بعد فوزها الكبير فـي بنسلفانيا
احيى الانتصار الكبير الذي حققته المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون في ولاية بنسلفانيا الثلاثاء الماضي، ضد خصمها الديموقراطي باراك أوباما، حظوظها بالبقاء على قيد التنافس للفوز بتسمية الحزب الديموقراطي في مؤتمره العام في الصيف القادم. لكن السؤال الذي يبقى معلقاً هو: هل جاء هذا الفوز متأخراً وبالتالي لن يغير كثيراً من الوقائع المتحكمة بعملية التسمية، ام انه شكل نقلة في معركة السيدة الاميركية الاولى سابقاً للعودة الى عرين الرئاسة الذي مكثت فيه ثماني سنوات في عهد ولايتي زوجها بيل كلينتون الرئاسيتين؟
الفوز الذي حققته كلينتون في بنسلفانيا يؤدي غرضين متلازمين: فمن جهة جاء منقذاً لها من احتمال الخروج من السباق فيما لو حقق خصمها باراك اوباما مفاجأة بهزيمتها في هذه الولاية الكبيرة، ومن جهة اخرى يعزز من فرص فوزها في الانتخابات العامة في نوفمبر، فيما لو تأهلت عن حزبها الديموقراطي، نظراً للاهمية الرمزية والواقعية التي تمثلها هذه الولاية التي شهدت توقيع وثيقة الاستقلال الاميركي قبل اكثر من مئتين وثلاثين عاماً على ايدي الآباء المؤسسين وفي طليعتهم توماس جيفرسون وجورج واشنطن، ونظراً لكون اي رئيس ديموقراطي للولايات المتحدة لم يفلح في الوصول الى البيت الابيض دون الفوز في ولاية بنسلفانيا منذ العام 1948.
وتنبع اهمية الفوز الذي حققته كلينتون من حجم الفارق الذي نجحت في تحقيقه متخطية توقعات استطلاعات الرأي التي وضعتها امام خصمها اوباما بـ4-5 نقاط مئوية فقط، وسوف يسمح هذا الحجم (حوالي 10 نقاط مئوية) بالمساهمة في رفع «الاحراج» عن المندوبين الكبار في المؤتمر العام للحزب الذين يحكمهم في الغالب عنصر التصويت الشعبي في ترجيح كفة هذا المرشح او ذاك في حال تقارب عدد المندوبين الانتخابيين من الولايات وهو ما حصل في السباق بين كلينتون واوباما حتى الآن.
ففي حين لا يزال الفارق في عدد المندوبين الانتخابيين حوالي 130 مندوباً لصالح اوباما، نجحت كلينتون في تقليص الفارق في الاصوات الشعبية بفوزها بمعظم الولايات الكبيرة مثل كاليفورنيا واوهايو وتكساس واخيراً بنسلفانيا. واذا ما قدر لكلينتون ان تحقق فوزاً في ولاية كبيرة اخرى هي ولاية انديانا في السادس من ايار (مايو) القادم، فإن حظوظها بالفوز بتسمية الحزب سوف تكتسب المزيد من الزخم
وفي حين تواجه كلينتون معركة قاسية في ولاية نورث كارولاينا احدى ولايات الجنوب التي حقق المرشح اوباما تفوقاً فيها جميعها (باستثناء ولاية اركانسو معقل زوجها الرئيس السابق)، تسعى كلينتون الى «الصمود» في هذه الولاية واستدراج خصمها الى معركة تستنزف المزيد من ماله وجهده ولتشتيت حملته بعيداً عن «موقعة انديانا» التي تأمل كلينتون بأن يساهم فوزها في بنسلفانيا في الانسحاب عليها في ظل ارتفاع ملحوظ في القدرة على جمع اموال التبرعات التي شهدت بعد الفوز الاخير ورود اكثر من مليونين ونصف المليون دولار الى حملتها الانتخابية.
وفيما خاضت كلينتون في بنسلفانيا حملة «نظيفة» نسبياً ابتعدت خلالها عن الهجوم الشخصي على خصمها مثلما فعلت في منازلات ومناظرات سابقة، إلا ان اجتياز ما تبقى من مسافة نحو المؤتمر العام للحزب قد يدفع بالمرشحة كلينتون الى معاودة الطعن في امكانات خصمها لقيادة اميركا ولمحاولة التأثير على قرار المندوبين الكبار وهم قياديو الحزب المنتخبون و«الاحرار» في التصويت لمرشح يختارونه.
كلينتون بدت واثقة بعد فوز بنسلفانيا الكبير من كسب المعركة في المؤتمر الحزبي الوطني في حزيران القادم وعبرت عن ثقتها بالقول «ان المد قد عاد»، كما لو انها كانت تتبع استراتيجية السباقات الطويلة التي تعتمد على الاحتفاظ بجزء من الطاقة الى ربع المسافة الاخير.
على ان السباق المضني بين كلينتون واوباما وبصرف النظر عمن يجتاز راية الوصول اولاً للفوز بتسمية الحزب الديموقراطي سوف يخلف منافساً ديموقراطياً «منقطع الانفاس» امام المرشح الجمهوري جون ماكين «المسترخي» عند نقطة المتابعة نحو البيت الابيض والمحتفظ بكل طاقته وحيويته لاجل هزيمة المرشح الديموقراطي المنهك، في المدة القصيرة نسبياً الفاصلة بين موعد تسمية المرشح الديموقراطي في حزيران القادم والانتخابات العامة في نوفمبر.
لكن المرشحة هيلاري كلينتون لم تنس في خضم انشغالها بمعركتها المضنية ضد المرشح الكاريزماتيكي الشاب باراك اوباما ان تقدم «دفعة على الحساب» للناخبين الكبار «الآخرين» في الانتخابات النهائية وهم منظمات اللوبي اليهودي التي تنتظر مواقف المرشحين من مدى الالتزام بأمن دولة اسرائيل واي المواقف ستبدو اكثر انبطاحاً وسلاسة امام اجندة تلك المنظمات وشروطها لدعم المرشح الديموقراطي او الجمهوري، ليس بناءً على الانتماء الحزبي، لان الحزبين يتنافسان على خطب ود اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، بل بناءً على درجة الالتزام بالسياسة الاسرائيلية في الشرق الاوسط وهي السياسة الوحيدة لدى الادارات الاميركية المتعاقبة منذ نشأة الكيان الصهيوني على ارض فلسطين.
هكذا جاء التصريح الحربي لكلينتون، وتهديدها بازالة ايران عن الخارطة، في سياق المزايدة المبكرة على الحزب الجمهوري في البازار الذي ستفتحه المعركة الحاسمة على البيت الابيض في الاشهر الستة القادمة، وهكذا قامت كلينتون بايداع موقف ثمين في رصيدها الاسرائيلي لدى بنك «الناخبين الكبار الحقيقيين» فيما بدا خصمها اوباما متوتراً ومرتبكاً بعض الشيء عند سؤاله عن تعقيب على لقاء الرئيس الاسبق جيمي كارتر بخالد مشعل في العاصمة السورية عندما زجر السائل بقوله: الا تدعوني اتناول كعكعة الفطور؟».
واغلب الظن ان كلينتون كانت سترد بطريقة مختلفة جذرياً عن دبلوماسية خصمها كأن تقول: اعلن اضراباً عن الطعام لمدة 24 ساعة احتجاجاً على هذا اللقاء «غير الاخلاقي» بين كارتر ومشعل»!.
ولربما ارادت كلينتون التي لا تتعب من التأكيد على مؤهلاتها «لكي تكون القائد الاعلى للقوات المسلحة منذ اليوم الاول لاستلامها السلطة» ان تسمع ذوي الشأن الانتخابي واصحاب الكلمة الفصل في لعبة المال والنفوذ في اميركا، أن ما يمكن ان تفعله امرأة في البيت الابيض، لا يقدر عليه الرجال!
فهل تعني كلينتون ما تقول، وهل تكون «الامة الايرانية» ورقة مساومة في الطريق الى البيت الابيض بين طموحات هذه الامرأة التي جرحت بكرامتها كسيدة اميركا الاولى وعضت على جراحها طيلة السنوات العشر الماضية للانتقام من «عالم الرجال» بقرارات من نوع «ازالة ايران عن الخارطة» ام ان كلامها الحربجي لا يعدو الاستهلاك الانتخابي وادعاء المقدرة على اتخاذ قرارات خطيرة بمستوى محو دول من الوجود ثمناً للوصول الى قمة السلطة في بلاد تتربع على عرش العالم دون منازع؟.
Leave a Reply