«صدى الوطن» في النجف
على وقع الصراعات بين الكتل السياسية في العراق، انعقد قبل أيام في مدينة النجف الواقعة في الجنوب، مؤتمر إعلامي واسع، بدعوة من محطة «الغدير» العراقية التي تتبع لمنظمة «بدر»، وبحضور ممثلين عن عشرات المؤسسات الاعلامية في العالم العربي والإسلامي، خصوصاً لبنان وسوريا والجزائر وتونس ومصر وإيران، وهو المؤتمر الثاني عشر الذي تنظمة المحطة على التوالي، مع الإشارة إلى أنها كانت من أولى القنوات التي بدأت في البث بعد سقوط نظام صدام حسين.
ويهدف هذا الملتقى السنوي إلى تحقيق التفاعل بين الاعلاميين وتبادل الخبرات بينهم، إضافة إلى اشتماله على معرض يتضمن أبرز انتاجات المؤسسات المشاركة، ومسابقة لاختيار أفضل البرامج. وتخلله هذا العام تنظيم ندوات حول تحديات راهنة تواجه الإعلام، كما جرى عرض فيلمين إيرانيين يسلطان الضوء على تجارب حية ومؤثرة رافقت حربي سوريا والعراق في مواجهة الارهاب.
لكن ما تجدر الإشارة إليه هو أن معظم المشاركين ينتمون إلى محور «المقاومة الإعلامية»، وبالتالي فهم يتقاطعون في اتجاهاتهم السياسية ويشكلون نوعاً من «التحالف» في مواجهة المحور الإعلامي المضاد. الاستثناء الوحيد تقريباً على مستوى المدعوين تمثل في حضور سيدة سعودية لهذا المهرجان، آتية من الرياض، فيما تواجد أيضاً ناشط سعودي معارض للعائلة الحاكمة في المملكة.
ويستطيع زائر النجف أن يستنتج أن مفاعيل الحصار الذي فُرض على العراق أيام صدام، ثم تداعيات الغزو الأميركي لاحقاً، لا تزال ماثلة بشكل أو بآخر على الارض، حيث تعاني المدينة من نقص أو ضعف في مجالات عدة، خصوصاً تلك المتصلة بمتطلبات السياحة عموماً والدينية خصوصاً، في ظل تدفق مئات الآلاف من المؤمنين سنوياً إليها لزيارة مقام الإمام علي (ع) الذي تحيط به أسواق شعبية، يقطنها ويعمل فيها عراقيون من الفقراء وذوي الدخل المحدود، كما يتبين بوضوح من معالم تلك الأسواق.
«لبننة» العراق
يشعر العراقيون بأن وطنهم «تلبنن» على المستوى السياسي، بعدما بات الحكم موزعاً على مجموعة من الطوائف والقوى التي يملك كلٌ منها حق الفيتو، مستنداً إلى حيثيته في بيئته، وبالتالي أصبح اتخاذ القرار وتكوين السلطة يحتاج إلى ائتلافات بين هذه المكونات، تعتمد على توازنات دقيقة. وليس أدل على ذلك من أن تشكيل الحكومة في العراق صار يستوجب في بعض الاحيان وقتاً طويلاً من المفاوضات والمساومات، تماماً كما يحصل في لبنان المعروف باختصاصه في استهلاك الوقت والجهد على ترتيب المقايضات السياسية الطائفية من أجل تشكيل حكومات مركبة، على قاعدة الديمقراطية الطائفية التي تفرضها التركيبة المتنوعة.
كما أن عدوى التجاذبات المذهبية، لاسيما السنية–الشيعية انتقلت بكل حدتها وعوارضها إلى العراق، بالترافق مع تدخلات مكشوفة لجهات إقليمية ودولية تجد في الانقسامات الداخلية تربة خصبة لانتزاع أدوار لها واكتساب النفوذ العابر للحدود، من أجل خدمة مصالحها، في استنساخ لسيناريو التدخلات الخارجية في الساحة اللبنانية من بوابة هواجس الطوائف والمذاهب الباحثة عن الحماية والساعية إلى الاستقواء بالحليف الأجنبي على الشريك الداخلي.
ولعل أسوأ قاسم مشترك بين لبنان والعراق يتمثل في الفساد المستشري الذي يلتهم الأخضر واليابس، من دون أن تكون هناك مساءلة شفاقة أو محاسبة حقيقية، بفعل «الحصانات» التي يحظى بها الفاسدون، وتسمح لهم بأن يكونوا فوق القانون. وكثيراً ما تسمع من مضيفيك العراقيين شكوى من انتشار الفساد، بل إن الروايات حوله تفيد بأن مليارات الدولارات ضاعت في أروقة الهدر والسرقات خلال السنوات الماضية، وهذا ما يفسر أن مظاهر الفقر والإهمال تبدو على مناطق كثيرة في العراق برغم ثروته النفطية الكبيرة.
عند السيستاني
وسط هذه الأوضاع الصعبة، تسنى لبعض أعضاء الوفد اللبناني زيارة المرجع الديني العراقي السيد علي السيستاني في منزله في النجف. وقد عاد الزوار معجبين بما عاينوه من تواضع شديد في سلوك المرجع الشيعي وزهد لافت في نمط الحياة، حيث كان يجلس في صالون متواضع في منزل عادي جداً، فيما كان ضيوف مسلمون من الهند وبعض دول الخليج إلى جانب الكثير من العراقيين ينتظرون أن يأتي دورهم للقاء السيستاني، من دون موعد مسبق.
وأبلغ السيستاني زواره اللبنانيين أنه يخص لبنان وشعبه بالدعاء من القلب حتى «ينقذكم ويبارككم»، وشدد على ضرورة الوحدة بين جميع الأفرقاء، مبدياً سروره وارتياحه لزوال محنة «داعش» عن لبنان.
احتجاجات في البصرة .. وخلافات في بغداد
بغداد – على وقع الأزمة السياسية المستمرة منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة وفشل الأطراف السياسية في تشكيل ائتلاف حاكم، تتفاقم الأحداث الميدانية في محافظة البصرة حيث أخذ المشهد بعداً جديداً الأسبوع الماضي بعد سقوط عشرات الضحايا نتيجة اشتباكات بين متظاهرين والقوات الأمنية، من جهة، وإطلاق النار على المتظاهرين، من جهة أخرى. فيما فشل اجتماع رئيس الوزراء، حيدر العبادي، مع نواب البصرة وحكومتها المحلية في التوصل إلى أي حلول.
ومع استمرار الاحتجاجات وحرق عدد من المقار الحكومية والحزبية، أرسلت حكومة بغداد تعزيزات عسكرية كبيرة من «قوات الرد السريع» و«مكافحة الشغب» مزودة بالمدرعات والدبابات إلى المحافظة، بالتزامن مع تجدد المظاهرات والحديث عن نية المتظاهرين اقتحام مزيد من المقرات الحكومية، وهو ما دفع السلطات إلى إعلان حظر التجول مساء الخميس.
وتشهد البصرة إصراراً شعبياً متزايداً على استمرار التظاهرات وتصعيد الحركة الاحتجاجية المستمرة منذ تموز (يوليو) الماضي، إلى حين استجابة الحكومة للمطالب بشأن توفير فرص العمل والماء الصالح للشرب وصرف المستحقات المالية للمحافظة.
سياسياً، اضطر مجلس النواب العراقي، إلى رفع الجلسة الأولى من دورته الجديدة الرابعة وإبقائها مفتوحة حتى منتصف أيلول (سبتمبر) الجاري، من أجل أن يتسنّى للقوى السياسية تجاوز خلافاتها والاتفاق على مرشح لرئاسة البرلمان ونائبَين له، فيما لا تزال محادثات تشكيل «الكتلة الأكبر» لقيادة الحكومة العراقية الجديدة متعثرة.
Leave a Reply