بعد إنجاز استحقاق الانتخابات النيابية في لبنان، تحولت الأنظار نحو محطتين سياسيتين ودستوريتين مقبلتين:
الأولى تتعلق بانتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه. وهنا، لا مفاجآت متوقعة باعتبار أن انتخاب «النائب» نبيه بري رئيساً للمجلس في ولاية جديدة هو أمر محسوم وحتمي بمعزل عما إذا كان تكتل «لبنان القوي» برئاسة الوزير جبران باسيل سيمنحه أصواته أم لا. أما موقع نائب الرئيس فمن المرجح أن يؤول إلى النائب إيلي الفرزلي، خصوصا أن اسمه يشكل مساحة تقاطع بين «التيار الوطني الحر» الذي دعم ترشيحه النيابي والرئيس نبيه بري الذي شجعه على الترشح، وبالتالي فإن الرجل يبدو مؤهلاً لتأدية دور «المنطقة العازلة» بين الجانبين، مع الإشارة إلى أن هناك أسماء أخرى متداولة لتولي هذا المركز كالنائب إلياس بو صعب المنتمي حزبياً إلى التيار، فيما تبحث «القوات اللبنانية» في إمكان ترشيح أحد نوابها الأرثوذكس للمنصب.
أما المحطة الثانية والأكثر تعقيداً، فتتصل بتشكيل الحكومة الجديدة بعد إعادة تسمية الرئيس سعد الحريري لترؤسها، كما هو متوقع، كونه يمثل الأكثرية النيابية السنية وفق نتائج الانتخابات. وإذا كان الرئيسان ميشال عون ونبيه بري قد أكدا خلال لقاء كسر الجليد الذي عُقد بينهما مؤخراً على ضرورة الإسراع في تأليف الحكومة لأن التحديات الداخلية والإقليمية لا تحتمل هدر الوقت، إلا أن المؤشرات الأولية توحي بأن عملية التأليف ستكون صعبة وشائكة، بالنظر إلى الشهية المفتوحة منذ الآن للأطراف الفائزة في الانتخابات على «التهام» الوزارات الدسمة والأساسية.
مطالب متضاربة
يمكن تفنيد المطالب المتضاربة، المرجح طرحها، كالآتي:
– يتمسك الرئيس نبيه بري بالإبقاء على حقيبة المالية بحوزة الوزير علي حسن خليل، انطلاقاً مما تمثله من وزن يسمح بتحقيق التوازن في السلطة، على قاعدة أن توقيع وزير المالية على المراسيم هو إلزامي إلى جانب توقيعي رئيسي الجمهورية والحكومة.
– يتطلع «حزب الله» إلى الحصول على حقائب وزارية أساسية تتناسب مع حجمه النيابي من جهة ومع قراره بتفعيل حضوره في الشأن الداخلي من جهة أخرى. والحزب الذي عُرف في الماضي بـ«زهده السلطوي»، حيث كان يكتفي بوزارات عادية، يعتبر أن الظروف تغيرت وقواعد اللعبة تبدلت، لاسيما بعدما أعلن أمينه العام السيد حسن نصرالله شخصياً عن إطلاق معركة مكافحة الفساد والتصدي للملفات الاجتماعية والاقتصادية، ليتحول بذلك إلى شريك في الملف المالي والاقتصادي الذي كان يخضع إلى نفوذ «تيار المستقبل» بشكل كبير في الماضي. والأرجح، أن الحزب سيكون أكثر إصراراً على تثبيت وجوده في السلطة وتحصينه، رداً على العقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة ودول خليجية على عدد من قيادييه، وفي طليعتهم نصرالله.
– تعتبر «القوات اللبنانية» أن زيادة حجمها النيابي من 8 نواب إلى 16 هو إنجاز نوعي حققته في الانتخابات، ويجب «صرفه» في الحكومة المقبلة من خلال حصة وزارية وازنة، كمّاً ونوعاً، الأمر الذي من شأنه أن يثير حساسية «التيار الوطني الحر»، باعتبار أن أي توسع في الحضور القواتي داخل الحكومة سيتم حُكماً على حساب الحصة المسيحية للتيار. والى جانب الطموحات الوزارية، ستحاول «القوات» الدفع نحو فرض إيقاع أجندتها السياسية المتشددة على خيارات الرئيس المتوقع تكليفه سعد الحريري، لاسيما في ما يتعلق بمستقبل العلاقة مع النظام السوري، ودور المقاومة، وهما ملفان حيويان واستراتيجيان يعتقد سمير جعجع أن قيادة «حزب الله» نجحت خلال المرحلة الماضية في التحكم بمسارهما و«تطويع» الدولة لنظرتها إليهما. وهناك من يرجح أن يستعيد جعجع قدرته على التأثير على الحريري بعد إعادة ترميم التحالف بينهما خلال اللقاء الذي جمعهما قبل أيام في بيت الوسط، وهو اللقاء الأول من نوعه بعد أشهر من التوتر والقطيعة.
– يفترض «التيار الوطني الحر» أن تمكنه مع حلفائه من الفوز بمجموعة نيابية كبيرة تضم 29 نائباً، يسمح له بانتزاع العدد الاكبر من الحقائب المخصصة للمسيحيين في الحكومة، وهو أكد مسبقاً رفضه تجيير وزارة الطاقة إلى «القوات» فيما تردد أنه سيحاول الاحتفاظ بوزارة الخارجية التي طبعها باسيل بطابعه، وتحديداً في مجال التواصل مع المغتربين، علماً أن التيار يضع تمثيله الوزاري المفترض في سياق حماية العهد وانجاحه، خصوصا أن كتلة «لبنان القوي» تُصنف بأنها كتلة العهد.
وإضافة إلى كل ذلك، فان السياسات الاستراتيجية التي يتوجب على الحكومة الجديدة اتباعها ستكون على الأرجح مادة تجاذب خلال مفاوضات التشكيل، بالتزامن مع ازدياد الضغوط الخارجية على «حزب الله»، وارتفاع منسوب التوتر الإقليمي، إلا إذا تحسست القوى الداخلية بدقة المرحلة، وارتقت في التعاطي معها إلى المسؤولية المطلوبة.
Leave a Reply