كمال ذبيان – «صدى الوطن»
إنه الوقت الضائع بين إدارتين أميركيتين: الأولى ستدخل إلى البيت الأبيض برئيس جديد هو جو بايدن، والثانية راحلة بخسارة دونالد ترامب بحسب نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي وصفها الرئيس الجمهوري بالمزورة ملقياً بظلال من الشك حول مصير هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الولايات المتحدة والعالم.
ورغم التكهنات بأن ترامب قد يلجأ لخطوات مجنونة كإشعال حروب خارجية، مثل استهداف إيران خلال أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، جاءت أولى تحركات ترامب الخارجية بعد خسارته للانتخابات مفاجئة لكثير من المراقبين، عبر قرار تسريع الانسحاب من العراق وأفغانستان، بحسب وزير الدفاع الجديد كريستوفر ميلر الذي حل مكان الوزير مارك أسبر الذي طرده ترامب من منصبه مباشرة بعد الانتخابات.
ولكن انسحاب ترامب إلى الداخل الأميركي في ظل الأزمة الانتخابية، لا يعني أن المنطقة غير مهددة بتطورات عسكرية خطيرة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، لاسيما وأن إسرائيل قد تلجأ إلى شن ضربات أو عمليات عسكرية لتغيير التوازنات الحالية مع محور المقاومة.
عدوان على لبنان
في ظل التخبّط في عملية انتقال السلطة في الولايات المتحدة، وتبعات ذلك على الشرق الأوسط، من غير المستبعد أن يلجأ الإسرائيليون إلى محاولة فرض معادلة جديدة بمواجهة «حزب الله» ومحور المقاومة الممتد إلى طهران، سواء بمشاركة أميركية مباشرة أو من دونها.
وكشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في تقرير للصحفي سيما كدمون، بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يتوجّه إلى شن عملية استباقية ضد لبنان، وبتشجيع من إدارة ترامب.
ميدانياً كانت الأنظار في إسرائيل متوجهة نحو الجبهة الشمالية مع لبنان، والمناورات التي أجراها جيش الاحتلال تحت اسم «السهم الفتاك»، إذ حاكت هذه المناورات كيف يمكن للجيش الإسرائيلي، أن يحبط عملية دخول وتسلّل للمقاومة باتجاه المستوطنات، إضافة إلى تدمير أنفاق وقواعد عسكرية وصاروخية.
وكشف الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، في خطابه الأخير في «يوم الشهيد»، أن المقاومة تابعت المناورات العسكرية الإسرائيلية، ورصدت تحركات جيش العدو عند الحدود الفلسطينية مع لبنان، والوضع داخل المستوطنات في الجليل المحتل، لتتوصل قيادة المقاومة إلى استنتاج بأن قوات إسرائيلية قد تقوم بعملية عسكرية مباغتة لاجتياح بلدات لبنانية خلف الخط الأزرق.
وبناءً عليه، رفعت المقاومة جهوزية مقاتليها إلى 50 بالمئة و75 بالمئة و100 بالمئة، دون أن يظهر الاستنفار العسكري للمدنيين أو وسائل الإعلام، حيث لم يشعر سكان الجنوب خصوصاً ولبنان عموماً بما جرى، إلا بعد خطاب نصرالله، الذي وضع احتمال أن يلجأ نتنياهو مدعوماً من ترامب، إلى عملية عسكرية قد يكون بحاجة إليها، في ظل الغضب الشعبي المتمثل بالتظاهرات شبه اليومية المطالبة باستقالته في تل أبيب ومدن أخرى، فضلاً عن أنه لازال يواجه دعاوى قضائية أمام المحاكم بتهم الفساد التي قد تطيح به، بعد عودته الضعيفة إلى الحكم عقب ثلاث دورات انتخابية متقاربة لم يستطع من خلالها تكوين أكثرية نيابية.
والفترة الفاصلة بين تسلّم إدارة بايدن المرتقبة، وبين قبول ترامب بنتائج الانتخابات، قد تشكل نافذة تستفيد منها إسرائيل لشن عملية خاطفة على لبنان، وسط مؤشرات متزايدة تؤكد توجه تل أبيب نحو هذا الخيار من خلال الإختراقات اليومية للأجواء اللبنانية، كما للخط الأزرق، الذي تحفّظ لبنان على 13 نقطة واقعة عليه.
كما أن مفاوضات الناقورة، غير المباشرة مع إسرائيل، حول ترسيم الحدود البحرية المتلازمة مع الحدود البريّة، تمهيداً لاستخراج الثروات النفطية في المياه الإقليمية اللبنانية، قد تشكل عاملاً تفجيرياً، حيث قد تسعى دولة الاحتلال إلى استخدام القوة العسكرية لفرض خط الموفد الأميركي فريدريك هوف الذي يقتطع مساحات بحرية شاسعة لصالح إسرائيل. وهذا ما يخشاه لبنان، ونبّه منه «حزب الله».
مطار بيروت من جديد
ومع المناورات العسكرية الإسرائيلية عند الحدود مع لبنان، وحصول أربع جولات من المفاوضات لترسيم الحدود البحرية والبرّية، فإن إسرائيل لجأت إلى أسلوبها القديم الذي بدأه نتنياهو قبل نحو أربع سنوات عندما تحدّث من على منبر الأمم المتحدة عن وجود مخازن ومعامل لأسلحة وصواريخ قرب مطار بيروت، وحدّد ملعب «الغولف» وأحد مناطق الأوزاعي، ليتبيّن كذب ادّعاءاته، بعد أن جال وزير الخارجية آنذاك جبران باسيل على المناطق المزعومة، مع سفراء عدد من الدول، الذين عاينوا الأمكنة واكتشفوا أنها خالية، ودحضوا أكاذيب نتنياهو.
وجدد رئيس الوزراء الإسرائيلي، قبل حوالي ثلاثة أشهر، مزاعمه متحدثاً عن مصنع للصواريخ في محيط المطار، لتردّ عليه العلاقات الإعلامية في «حزب الله» وتظهر كذب ادّعاءاته مجدداً.
تلك الإخفاقات الإعلامية، دفعت العدو إلى استخدام أسلوب آخر، هذه المرة عبر لجنة من المحامين الإسرائيليين برئاسة بيتسانا دارشان، ومنظمة «شورات هدين» التي تعمل منذ عام 2002 في محاربة ما تسمّيه الإرهاب ومعاداة السامية، متحدثة عن أن الطيران المتّجه إلى مطار بيروت مهدّد، وقد أرسلت مذكرات إلى شركات الطيران ومنها الفرنسية والبريطانية والألمانية والإيطالية وغيرها تحذّرها من الهبوط في المطار الذي تحيطه مصانع ومخازن أسلحة تابعة لـ «حزب الله»، كما وجّهت اللجنة رسائل إلى شركات التأمين تلفتها إلى المخاطر التي تواجه الطائرات.
ويرى المراقبون أن لجوء العدو الإسرائيلي إلى هذه المزاعم، يهدف إلى تأليب الرأي العام اللبناني ضد المقاومة، ووضع بيئتها الشعبية في حالة قلق وتوتر، في وقت يمرّ فيه لبنان بأزمة مالية واقتصادية خانقة وانقسام سياسي مسدود الأفق.
ويمكن القول إن المناورة أولاً، ثم تهديد المطار الذي استهدفه الإسرائيليون مراراً منذ العام 1968 حتى تموز 2006، ثانياً، مؤشران إلى مغامرة قد يلجأ إليها نتنياهو في الوقت الضائع من عملية انتقال السلطة المتعثرة في واشنطن.
Leave a Reply