً أنها تعتمد على نظرية «الذئاب المتوحدة» المستندة إلى منهج تنظيم «القاعدة»، وتحديداً منهج «أبو مصعب السوري» في كتابه «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية»، والذي يقول بتأليف مجموعات صغيرة «تتراوح بين شخصين وخمسة عشر شخصاً» مؤمنة بالفكر «الجهادي»، تختار اسماً خاصاً بها، وتعمل منفردة بعيداً عن أي ارتباط بمجموعات اخرى، وتستهل نشاطها بتنفيذ عمليات صغيرة أو متوسطة أو كبيرة، بتمويل ذاتي، وتدريب داخلي غالباً ما يتم داخل المنازل أو ورش الصناعة، وخبرات بدائية يتم اكتسابها من خلال المواقع «الجهادية»، قبل أن تنشطر تدريجياً وتتكاثر. وفي إقليم ملتهب بالحركات الجهادية من العراق وسوريا وصولاً إلى ليبيا والساحل الإفريقي، مروراً بسيناء، تواجه مصر تحديات أمنية خطيرة، ومن غير الواضح بعد ما إذا كانت استعادة الدولة المصرية هيبتها بعد انتخاب المشير عبد الفتاح السيسي رئيساً للجمهورية سيجعل أقدم دولة في التاريخ بمنأى عن شبح الفوضى الذي يعم الوطن العربي، خصوصاً في ظل حالة الاحتقان القائمة حالياً على المستوى السياسي، والغليان الذي بدأ يشهده الشارع المصري على خلفية الازمة الاقتصادية – الاجتماعية. ولعل هذا ما يتطلب من القيادة المصرية الجديدة أن تدرك الأمن والديمقراطية متكاملين، لا أن تغرق في فخ التناقض بين هذين المفهومين، والذي أوقع الكثير من حكام العرب فيه… وكانت النتيجة الخراب وإسقاطهم عن الكراسي والعروش!
«أجناد مصر»: تسلسل زمني
ظهرت مجموعة (أجناد مصر) للمرة الأولى في الرابع والعشرين من كانون الثاني الماضي بتغريدة على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) أرفق ببيان تتبنى فيه عملية جرت في هذا التاريخ.
وفي بيانها الأول، أطلقت المجموعة ما اسمته: حملة «القصاص حياة» ضد «جند الطاغوت»، على حد وصفها، مشيرة إلى أن «أجهزة الإجرام التابعة للنظام، وكافة عناصرها، قد تربوا منذ العهد البائد على التنكيل بالشعب وإذلاله والحيلولة بينه وبين الحياة الكريمة وصده عن دينه، وإن الشعب قد قام بثورته المباركة على تلك الأجهزة الإجرامية حتى يتحرر من سطوتها وجبروتها فأسقط رأسها وأزاح عدداً من رموزها، إلا أن ثورتنا لم تكتمل ولم تستأصل جذور الفساد من أصولها فتركت مؤسسات الطاغية، وترك رجاله وفلوله وقانونه الوضعي، فاستغل أذنابه تلك الثغرة وعادوا من خلالها مرة أخرى بشكل أبشع وجرائم أشنع… فما كان لنا أن نرتضي لمصرنا الحبيبة حياة الذل والهوان، خاصة وأن فيها من العقول والقدرات ما يمكننا من التصدي لأعتى جبابرة الأرض».
وفي بيان ثان مؤرّخ في اليوم ذاته، تبنت «أجناد مصر» عمليتي تفجير استهدفت إحداهما قوات الأمن المركزي بالقرب من محطة البحوث في حي المهندسين في القاهرة، مشيرة إلى أن «هذه القوات هي الموكلة بالقتل والتعدي على الأبرياء في كل يوم جمعة»، في إشارة إلى التظاهرات المؤيدة للرئيس المعزول محمد مرسي، والثانية استهدفت قسم شرطة الطالبية بشارع الهرم في الجيزة. وتبنت «أجناد مصر» في بيانها سلسلة عمليات سابقة «الهدف منها معرفة ردة فعل الأجهزة الإجرامية»، ومن بينها استهداف نقطة محور 26 يوليو (7 كانون الثاني العام 2014)، وكمين السواح (25 تشرين الثاني العام 2013)، وكمين عبود (20 تشرين الثاني العام 2013). وعقب ذلك، تبنت المجموعة تفجير عبوتين استهدفتا مقر الإدارة العامة للعمليات الخاصة بقوات الأمن المركزي في القاهرة الكبرى على طريق الإسكندرية الصحراوي (31 كانون الثاني العام 2014)، وعبوتين أخريين استهدفتا دورية للأمن المركزي في ميدان الجيزة (7 شباط العام 2014)، وتفجير ثلاث عبوات في ميدان نهضة مصر قرب جامعة القاهرة (2 نيسان 2014)، أسفرت عن مقتل مفتش مباحث مديرية أمن الجيزة العميد طارق المرجاوي، ومن ثم تفجير عبوة في ميدان لبنان (19 نيسان 2014)، وبعدها اغتيال العميد في قوات الأمن المركزي أحمد زكي بعبوة زرعت في سيارته في مدينة 6 اكتوبر، قبل أن تتبنى تفجيرات قصر الاتحادية في الذكرى الأولى لـ«ثورة 30 يونيو».
Leave a Reply