هل تعمل واشنطن على تحويل لبنان إلى قاعدة عسكرية حليفة؟

البنتاغون يبحث عن بديل لقاعدة عسكرية فـي تركيا مشروع معاهدة لبنانية-أميركية فـي مواجهة النفوذ الروسي فـي سوريا والمنطقة

واشنطن، بيروت – أعلنت مصادر عسكرية أميركية الثلاثاء الماضي، أن الجيش الأميركي أصدر أمرا لقياداته في أوروبا «حتى يكونوا مستعدين لتنفيذ البدائل» لقاعدة إنغرليك الإستراتيجية الأميركية في تركيا، إذا قررت أنقرة إغلاقها؛ احتجاجا على قانون ما يسمى بــ«إبادة الأرمن».وقالت المصادر: إن الأمر «الاحتياطي» صدر قبل أيام، ويعد خطوة مبدئية لضمان استمرار الإمدادات والعمليات اللوجيستية للقوات الأميركية.وأضافت أن الجيش الأميركي بدأ مؤخرا في تقييم الخيارات اللوجيستية البديلة، ومن بينها الأردن، والكويت ولبنان، حال فرض الحكومة التركية قيوداً على التسهيلات المقدمة لقوات الاحتلال الأميركي لإمداد عملياتها العسكرية في العراق، ومنها حق استخدام المجال الجوي، وقاعدة «أنغلريك».وكانت الحكومة التركية قد هددت باللجوء إلى هذه الخطوة على ضوء قرار مجلس النواب الأميركي باعتبار ما يسمى بـ«مجزرة الأرمن»، إبان العهد العثماني، خلال الحرب العالمية الأولى «إبادة جماعية».وعبر وزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس، عن معارضته لتمرير مشروع القرار حول الأرمن بسبب الارتباط الكبير لقواته في المنطقة بقاعدة أنغرليك، ولاسيما من حيث يسر استخدام الطرقات في تركيا.وأوضح أن سبعين بالمئة من الشحنات الجوية العسكرية والوقود إلى جيش الاحتلال الأميركي في العراق تمر عبر تركيا.وأضاف أن ثلث الوقود الذي يتم استخدامه يمر أو يأتي من تركيا، فضلاً عن 95 بالمئة من المدرعات المضادة للألغام، التي تعمل في العراق تأتي من ذات المصدر.وقاعدة أنغرليك تتمتع بموقع استراتيجي مهم جدًا بحكم قربها من نقاط النزاع، مثل العراق وإيران.

قاعدة عسكرية فـي لبنانوفي هذا الصدد أثار توافد كبار المسؤولين والقادة العسكريين الأميركيين على لبنان وبوتيرة متصاعدة، وصلت مطلع الأسبوع الماضي إلى ذروتها بزيارة «نائب وزير الدفاع الأميركي لشؤون السياسة» إريك إيدلمان على رأس وفد من البنتاغون الشكوك حول اتجاه الأميركيين الى اعتماد لبنان قاعدة عسكرية بديلة. وفي هذا الإطار سألت صحيفة «السفير» البيروتية في افتتاحية لها خلال الأسبوع الماضي «ماذا طرحت الوفود العسكرية السابقة، وماذا يحمل معه هذا المسؤول الكبير؟! وما مدى صحة التقارير الدبلوماسية والصحافية التي تحدثت وتتحدث عن احتمال إقامة قواعد عسكرية أميركية في لبنان؟! وما هي حقيقة ما يتم تداوله، حتى في أوساط رسمية، عن طلب تعديل في العقيدة العسكرية للجيش اللبناني»؟! ونشرت الصحيفة تقرير، قالت انه يستند إلى مصادر موثوقة، وإلى تقارير لجهات أميركية رسمية، يقدم صورة تفصيلية لما عرضته وتعرضه الإدارة الأميركية على الحكومة اللبنانية، وفي اجتماعات رسمية تنظم لها محاضر الجلسات، وإن أضفيت عليها السرية الكاملة، وأكد التقرير أن الزيارة التي قام بها وكيل وزارة الدفاع الأميركية لشؤون السياسات إيدلمان على رأس وفد من البنتاغون، تمت بطلب مباشر من الرئيس جورج بوش. وقد التقى هذا الوفد كلاً من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ووزير الدفاع الوطني الياس المر وقائد الجيش العماد ميشال سليمان، وقد تركزت المحادثات خلالها على أربعة مواضيع رئيسية هي: الوضع العسكري في لبنان، الوضع الأمني الاستخباراتي، واقع الجيش اللبناني وسياسة الدولة اللبنانية. وقالت «السفير» أن الوفد الأميركي الذي شاركه في اللقاءات السفير في لبنان جيفري فيلتمان، عرض على المسؤولين مسودة اتفاقية عسكرية لبنانية-أميركية مشتركة، تتناول المواضيع العسكرية والأمنية والاستراتيجية، وتتصل أيضاً بمستقبل الجيش اللبناني وعقيدته الوطنية، فضلاً عما تريده الولايات المتحدة من لبنان في المرحلة المقبلة. والجدير ذكره أن مثل هذه الاتفاقية يمكن إبرامها مع الحكومة وإطلاع مجلس الوزراء على بعض بنودها من دون الحاجة إلى المصادقة عليها في مجلس النواب. وخلال المحادثات مهّد إيدلمان لهذه الاتفاقية بالإشارة إلى رغبة الولايات المتحدة في زيادة المساعدات العسكرية والأمنية للبنان، والتي ارتفعت قيمتها من خمسين إلى 270 مليون دولار في العام 2007، وأن ثمة اتجاهاً لرفعها إلى نصف مليار دولار مستقبلاً. إلا أن واشنطن تدرس بدقة واقع الجيش اللبناني وعلاقاته «مع الآخرين»، لا سيما تلك التي سادت خلال العقود الماضية. وفهم في هذا الإطار أن الولايات المتحدة تركز على الكراس التوجيهي للجيش اللبناني الذي يتضمن ثوابت السياسة التي يعتمدها الجيش على الصعيد الوطني، لا سيما في البند الخامس الذي يؤكد على «العلاقة الأخوية والمميزة بين لبنان وسوريا»، وعلى البند الثامن الذي يؤكد على «دعم المقاومة». وفي هذا المجال عُلم أن الوفد الأميركي ركز على أن البند الخامس السالف الذكر لم يعد له أي مبرر، كما أن البند الثامن لم تعد له ضرورة، وأن موضوع المقاومة يجب إيجاد المعالجة المناسبة له في المرحلة المقبلة. وفي معلومات أخرى أكد التقرير أن إيدلمان تناول في محادثاته، الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، وأشار إلى أن ثمة تغييرات تحتم علينا مواكبة هذه التغييرات، وأن الولايات المتحدة نفسها مقبلة على تغييرات داخلية، «لكن السياسة شيء والأمن شيء آخر».وشدد الوفد الأميركي على أن الوجود الروسي الكثيف(؟) في شمال سوريا بات يهدد الوجود الأميركي في المنطقة… وألمح الوفد إلى «حرب باردة أميركية روسية»، وإلى تحركات روسية في المنطقة واستراتيجيات جديدة لموسكو، تحتم تغييراً في الاستراتيجية الأميركية. «وبما أن لبنان هو البلد الأقرب إلى الموقع الروسي في اللاذقية على الشاطئ السوري، فقد بات الخطر قائماً على القوات الأميركية. ومن هنا فإن لبنان الصغير حجماً يحظى بموقع استراتيجي مهم بالنسبة إلى واشنطن». ومن هذا المنطلق ترى الولايات المتحدة إن أي مساعدة للجيش اللبناني والقوى الأمنية يجب أن يواكبها «اطمئنان إلى مستقبل هذا الجيش والعتاد الذي سيقدم له، إذ يخشى أن تقع هذه الأسلحة والأعتدة في يد فئات أقوى منه على الأرض». وفي هذا الإطار عُلم أن مشروع الاتفاقية العسكرية بين لبنان والبنتاغون يلحظ قيام مجموعات عسكرية ومخابراتية أميركية-لبنانية فضلاً عن لجان مشتركة للتنسيق والمتابعة. كما تقضي الاتفاقية بإقامة مراكز تدريب برية وجوية وبحرية. وهي تحدد المراكز البرية في جبال الأرز ومناطق في شمال لبنان وبعلبك الهرمل على مقربة من بلدة عين بورضاي، وفي سهل الدامور جنوب بيروت. أما المراكز الجوية فتسمي الاتفاقية مطار رياق العسكري، والمراكز البحرية في منطقتي طرابلس ونهر البارد. وعُلم أيضاً أن مشروع الاتفاقية يلحظ تزويد لبنان بأسلحة ثقيلة وطائرات وإقامة مراكز رادارات في القرنة السوداء والباروك وضهر البيدر. وتدرس وزارة الدفاع الأميركية توقيع هذه الاتفاقية الثنائية في أقرب وقت ممكن. وعُلم أن النقاش مع قائد الجيش العماد ميشال سليمان كان دقيقاً، حيث عرضت خلاله أوضاع الجيش الداخلية وكيفية المساعدة الأميركية. كما تناول البحث دور قائد الجيش والمجلس العسكري والقيادات العسكرية المختلفة. وفُهم من سياق المحادثات أن الولايات المتحدة لا ترى أن المواضيع المطروحة يمكن معالجتها بصورة سريعة، ومنها موضوع سلاح «حزب الله»، وهي تعتقد أن الجيش بحاجة إلى تدريب وتأهيل ما يستلزم بعض الوقت. وعليه «فإن الاتفاقية ليست موجهة ضد أحد بل هي تهـــدف إلى تقوية وتعزيز الجيش اللبناني».وختمت صحيفة «السفير» افتتاحيتها في تاريخ 18 الجاري أنه «في انتظار أن يسمع اللبنانيون من الحكومة حقيقة ما جرى في اللقاءات التي لم يشر إليها إلا بشكل مقتضب»، فإن الصحيفة تمتنع عن نشر المزيد من المعلومات «حتى تقول الحكومة كلمتها، وبعد ذلك يمكن أن يتقرّر هل يكتفى بهذا التنبيه أم لا بد من كشف الحقيقة كاملة».