كمال ذبيان – «صدى الوطن»
يغرق اللبنانيون في أزماتهم الداخلية المتنوعة، سياسية ودستورية ومالية واقتصادية وقضائية، وصولاً إلى الانهيار الإداري لمؤسسات لدولة، مع امتناع الموظفين الرسميين عن الحضور إلى أعمالهم، بسبب تآكل الرواتب وانخفاض قيمتها الشرائية، كحال سائر اللبنانيين الذين وصلت نسبة الفقر بينهم إلى حوالي 82 بالمئة، وفق أحدث إحصاء للبنك الدولي، فيما خرج بعض الموفدين الدوليين الذين زاروا لبنان، بتقارير تؤكّد على أن البلاد دخلت نفقاً مظلماً لن تخرج منه قبل 12 إلى 19 عاماً، إذا لم تباشر الحكومة بإصلاحات فورية.
لكن الواقع أن الحكومة نفسها هي شبه معطلة، إذ لم يمضِ على تشكيلها سوى شهر واحد، حتى عُلّقت جلساتها بسبب الخلاف السياسي حول تولي القاضي طارق بيطار لملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، وصولاً إلى الخلاف حول المطلب السعودي باستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي.
مناورات إسرائيلية
في ظل الوضع اللبناني المتأزم سياسياً واقتصادياً والذي يبدو عصياً على الحلول بسبب ارتباطه العضوي بصراع المحاور الإقليمية والدولية، لجأ العدو الإسرائيلي مؤخراً إلى إجراء مناورات عسكرية في شمال فلسطين المحتلة تحسباً لأية مواجهة محتملة مع «حزب الله». وقد تركزت تلك المناورات على تعزيز الجبهة الداخلية التي ثبت ضعفها وانكشافها في حرب تموز 2006، تحت وابل صواريخ المقاومة التي أحرجت دولة الاحتلال أمام شعبها، لاسيما في ظل عدم كفاية الملاجئ لأعداد المستوطنين المذعورين، وافتضاح أمر هشاشة الأمن الإسرائيلي على عكس ما روجت له النظرية الصهيونية بأن «أرض الميعاد» هي الحصن الآمن ليهود العالم.
وفي حقيقة الأمر، يعيش الكيان الصهيوني نفسه هذه الأيام، أزمة وجود بعدما نسفت المقاومة في لبنان وفلسطين أسطورة الجيش الذي لا يقهر، بتسطير الانتصارات المتتالية منذ الانسحاب الإسرائيلي غير المشروط من جنوب لبنان في ربيع العام 2000، والانسحاب من غزة وتفكيك عشرين مستوطنة في محيطها عام 2004.
تلك الانتصارات أفسحت المجال أمام فصائل المقاومة لبناء وتطوير ترسانتها وقدراتها العسكرية، حتى أصبحت كامل الأراضي المحتلة، من الجليل الأعلى حتى إيلات جنوباً، تحت مرمى صواريخ المقاومة، سواء من لبنان شمالاً أو غزة جنوباً.
وحقيقة أن المقاومة باتت قادرة على شل الاقتصاد الإسرائيلي في أية لحظة شاءت، أمر لا يمكن تجاوزه أو السكوت عنه في دوائر القرار الصهيونية، خاصة وأن الخطر الاستراتيجي لتلك الصواريخ يغطي المواقع العسكرية والمراكز الأمنية والمرافق الحيوية كمفاعل ديمونا النووي.
وتتحدّث تقارير صهيونية عن امتلاك المقاومة في لبنان لمئات آلاف الصواريخ المتطورة ومنها «الباليستية»، فضلاً عن منظومة «أس–300» الدفاعية الروسية الصنع، مما يشكل قوة ردع مقلقة لإسرائيل التي بات عليها أن تستعد لانهمار أكثر من ألف صاروخ عليها يومياً في أية حرب مقبلة على الجبهة الشمالية.
موازين القوى
وفق التقارير الإسرائيلية، يقدر الخبراء تنامي قدرات «حزب الله» بنحو عشرين ضعفاً منذ حرب تموز 2006، ويحذر هؤلاء من أن كل يوم يتأخّر فيه الجيش الإسرائيلي عن التعامل مع هذه الترسانة، يزداد الخطر الأمني لا بل الوجودي على الدولة العبرية التي تبدو عاجزة عن تغيير موازين القوى الجديدة مع قوى المقاومة سواء على الجبهة الشمالية أو الجنوبية.
فبعد المواجهة الأخيرة مع الفصائل الفلسطينية في غزة، في أيار الماضي، ثبت عجز إسرائيل في التصدي لرشقات الصواريخ اليومية التي أطلقت من القطاع المحاصر على عشرات المدن والمستوطنات الإسرائيلية على مدار 12 يوماً غدت إسرائيل خلالها في حالة شلل شبه تام.
ولم تنفع نحو ستة حروب شنّتها إسرائيل على غزة منذ العام 2008، في لي ذراع المقاومة الفلسطينية التي ازدادت قوة في التسليح، وأقامت مصانع سرية وحفرت المزيد من الأنفاق لتهريب شتّى أنواع الأسلحة.
ولا شك أنه أمام الإخفاقات الإسرائيلية المتتالية في غزة ولبنان، هناك نقاش قائم داخل المؤسسة العسكرية في دولة الاحتلال حول كيفية تغيير موازين القوى مع المقاومة، والتي يرى بعض الإسرائيليين أنها لا يمكن أن تستقيم من دون عملية عسكرية خاطفة على «حزب الله» في لبنان بالتزامن مع الأزمات الداخلية الملتهبة، والتعويل على تحرك داخلي ضد سلاح المقاومة تحت مظلة قراري مجلس الأمن الدولي 1559 و1701.
ويمكن استنباط ذلك من النشاط المتصاعد ضد «حزب الله» في الداخل اللبناني لزعزعة وإسقاط شعار «الجيش والشعب والمقاومة»، الذي يرفضه فريق أساسي من اللبنانيين المنادين بحصر السلاح و«قرار الحرب والسلم» بيد الدولة.
سيناريو 1982
بينما يعمل الفريق المناهض للمقاومة في لبنان، وهو مكوّن بمعظمه من قوى «14 آذار» سابقاً، على تنظيم نفسه، تحت شعار «لا للدويلة نعم للدولة»، و«لا سلاح إلا بيد الجيش اللبناني» و«تحرير لبنان من الاحتلال الإيراني» وغير ذلك من الشعارات السياسية المناهضة للمقاومة، تشير بعض الأوساط إلى أن أطرافاً لبنانية، بدأت تراهن على سيناريو مشابه للسيناريو الذي نفّذ عام 1982، لإخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان. إذ يعول هؤلاء على عملية عسكرية إسرائيلية تتلاقى مع قوى داخلية، لتشكّلا معاً كماشة تطبق على المقاومة وبيئتها الشعبية لفرض الاستسلام على «حزب الله» ودفعه إلى تسليم سلاحه للجيش، كما حصل مع منظمة التحرير ورئيسها ياسر عرفات الذي اضطر إلى الاستسلام تفادياً لتدمير بيروت وقتل أهلها.
نجح الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 في تحقيق أهدافه عبر طرد المقاومة الفلسطينية وإيصال بشير الجميّل لرئاسة الجمهورية، تمهيداً لتوقيع معاهدة سلام بين البلدين، ولولا ظهور المقاومة واشتداد عودها لكانت أحلام قادة العدو بجعل لبنان ثاني دولة عربية مطبّعة –بعد مصر– قد تحققت منذ عقود طويلة. فلمَ لا تتكرر المحاولة مرة أخرى في زمن التطبيع العربي مع إسرائيل؟
لكن حصار المقاومة عسكرياً وسياسياً في لبنان، لا يمكن أن يتحقق من دون انخراط أميركي كلي، كما حصل أيضاً عام 1982، عندما سعت إدارة رونالد ريغان إلى إحلال السلام العربي الإسرائيلي مروراً بلبنان، فهل يمكن أن تقدم إدارة الرئيس جو بايدن على خطوة مماثلة؟
المؤشرات جميعها تدل على أن الساحة اللبنانية متجهة نحو تطورات خطيرة، وقد يكون سيناريو 1982 واحداً من السيناريوهات المطروحة، خاصة في مطابخ القرار الإسرائيلي–الأميركي، لكن في المقابل تتحدث المقاومة عن أن المواجهة المقبلة مع الاحتلال ستكون في الجليل، بحسب أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، فهل تقدم إسرائيل على شن عدوان وفق مبدأ، الهجوم خير وسيلة للدفاع؟
Leave a Reply