«إعصار اليمن» رسالة تحذير صريحة للإمارات
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
فاجأ اليمنيون دول الإقليم، وكل المعنيين بالصراع الدائر على أرضهم، بهجوم غير مسبوق على دولة الإمارات.
فمن داخل الأراضي اليمنية، متجاوزة مسافة ألف ومئتي كيلومتر، ألهبت المسيّرات والصواريخ الباليستية التي أطلقها الحوثيون سماء العاصمة الإماراتية وأرضها، مستهدفة منطقة اقتصادية حساسة هي «المصفح» التي تضم مصانع ومراكز صيانة لشركات سيارات بارزة وعدداً كبيراً من المؤسسات الدولية، كما تضم «المصفح» ثاني أقدم ميناء في الإمارات بعد ميناء زايد، إضافة إلى استهداف مطاري أبوظبي ودبي.
الهجوم وقع باستخدام خمسة صواريخ بالستية مجنحة وعدد كبير من الطائرات المسيّرة، بحسب ما أعلن الناطق باسم القوات اليمنية المسلحة العميد يحيى سريع، الذي سرد تفاصيل العملية النوعية التي أطلق عليها اسم «إعصار اليمن».
سريع، طلب من الشركات الأجنبية والمواطنين والمقيمين في دولة «العدو الإماراتي»، الابتعاد عن المواقع والمنشآت الحيوية، حفاظاً على سلامتهم، مهدداً بأن اليمنيين لن يترددوا في «توسيع بنك الأهداف ليشمل مواقع ومنشآت أكثر أهمية»، معلناً أن الإمارات أصبحت «دويلة غير آمنة طالما استمر تصعيدها العدواني ضد اليمن».
وفي أول تعليق لها، تحدثت شرطة أبوظبي عن رصد أجسام طائرة قد تكون لطائرات من دون طيار وأكدت وقوع هجومين، الأول استهدف صهاريج بترول في منطقة «مصفح آيكاد 3» بالقرب من خزانات شركة «أدنوك»، فيما وقع الهجوم الثاني في منطقة الإنشاءات الجديدة في مطار أبوظبي. وقد تعمد الإماراتيون عدم الإتيان على ذكر قصف مطار دبي لما تمثله المدينة من وجهة سياحية واستثمارية، لكن الناطق باسم القوات المسلحة اليمنية أكد ضرب مطار دبي بصاروخ باليستي من طراز «ذو الفقار».
الانتقام من المدنيين
الرد الانتقامي لم يتأخر، وكما في كل مرة، وبعد كل عملية نوعية ينفذها «أنصار الله» ضده، يصب التحالف السعودي–الإماراتي جام غضبه على المدنيين الآمنين، زاعماً استهداف منظومات صواريخ وطائرات مسيّرة، فكانت الحصيلة هذه المرة مجزرة مروعة بحق أسر آمنة في الحي الليبي بصنعاء، ذهب ضحيتها 25 شخصاً، بينهم أسرة كاملة لم تنجُ منها سوى طفلة واحدة.
ومنذ الإثنين الماضي، تتواصل الغارات وبوتيرة مرتفعة على مناطق مختلفة في صنعاء ومدن يمنية أخرى انتقاماً لاستهداف الإمارات. وقد أظهرت المشاهد الواردة، حجم الدمار الهائل الذي أحدثته تلك الغارات في المطار وقاعدة الديلمي الجوية وشارع الكلية الحربية شمال العاصمة اليمنية ومناطق أخرى في جنوبها وشرقها، كما طالت الغارات، الأكاديمية العسكرية العليا في خط المطار شمال صنعاء، ومستشفى مديرية عين، غربي محافظة شبوة في شرق اليمن.
التصعيد المستمر
مجزرة الحي الليبي تركت أثراً كبيراً لدى الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها لم تكن قط موضع اهتمام حكام التحالف السعودي وداعميهم من الأميركيين والدول الغربية ولا وسائل إعلامهم، الذين تنتهي حدود إنسانيتهم على أعتاب حلفائهم وكل ما دون ذلك هو في حكم العدم!
وتحت وسم #اليمن–يؤدب–الإمارات نشط المغردون واجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي عبارات التضامن مع اليمن وأهله. كما انتشرت صورة الطفلة الناجية الوحيدة من أسرة العقيد ركن عبدالله قاسم الجنيد، في الحي الليبي، والتي بدت في حالة ذهول غير مدركة لما يدور حولها لشدة هول المأساة، بعدما دمر التحالف السعودي–الإماراتي منزل ذويها بغاراته الانتقامية.
وليل الأربعاء الخميس عاشت مدن يمنية عديدة ليلة عصيبة حيث استهدفت الهجمات السعودية في الساعات الأخيرة مناطق مأهولة ومزدحمة في صنعاء ومدن يمنية أخرى، حيث طالت الغارات مواقع وأحياء سكنية ومدنية جديدة، منها مواقع في أطراف مطار صنعاء الدولي في شمال المدينة، ومشاريع حكومية ومدنية في منطقة حي عصر غرب العاصمة وحي القيادة في منطقة التحرير وباب اليمن. لكن، ما بدا لافتاً وسط كل هذا التصعيد، هو سلسلة الغارات على مدينة الحديدة، ما يُعد خرقاً لاتفاق السويد الذي وقّع قبل أشهر برعاية أممية.
الكيل بمكيالين
لا تبالي الرياض بنتائج غاراتها ولا بأعداد الضحايا التي قد تتسبب بسقوطها فالصمت الدولي مكفول في هذه الحالة ومدفوع الثمن… لكن في المقابل هب المجتمع الدولي مستنكراً ومديناً القصف اليمني لمواقع إماراتية محدودة، ومتعامياً عن المجازر اليومية التي يرتكبها الإماراتيون والسعوديون في مناطق مختلفة من اليمن!
سياسة الكيل بمكيالين التي لاتكتفي بالمساواة بين الضحية والجلاد بل تتعداها لتجرم الضحية وتبرئ الجلاد، كانت واضحة في تصريحات الدائرين في الفلك السعودي والإماراتي الذي وصفوا عملية «إعصار اليمن» بأنها عمل إرهابي موصوف، دون أن ينبس أحد منهم ببنت شفة حيال المجزرة الانتقامية المروعة التي ارتكبتها طائرات التحالف في الحي الليبي بصنعاء في الليلة نفسها، والتي حرصت وزارة الدفاع الأميركية على نفي أي دور لها فيها.
أما الأمم المتحدة، وكعادتها، فاكتفى أمينها العام أنطونيو غوتيريش، بالتعبير عن «القلق والأسف» إزاء حجم الدمار الذي أحدثته غارات التحالف السعودي ضد المدنيين في صنعاء، داعياً «الجميع» إلى ضبط النفس والتناسب في الردود العسكرية والعودة إلى التفاوض غير المشروط للتوصل إلى حل دبلوماسي برعاية الأمم المتحدة.
وفي السياق، تحدثت وسائل الإعلام عن لقاء المبعوث الخاص بالأمين العام للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، بالسفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، الذي غرد على صفحته الرسمية أنه أبلغ المبعوث الأممي بأن بلاده تدعم الجهود الأممية للسلام في اليمن.
وكانت السعودية قد استدعت في وقت سابق غرودنبرغ عشية الهجمات التي طالت الإمارات والسعودية.
كذلك، أشارت الخارجية الأميركية في بيان لها إلى أن مبعوثها الخاص بشأن اليمن سيزور العديد من دول المنطقة في جولة جديدة.
هذه التحركات تؤشر بما لا يقبل الشك على السعي إلى تدارك مفاعيل الضربة اليمنية الأخيرة منعاً لتدهور الأمور باتجاه ما هو أسوأ ويفوق قدرة الإمارات على التحمل.
ومن جملة مفاعيل «إعصار اليمن» أيضاً اهتزاز أسواق النفط العالمية، لاسيما بعد أن أظهرت صور الأقمار الاصطناعية حجم الضرر الهائل في مصفاة النفط الإماراتية.
إسرائيل قلقة
أما في إسرائيل، فأصداء الاستهداف اليمني لمطاري أبوظبي ودبي في العمق الإماراتي كانت واسعة، حيث سارع وزير الخارجية يائير لبيد إلى إدانة الهجوم مبدياً تعاطفه مع «أصدقائه الإماراتيين». وبطبيعة الحال لم يفوّت لبيد على نفسه فرصة التحريض على إيران واتهامها بالوقوف وراءه من خلال دعمها المستمر للحوثيين، بحسب قوله!
وأخذ قصف مطاري أبوظبي ودبي حيزاً كبيراً من التحليلات في وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي ركز معظمها على الخشية من تكرار السيناريو نفسه مع تل أبيب. وتوقف بعض المحللين بإسهاب، أمام قدرة اليمنيين على إرسال طائراتهم المسيرة الانتحارية لمسافات طويلة، ما يعني قدرتها على بلوغ أهداف داخل إسرائيل بسهولة ويسر، وهو أكثر ما يقلق المستوى العسكري في تل أبيب.
وكان اليمنيون قد أشاروا مرات عديدة إلى وقوف إسرائيل وراء تفعيل الدور الإماراتي في الحرب عليهم، من خلال التصعيد العسكري القائم في الآونة الأخيرة، براً وبحراً وجواً.
رسالة تحذير
إصرار أبوظبي على استمرار المشاركة في العدوان على اليمن وشعبه، رغم إعلانها الانسحاب غير مرة، استفز اليمنيين ودفعهم إلى اتخاذ القرار بالرد القاسي الأخير، في محاولة منهم لتحييد الإمارات. وهو ردّ، رغم قسوته، لا يعدو أن يكون مقدمة أو رسالة تحذير لما يمكن أن يقوموا به لاحقاً.
الرسالة اليمنية القوية باتجاه أبوظبي، كانت قد استُبقت بتكثيف للهجمات ضد أهداف إماراتية داخل الأراضي اليمنية في الآونة الأخيرة، فمنذ عدة أسابيع ضبطت صنعاء سفينة عسكرية إماراتية محملة بالعتاد داخل المياه الإقليمية اليمنية. بعدها بأيام، تم إسقاط طائرة عسكرية إماراتية في مطار عتق بمحافظة شبوة، إضافة إلى مقتل عدد من القادة الميدانيين من لواء «العمالقة» المدعوم من الإمارات.
من المفترض أن تكون الرسالة قد وصلت وأن يكون حكام الإمارات قد فهموا أن الاستمرار في حرب اليمن ورطة حقيقية ومستنقع لا يمكن الغوص فيه أكثر، فالثمن كبير ومكلف جداً، وقد يعني شل البلاد بأمنها واقتصادها.
مدن الإمارات .. لم تعد آمنة
في كل الأحوال، ومهما بلغ حجم الرد الانتقامي من المدنيين، فإنه لن يخفف من وطأة الضربة اليمنية ووقعها الشديد على الإمارات، وهي الدولة التي يقوم اقتصادها وازدهارها على مبدأ الأمن والاستقرار فإذا خسرتهما أصبحت كالخيمة المكسورة الأعمدة.
بعدد من الصواريخ المجنحة من طراز «قدس 2»، وبعدد من الطائرات المسيرة، وجه اليمنيون رسالتهم المباشرة للإمارات… ربما هو اليأس من كل المحاولات السابقة التي بذلوها لوقف هذه الحرب على بلدهم والتي دخلت عامها السابع ولم توفر الحجر ولا البشر وقضت على بنية اليمن التحتية المنهكة أصلاً.
هذه الرسالة الحوثية مفادها أن الإمارات لن تكون بعد اليوم بمنأى عن الحرب بل ستكون جزءاً منها ولن يهنأ للإماراتيين عيش واليمنيون يقتلون بطائراتهم وصواريخهم كل يوم!
هكذا وبتكلفة بسيطة قوامها عدد من الصواريخ والطائرات المسيرة، استعاد اليمنيون زمام المبادرة وهددوا واحة الأمن الإماراتية في الصميم، دافعين أبوظبي إلى مراجعة حساباتها والتوقف عن الانغماس في حرب اليمن، إذا كانت تريد الحفاظ على أمنها واستقرارها.
لائحة الإرهاب
في تغريدة على حسابها الرسمي في «تويتر»، أعربت السفارة الإماراتية في واشنطن عن ترحيبها بما صرح به الرئيس الأميركي جو بايدن من أن إدارته تدرس إعادة إدراج حركة «أنصار الله» في لوائح الإرهاب.
وكان بايدن قد رد على سؤال عما إذا كان يؤيد إعادة إدراج الحوثيين كمنظمة إرهابية خلال مؤتمره الصحافي مساء الأربعاء الماضي فأكد أن الإجابة قيد الدراسة.
يُشار إلى أن الإدارة الأميركية كانت قد رفعت اسم حركة «أنصار الله» من قائمة التنظيمات الإرهابية في شباط (فبراير) الماضي بعد أسابيع من إدراجها بقرار من إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
Leave a Reply