كان القطار المنطلق من (كولن) الالمانية الى مدينة بون في ذروة الازدحام الصباحي والواقفون اكثر من الجالسين عدا عن كرسي فارغ لايجلس فيه احد. اقتربت باتجاه الكرسي لالقي بنفسي عليه وانا اعتقد ان ثمة خطب ما، كأن يكون الكرسي ممزقا او ملوثا بشيء، وفيما كنت اقترب بخطوات واثقه تجاه الكرسي الفارغ كانت العيون تلاحقني لسببين: الاول اعرفه هو: سحنتي الشرق اوسطية، والثاني ادركته فور وصولي الى الكرسي الفارغ.
فقد كان يجلس في الجزء الملاصق للنافذة شاب ملتح اطلق لحيته الكثة على سجيتها ولبس ثوبا قصيرا كالذي يلبسونه في افغانستان والباكستان.جلست الى جانب الرجل وبادرته بالسلام فلم يرد لانشغاله بقراءة القرآن وكان يهز رأسه الى الامام والخلف زيادة في الاندماج مع المصحف الكريم.جلت بنظري على الواقفين المتوجسين الذين ينظرون الينا بارتياب شديد ويحاولون الابتعادعن الممر القريب من كرسينا لدرجة التدافع ,وما ان شغر مقعد قريب حتى بدلت مقعدي وجلست فيه لاتابع نظرات الركاب الالمان الواقفين الذين تركوا المقعد شاغرا بجانب الرجل.
خلال زيارتي لمدينة (كولن) الالمانية رافقني شاب من الجيل الثاني للمغتربين وهو في منتصف العشرينيات وبدأ يتحدث عن الفساد في سورية بلغة عربية ركيكة تشوبها مفردات المانية وأحيانا انكليزية,تحدث الشاب عن حلول لاصلاح المجتمع السوري,وكان ابرزها استبدال الرئيس (بخليف) وعندما استفسرت منه عن (الخليف) اكد أنه يقصد الحاكم الذي كان يحكم المسلمين منذ زمن بعيد ،والذي يجد فيه الشاب المخلص للشعب السوري.
العجيب في امر الشاب أنه لايعرف نطق العربية جيدا وقد ولد وعاش في مجتمع اوروبي وبيئة متعصبة لعرقها الجرماني وزال العجب عندما عرفت ان الشاب يتلقى علومه الدينية ويقضي جل وقته في المسجد الذي بنته السعودية ومولت وصرفت الاموال الطائلة من أجل استقطاب شباب المسلمين في اتجاه متطرف وبصيغة مدروسة ومعدة بدقة وذات اهداف بعيدة المدى .
ابرز هذه الأهداف :ان الخلافه الاسلامية هي الحل الامثل للمجتمعات التي تحكم بنهج علماني وأنه عاجلا أم آجلا ستحل الشريعة الاسلامية محل الدساتير الوضعية ,ومجالس الشورى محل البرلمانات ,وأنه لافساد في الدول التي تحكم بالشريعة الاسلامية.
لم أكن أتوقع يوما أن ينشأ هكذا جيل في مجتمعات اوربا المنفتحة والعلمانية الى حد ما ,وأجواء الحرية والديقراطية التي لم نتعود عليها في عالمنا العربي ,فالشاب الذي ولد ونشأ في ألمانيا يحمل افكارا متناقضة تماما وافكار المجتمع الذي يعيش فيه ,بل ومعادية له إن صح التعبير.
لاأقصد بالمجتمع (المسيحي في اوربا) فقط وانما المجتمع الاسلامي الاوربي الذي بدأت تغزوه أفكار التطرف الاسلامي والتي تؤدي بشكل أو بآخرالى العنف ,وإن وجود هذه الذهنية المتطرفة في اوروبا من اجل دعوة وهداية الاوربيين الى الدين الحنيف وإنشاء امارة إسلامية في أوربا كالتي انشأها أسلافهم في الاندلس والانطلاق بعدها الى بقية مناطق العالم .
لا أعتقد أن أحدا ما من المسلمين ضد أفكار وتعاليم الدين الحنيف وضرورة انتشارها في العالم لما تحمله من قيم سمحة ومكارم للأخلاق أما أن يتم فرضها بالقوة فهذا أمر مختلف لا يمكن القبول به ,سيما ان التجربة اثبتت أن من يحملون لواء الدعوة يستخدمون العنف المطلق لفرض رأيهم بالقوة وليست بالاقناع والود والمحبة ,فاما اشهار الاسلام (على طريقتهم) واماالجزية أو الذبح ,للأسف هذه هي خارطة الطريق الخاصة بهم ,وبالتالي فإن من تدعمهم اوربا حاليا من الجهاديين والاسلاميين المتطرفين وتمولهم بالمال والسلاح (ليجاهدوا) في سورية ويتخذوا من القتل وسفك الدماء واكل الاكباد البشرية واغتصاب النساء وسبيهن هدفا وغاية لفكرهم التطرف سيعودون يوما الى اوربا وقد اصبحوا اكثر خبرة في القتل والتدمير واكثر تطرفا ووحشية من اجل تحقيق الامارة الاسلامية وفتح آفاق جديدة لها بأندلس جديد فهل يدري الساسة الاوبيون الى أين هم ذاهبون؟
Leave a Reply