في خضم السجال الدائر بين الصين والولايات المتحدة عقب قرار الإدارة الأميركية بيع أسلحة إلى تايوان وإعلان الرئيس باراك أوباما عزمه لقاء الزعيم الروحي للتبت الدلاي لاما، عكفت الصحف الأميركية على تحليل تداعيات تلك التطورات على العلاقات بين البلدين. وبرز بشكل لافت مقالان لكاتبين مرموقين في الصحف الصادرة اليوم، تناولا فيه أسباب التوتر في العلاقات بين الدولتين العظميين. فقد رأى الصحفي فريد زكريا في مقاله بصحيفة واشنطن بوست أنه مهما يكن من أمر فإن لكلا البلدين من الأسباب القوية التي تدفعه للتعاون مع الآخر. فالدولتان في نظره قد تكونان تلعبان نفس اللعبة، ألا وهي التظاهر علانية بالغضب لإرضاء الرأي العام المحلي. غير أنه يرى أن ثمة عاملين أديا إلى تصعيد المواجهة الكلامية بينهما، الأول يكمن في الإدراك المتزايد في الصين من أنها لم تعد تعتمد على الغرب، لاسيما الولايات المتحدة, كما كان الحال فيما مضى. فالصين اليوم، في نظر زكريا الذي يعمل رئيسا لتحرير النسخة الدولية من مجلة “تايم” الأميركية، غارقة في لجج من الأموال وباتت أسواقها المحلية هذا العام وللمرة الأولى المحرك الرئيسي لعجلة النمو فيها وليس تصدير السلع. وتحظى الصين اليوم باحترام في كافة أرجاء المعمورة، وهي مفعمة بالثقة إلى حد الغرور في المحافل الثنائية والدولية. أما العامل الثاني الذي قد يفاقم حدة التوتر الصيني الأميركي فيتمثل فيما سيؤول إليه الاقتصاد الأميركي من مصير. فهناك خوف كبير من أن اقتصاد الولايات المتحدة يعاني ضعفا هيكليا عميقا. وحذر الكاتب من أنه ما لم يستجمع السياسيون الأميركيون شجاعتهم ليجعلوا من اقتصاد بلادهم اقتصادا منافسا مرة أخرى، وإذا ما تصورت الصين أنها تتعامل مع قوة عظمى آخذة في الاضمحلال، فإن العلاقات بينهما ستشهد تغيرا جذريا. ويتفق كاتب آخر هو زاكاري كرابل بمقاله بمجلة “تايم” مع زكريا في أن التوتر المتصاعد بعلاقات البلدين ما هو إلا انعكاس لتغير سريع بميزان القوى الاقتصادي. ويمضي إلى القول إن الثقة تغمر الصين, بل إن تلك الثقة بالنفس تحولت في الآونة الأخيرة إلى “غطرسة” و”ازدراء” للولايات المتحدة. وينظر الكثيرون في الصين إلى الولايات المتحدة –برأي كرابل- على أنها دولة فاسدة لا تكن ودا للصين، وستعمل على جرّها ما لم تجد بكين سبيلا للفكاك من ربقة الاقتصاد الأميركي. ومع ذلك يخلص الكاتب إلى القول إن الحقيقة تكمن في أنه مهما كانت رغبة الصين فإنها لن تستطيع المضي قدما في الطريق لوحدها.
Leave a Reply