محمد الرموني – «صدى الوطن»
يمكن القول إن مدينة ديترويت بقيت بعيدة نسبياً عن أعمال الشغب والمواجهات العنيفة التي عمّت أنحاء البلاد خلال الأسبوع الماضي احتجاجاً على وحشية تعامل الشرطة مع المواطنين السود عقب مقتل فيلاندو كاستيل (32 عاماً) في مينيسوتا وألتون ستيرلنغ (٣٧ عاماً) في لويزيانا على يد رجال شرطة بيض.
وإذا كانت أحداث دالاس ومقتل خمسة رجال شرطة فيها قد حررت يد الأمن في التعامل مع المتظاهرين وهو ما عكسته الأعداد الكبيرة للمعتقلين، فإن حركة «حياة السود مهمة» التي قامت بتنظيم احتجاجات وقطع طرقات في مختلف أنحاء البلاد، كانت حريصة في الحفاظ على سلمية التظاهر بديترويت، فيما كانت السلطات على أهبة الاستعداد لاحتواء أية أعمال تحريضية، وهو ما كان كفيلاً بضبط الشارع الديترويتي خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي.
ولا شك أن آخر ما تريده ديترويت اليوم هو انفلات أمني على أسس عنصرية، لاسيما وأن المدينة التي تخطو بثبات نحو المستقبل واستعادة الأمجاد الغابرة تقف اليوم على عتبة الذكرى الخمسين لأحداث العام 1967 التي أدخلت المدينة الأيقونية نفقاً لا تزال حتى يومنا هذا تحاول تلمس نهايته.
التحريض ممنوع
استفاقت ديترويت يوم الجمعة الماضي، كسائر المدن الأميركية، على الأخبار الواردة من دالاس حيث قالت السلطات إن جندياً أميركياً أسود قام بقنص 12 شرطياً من الأميركيين البيض انتقاماً لبني عرقه، وبحلول المساء كان المئات قد احتشدوا في ساحة «كامبوس ماريتوس» وسط ديترويت رافعين شعارات حركة «حياة السود مهمة».
التظاهرة تميزت بالسلمية وبمشاركة أميركيين بيض وعرباً ولاتينيين وسط شعارات «متوازنة»، حيث لم يلجأ المتظاهرون الى قطع طرقات رئيسية كما حصل في مدن أميركية أخرى، كما أنهم لم يكتفوا بتحميل دم السود لرجال الشرطة البيض، بل رفعوا شعارات تنادي بوقف قتل السود للسود ومكافحة الجريمة في المدينة، وهو ما ساهم في امتصاص المشاعر الغاضبة ومنع التحريض العنصري ضد الأميركيين البيض الذين يتوافدون للعيش في وسط ديترويت ومحيطه.
مقارنةً بمدن أخرى شهدت اعتقالات واسعة وصدامات مع رجال الشرطة الذين تم قذفهم بالحجارة والمفرقعات، فإن تظاهرة ديترويت حافظت على سلميتها بامتياز، حيث جال المتظاهرون الذين قدر عددهم بحوالي ألف شخص في شوارع «الداونتاون» بسلام فيما لم يسجل أي حضور مكثف للشرطة.
ورغم أن الدافع للمسيرة كان عنف الشرطة إلا أن الشعارات والمواقف التي نقلتها وسائل الإعلام المحلية ركزت على ضرورة مكافحة الجريمة و«تنظيف» مناطق الجوار، ونقلت صحيفة «فري برس» عن أحد المتظاهرين، ويدعى أرديس بلاك، قوله إن «السود يكرهون بعضهم البعض» داعياً إياهم الى التصدي للجريمة في أحيائهم، بينما دعا مايكل ألين من ديترويت الناس الى تنظيف مناطق سكناهم من الجرائم.
وإذا كان إيقاع الشارع قد ضبط بـ«التظاهرة المعتدلة»، فإن «إيقاع الانترنت» يظلّ فضاءً خصباً للخطاب التحريضي، وهو ما حرصت شرطة ديترويت والسلطات الفدرالية على تطويقه بسرعة، حيث طلبت شرطة المدينة من مكتب الادعاء العام في مقاطعة وين توجيه تهم لأربعة أشخاص تم اعتقالهم الأسبوع الماضي بعد رصد تعليقاتهم التحريضية ضد رجال الشرطة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وطالب قائد شرطة ديترويت، الادعاء العام بتوجيه تهمة «التهديد بالقتل عبر الانترنت» للأفراد الأربعة، وهي تهمة تصل عقوبتها الى السجن لمدة عامين.
وقال أحد هؤلاء عبر موقع «فيسبوك» غداة مجزرة الشرطة في دالاس: «كل الحياة ليست مهمة حتى تصبح حياة السود مهمة: اقتلوا رجال الشرطة البِيض»، فيما كتب آخر «إنه الوقت لإعلان الحرب.. اطلقوا النار على الشرطة أولاً».
وقد أفرج عن الأشخاص الأربعة بعد اعتقالهم بفترة وجيزة.
«أف بي آي» يحذّر من إطلاق التهديدات
ديتروت - أصدر مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) في ديترويت، يوم الخميس الماضي، بياناً صحفياً أكد فيه أن هناك فرق بين «حرية التعبير» و«اطلاق التهديدات».
وجاء في البيان: «إن الـ«أف بي آي» ومكتبي الادعاء الفدرالي في شرق وغرب ميشيغن يودون تذكير المواطنين بأنهم يحمون ويدعمون الحقوق الدستورية لجميع المواطنين في حرية التعبير» لكن ليس كل ما يقوله الفرد يعدّ قانونياً. وأضاف البيان أن حرية التعبير قد يتم استغلالها لتضمين تهديدات لأشخاص أو مجموعات أو أماكن محددة وهو أمر مخالف للقانون. وتابع أنه في حال توجيه التهديدات الى أفراد معينين أو مجموعات محددة -مثل الشرطة أو المجموعات الإثنية- فإن ذلك سيعامل قانونياً بمثابة تهديد يعاقب عليه القانون. واختتم البيان بالقول إن الأفراد الذين يتناقلون التهديدات قد يكونون عرضة للمساءلة القانونية.
Leave a Reply