شكوك الاهالي في الجنوب وعدم الثقة دفع الى الاشكالات
محاولة لتغيير قواعد الاشتباك ونقل مهماتها الى الفصل السابع
ببروت –
عندما صدر القرار 1701 عن مجلس الامن الدولي، لوقف الاعمال العسكرية الناتجة عن العدوان الاسرائيلي على لبنان صيف 2006، كان الاتجاه في مجلس الامن، ان يندرج تحت الفصل السابع ويكون للقوات الدولية دور في نزع السلاح من المقاومة، وتقوم بدور القوة الضاربة في الجنوب.
هذا القرار لاقى اعتراضاً من المقاومة اولاً ومن حلفائها ثانياً، في الوقت الذي كان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة يجنح نحو ان يكون القرار تحت الفصل السابع، وقد سانده حلفاؤه في “14 اذار”، بعد ان اظهرت اسرائيل عجزاً عن القضاء على “حزب الله” ومقاومته وقيادته، وتدمير سلاحه، فكان لا بد من ان تتم العملية بادوات دولية، الا ان روسيا والصين الاعضاء في مجلس الامن، لم ينساقا وراء الدعوة لمثل هذا التوجه، كما تصدى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان يتولى المفاوضات باسم المقاومة، لهذه المحاولة فصدر القرار، يحمل في مضمونه، بما يقارب الفصل السابع باعتماد القوة، عند وجود مسلحين، على ان تكون القوات الدولية مساندة للجلش اللبناني في مهامه وتنسق معه.
فالقرار الدولي صدر في منزلة ما بين الفصلين السادس والسابع اي 6.5 كما ذكر السنيورة، وهو لذلك حدد قواعد الاشتباك للقوات الدولية، بما يجنبها الاحتكاك مع الاهالي، ووضعها خلف الجيش الذي يطالبها بالمؤازرة والمساندة، كما ان هذه القوات استعين بها لتضمن السلام عند الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، وتمنع الاختراقات والاعتداءات الاسرائيلية للبنان.
هذه هي مهمة قوات الطوارئ، التي قبلها لبنان كضمانة دولية لعدم تكرار الاعتداءات عليه، وتنفيذ القرارات الدولية، المتعلقة بتحرير ما تبقى من ارضه المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من مدينة الفجر، لكن ما حصل، هو أن الخروقات استمرت، حيث سجل حوالي 700 خرق اسرائيلي منذ اربع سنوات للاجواء والاراضي والمياه اللبنانية، اضافة الى خطف مواطنين كان اخرهم احد الرعاة، والتوغل داخل الاراضي اللبنانية على مرأى ومسمع من هذه القوات، التي كانت تتدخل لتسجيل محضر فقط.
فمثل هذه الاجواء التي احاطت عمل القوات الدولية، هي بنظر اهل الجنوب مفترض ان تكون صديقة لهم، تمنع حصول اعتداءات اسرائيلية عليهم، لكن منذ وصولها الى لبنان في العام 1978 لتطبيق القرار 425 الصادر عن مجلس الامن الدولي، لم تقم بما هو مطلوب منها، فلم تساعد في تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي او انتشار الجيش في الجنوب الذي وقف في بلدة كوكبا، لا بل ان العدو الاسرائيلي قام بغزو لبنان عام 1982، ومرّ من امام هذه القوات، ووصل الى العاصمة بيروت، وصدر القرار 520، الذي طالب اسرائيل بسحب قواتها، الا انها لم تستجب لذلك، مما اشعل المقاومة بوجه الاحتلال، وفي اقل من شهر على الاجتياح الاسرائيلي، وكان اول انسحاب تحت نيران وقذائف المقاومة من بيروت ثم من الجبل وشرق صيدا الى ان كان التحرير في العام 2000، دون ان تقدم القوات الدولية مساندة للبنان، سوى بعض المساعدات الاجتماعية والانسانية والانمائية، قامت بها في بعض القرى الجنوبية.
ومن خلال تجربة الجنوبيين مع القوات الدولية، فهم تساكنوا معها وصاهروها الا انهم لم يثقوا بها، انها تشكل لهم قوة حفظ السلام، لانه بوجودها، استمر الاحتلال، وتواصلت الاعتداءات لذلك كان التعاطي مع الوجود الدولي كأمر واقع، وللاستفادة منه في تسجيل الخروقات الاسرائيلية.
لذلك جاءت الحوادث في الاشهر الاخيرة، بين بعض القوات الدولية واهالي بعض القرى الجنوبية، على خلفية تولّد عدم ثقة، لا سيما مع الكتيبة الفرنسية ثم الاسبانية، ومعهما تقع الاشكالات والحوادث، وتحت خلفيات سياسية لهاتين الكتيبتين، اذ هما يتبعان حكومتيهما بدلاً من ان يكونا في إمرة وقيادة القوات الدولية، وهو ما ترك شكوكاً حول ممارسات قام بها عناصر من الوحدتين الفرنسية والاسبانية، وهي جاءت بعد تصريح للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي طالب رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو تحييد قوات بلاده خصوصاً والقوات الدولية عموماً من اي عدوان محتمل على لبنان، مما زرع قلقاً لدى اهالي الجنوب، عن دور فرنسي في تامين غطاء سياسي لحرب اسرائيلية على لبنان، يهيىء لها قادة العدو، من خلال عدد من المناورات شملت اضافة الى الجيش الجبهة الداخلية كما ان وزير خارجية فرنسا برنارد كوشنير بشّر هو ايضاً باحتمال اندلاع حرب على لبنان.
هذه الاجواء استفزت الجنوبيين، الذين بدأوا يشاهدون تحركات عناصر الوحدة الفرنسية، من خارج المهام الموكولة اليها في القرار 1701، وهي تقوم باعمال مسح وتصوير ومناورات، حيث اشتكى الاهالي الى الجيش اللبناني الذي ابلغهم انه سيبحث الموضوع مع قيادة هذه القوات، وقد قام بذلك محذراً من الخروج على التنسيق معه، لان بذلك مخالفة للقرار 1701، وسيدفع الاهالي الى المواجهة مع القوات الدولية.
لكن تحذير الجيس لم تأخذ به الوحدة الفرنسية التي اعطت تفسيراً للقرار الدولي، بانه يسمح لها بالتحرك منفردة والقيام بمناورات وتدريبات ودوريات، وهذا ما فتح باباً حول ما اذا كانت ثمة محاولة لتغيير قواعد الاشتباك من خلال جر القوات الدولية الى صدام مع الاهالي، ثم طلب تعزيز صلاحياتها ونقل مهامها الى الفصل السابع الذي يعطيها حق استخدام القوة.
لقد نبه “حزب الله” لهذا الموضوع، ورأى في تحرك الاهالي عملاً عفوياً، غير مرتبط بأجندة ما، بل هو اعتراض على خروج هذه القوات عن التنسيق مع الجيش اللبناني الذي هو المرجعية الامنية الرسمية للاهالي، وبالتالي لا سلطة لهذه القوات على البلدات الجنوبية، مما اقلق المقاومة وبيئتها المدنية، بأن الوحدتين الفرنسية والاسبانية تتحركان في مناطق واحياء سكنية حيث ذكرت المعلومات ان وراء ما تقومان به له علاقة بالبحث عن مخازن اسلحة، واستجماع معلومات عن اماكن تواجد منصات صواريخ، وتصوير منازل مما خلق قلقاً لدى الاهالي، الذين استطاعوا بمقاومتهم وصمودهم في صيف 2006، بوجه العدوان الاسرائيلي من ان يمنعوا احتلال بلداتهم وقدموا الشهداء والجرحى والاف المنازل المدمرة.
فلا يمكن للقوات الدولية وتحت ذريعة قيام مناورات تقديم معلومات استخبارية عن ما تسميه اسرائيل “المحميات المدنية” التي يختبئ فيها مقاتلو “حزب الله”.
من هنا، فان التصعيد الذي شهدته بعض البلدات الجنوبية في مواجهة قوات الطورائ جاء تحت خلفية، منع عناصر في هذه القوات من ان تتجسس على المقاومة ومجتمعها، لا سيما بعد ان اعلنت اسرائيل، ان معلوماتها الاستخبارية ازدادت عما كانت عليه عام 2006، وهي باستطاعتها ان تقوم بعمل عسكري ناجح عما حصل في الحرب السابقة، وهو ما يكشف من ان العدو الاسرائيلي وبعد ان تم اعتقال عدد كبير من عناصر شبكات التجسس اللبنانية التي أنشأها، من قبل الاجهزة الامنية اللبنانية، فانه يعتمد على عناصر وضباط في القوات الدولية.
وهذا ما طرح السؤال عن المهام التي تقوم بها عناصر فرنسية في وادي الحجير الذي شهد مجزرة لدبابات “الميركافا” الاسرائيلية، اذ دمر المقاومون حوالي 35 آلية لقوات الاحتلال، وايضاً فعلوا في وادي السلوقي وعند جسر الغندورية وفي سهل الخيام، مما اربك خطة العدو في اجتياح جديد لا جزاء من الجنوب، بعد ان فشل عدوانه الجوي بعد ثلاثة ايام من بدئه، لان بنك الاهداف الذي منه صرف على غاراته بتدمير البنى التحتية للمقاومة كما للدولة اللبنانية، لم يمنع من استمرار انطلاق الصواريخ على المستوطنات وفي عمق الكيان الصهيوني.
لذلك، فان تفسير لما قامت به عناصر في القوات الدولية، ليس سوى تنسيق مع الجيش الاسرائيلي لا مع الجيش اللبناني، تحت ذريعة البحث عن السلاح، بعد ان قدمت الحكومة الاسرائيلية اعتراضاً على عمل القوات الدولية، بأن “حزب الله” عزز تواجده العسكري جنوب الليطاني منذ عام 2006، وزاد من كمية تسلحه، وهذا ما يخالف القرار 1701 ولا بد من التفتيش عن هذا السلاح ومصادرته.
هذه المهمة التي تحاول اسرائيل ان تلبسها للقوات الدولية من خارج اطار الشرعية اللبنانية، يعني انها تسعى الى تبديل قواعد اللعبة، واستصدار قرار عن مجلس الامن الدولي بانتداب القوات الدولية تحت الفصل السابع، ليكون لها فاعلية وتمنع حصول تدهور في المنطقة.
هذه الذرائع الصهيونية تعمل بها بعض الدول ضمن نطاق القوات الدولية، وبطريقة احادية، ومن دون علم ومعرفة وتنسيق مع الجيش اللبناني، الذي تتذرع القيادة الدولية بانه خفف من حضوره العسكري ونقل قواته الى داخل لبنان وهذا امر صحيح وحصل، بعد احداث مخيم نهر البارد 2007، واثر حوادث 7 ايار 2008، ولضبط الوضع الامني ومنع انزلاق لبنان نحو حرب اهلية ووعدت قيادة الحيش بزيارة عديدة وارسال الوية جديدة الى الجنوب، على ان تلتزم القوات الدولية اعمال التنسيق مع الجيش.
اما محاولة ربط ما حدث من تطورات امنية في الجنوب، بالعقوبات التي فرضها مجلس الامن الدولي على ايران حول برنامجها النووي، او استباقاً لما سيتضمنه القرار الظني للمحكمة الدولية بشأن اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث كشف رئيس الاركان الاسرائيلي غابي اشكنازي ان توتراً سيشهده لبنان في ايلول المقبل مع صدور القرار الظني وهذه اشارة اسرائيلية لافتة عن الدور الذي انشئت له المحكمة، والتسييس الذي نخرها، وهو توجيه اتهام الى “حزب الله” بناء على معطيات لم توضحها المحكمة، بعد ان انتقل الاتهام السياسي من سوريا الى المقاومة مما يعني ان الحرب التي تهدد بها اسرائيل ضد لبنان ومقاومته ستمارسها من خلال المحكمة الدولية التي تكون بذلك قد اعدت العدة لاشعال فتنة مذهبية، وحرب سنية–شيعية، تكون بديلاً عن عدوان اسرائيلي سيكون مكلفاً للدولة العبرية وهو اقل ما ستدفعه من اجل ان تصدر المحكمة قراراً اتهامياً ضد عناصر من “حزب الله” المحت اليه مجلة “دير شبيغل” عندما ذكرت اسماء هذه العناصر المتورطة بالجريمة من خلال معلومات تلقتها لجنة التحقيق عبر الاتصالات الهاتفية لهؤلاء الاشخاص كما ذكرت المجلة الالمانية، والتي يستند اليها البعض، في ان القرار الظني سيتجه نحو “حزب الله” الذي لا تشغله هذه المزاعم، وهو تعاون مع المحكمة وقدم لها شهوداً وادلة.
فما حصل في الجنوب بين القوات الدولية، وبعض الاهالي غير منظم ولا علاقة لـ”حزب الله” به، بل هو نتيجة معاناة المواطنين مع هذه القوات، التي لم يروا انها شكّلت ضمانة لهم، بعدم الاعتداء عليهم، وقد انزرعت الشكوك حول دور محتمل لبعض القوات العاملة فيها في اي عدوان اسرائيلي، مما خلق جواً من التشنج، تم التعبير عنه باشكالات ومواجهات بقيت تحت السيطرة..
Leave a Reply