وقّع لبنان على عقود التنقيب عن النفط في البحر، مع ائتلاف الشركات (كونسورتيوم) «توتال» الفرنسية و«إيني» الإيطالية و«نوفانك» الروسية، بعد أن أعطت الحكومة تراخيص لهم قبل نهاية العام الماضي، ليدخل لبنان مرحلة جديدة في تحوّله إلى دولة نفطية، وهي خطوة تأخرت لحوالي قرن، عندما أجاز المفوّض السامي الفرنسي هنري دو جوفيل في العام 1926، التنقيب عن النفط، ليصدر عن مجلس النواب في العام 1933 قانون التنقيب عن النفط في ظل الانتداب الفرنسي، وقد أدخل لبنان تعديلات عليه في العام 1974، بما سُمي بقانون النفط البرّي، حيث اكتشف الخبراء الجيولوجيون، وجود نفط في الأرض اللبنانية في عبرين قرب البترون في الشمال، إلى يحمر وسحمر في البقاع الغربي، وعدلون في الجنوب.
النفط في البحر
وحاول لبنان استخراج النفط من برّه، لكنه تعثر في ذلك لأسباب تقنية ومالية ونشوب الحرب الأهلية وحصول أزمات سياسية، إلى أن كلّفت الحكومة اللبنانية في عام 2002 شركة «سيكتروم» البريطانية بإجراء مسح ثلاثي الأبعاد غطى كامل الساحل اللبناني، لتخرج بتقرير يشير إلى احتمال وجود للنفط والغاز في المياه الإقليمية، ثمّ استكملت شركة «جي آي سي» النروجية أعمال البحث في الموقع نفسه وبمسح ثلاثي الأبعاد، وأعطت النتائج نفسها بوجود نفط وغاز، وأشارت في بحثها إلى أن أكبر الكميات النفطية موجودة في الشمال مقابل ساحل العبدة، حيث أكّدت وفي مرحلة لاحقة، ومن خلال بحث جيولوجي في العامين 2006 و2007، أنه ضمن المياه اللبنانية، والمياه اللبنانية–القبرصية، توجد كميات تجارية من النفط تصل إلى 50 بالمئة، وأن لبنان ربما كان يمتلك مخزونات تصل إلى 8 مليارات برميل.
وكانت آخر التقارير هي التي أصدرتها شركة «نوفل» الأميركية في 22 حزيران (يونيو) 2012، وبعد فحوص زلزالية ثلاثية الأبعاد، أكّدت ما كشفته شركة «جي آي سي» النروجية، عن وجود حقل هائل للغاز يسمى «لفياتان» ويحوي ما لايقل عن 16 تريليون قدم مكعب، تقع في منطقة امتياز لها من البحر المتوسط في منطقة قبالة الشواطئ اللبنانية، في منطقة بحرية دولية بين حدود فلسطين البحرية وقبرص.
قوننة النفط
وبعد صدور الدراسات والتقارير من شركات عالمية، باحتمال وجود النفط، أقرّ مجلس النواب القانون رقم 132/2010 للموارد البترولية في المياه البحرية، ثمّ صدر المرسوم رقم 10289/2013 للأنظمة والقواعد المتعلقة بالأنشطة البترولية، وبعد ذلك تمّ تعيين هيئة إدارة قطاع البترول، لتقر الحكومة التراخيص للشركات المنقّبة عن النفط، ووقعت العقود معها في 9 شباط (فبراير)، لتبدأ العملية في العام ٢٠٢٢، بكلفة تتراوح بين 120 إلى 180 مليون دولار، لحفر الآبار، حيث ستبدأ المرحلة الأولى من البلوكين «4» و«9» من أصل عشرة بلوكات تمّ تحديدهما، وفي منطقتين قرب البترون في الشمال وقبالة شاطئ الناقورة في الجنوب، على مقربة من الحدود اللبنانية–الفلسطينية.
التهديد الإسرائيلي
ومع إقرار لبنان للتراخيص، والتوقيع على العقود مع الشركات، دخل العدو الإسرائيلي، على خط منع عملية التنقيب بتهديد أطلقه وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان من خلال مؤتمر حول الأمن في تل أبيب، أن «البلوك رقم 9» هو ملك لإسرائيل، وبكل المقاييس، وأن هذا يمثل تحدياً سافراً وسلوكاً استفزازياً، وحذّر الشركات التي وصفها بالمحترمة، والتي ستقوم بأعمال التنقيب من أنها «ترتكب خطأ فادحاً لأن هذا يخالف جميع القواعد والبروتوكولات في حالات مثل هذه».
منع تحويل المياه واستثمارها
هذا التهديد ليس بالجديد على لبنان، الطامع بأرضه ومياهه وثرواته من العدو الإسرائيلي، فقد سبق له، ومنع لبنان من تحويل مياه الوزاني، لأنها تذهب إلى فلسطين المحتلة، بالرغم من صدور قرار عربي يدعم لبنان في بناء سد عند نهر الوزاني القريب من سهل الخيام المتداخل للحدود مع الكيان الصهيوني، وأقدم العدو على قصف المنطقة مرات عدة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، كما كلما حاول لبنان، استثمار مياهه، وهو قام بسرقتها عند احتلاله للبنان، إلا أنه وبعد تحرير الجنوب في عام 2000، قام رئيس الجمهورية العماد إميل لحود بزيارة نهر الوزاني، والإعلان عن العمل في تحويل المياه منه إلى الداخل اللبناني، وهو الأمر نفسه حصل مع نهر الليطاني الذي منعت إسرائيل قيام سد عليه أيضاً، إلا أنه وقبل سنوات، افتتح الرئيس نبيه برّي العمل بقيام هذا السد، بمساعدة من دولة الكويت.
الرد على ليبرمان
وما إن نطق الوزير الإسرائيلي، تهديده، حتى جاءه الرد اللبناني الرسمي والسياسي والشعبي، بأن لبنان موحّد على مواجهة أي عدوان على السيادة اللبنانية، وكانت تهديدات ليبرمان إنذاراً للقادة اللبنانيين لتناسي خلافاتهم الداخلية التي نشأت من مرسوم الأقدمية لضباط 1994، والى عقد مؤتمر للطاقة الاغترابية في أبيدجان، ثمّ الكلام المسيء الذي صدر عن وزير الخارجية جبران باسيل بحق الرئيس برّي، والذي كان إجماع لبناني على رفضه وضرورة الاعتذار عنه، والذي عوّضه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالاتصال برئيس مجلس النواب، والاتفاق على لقاء جمعه به ورئيس الحكومة سعد الحريري في القصر الجمهوري، حيث طوى الرؤساء الثلاثة صفحة الخلافات التي تمّ التأكيد على أن حلّها يكون تحت سقف الدستور والمؤسسات ليتم التركيز على مواجهة تهديدات العدو الإسرائيلي.
الهدف الإسرائيلي
وتحاول الدولة العبرية من خلال تهديد وزير دفاعها عرقلة عمل الشركات في التنقيب، حيث يقع «البلوك 9» في المنطقة الإقتصادية الخالصة للبنان، وأن إسرائيل قلقة من أن بدء لبنان في التنقيب، من أن تكون الطبقة الجيولوجية بين «بلوك 9» في المنطقة الإقتصادية وبئر «كارديش» الإسرائيلي مشتركة، حيث سيؤدي التنقيب من جهة لبنان إلى وصوله إليها قبل وصول إسرائيل، حيث يحوي حقل غاز «كارديش» نحو 50 مليار متر مكعب، إضافة إلى 250 مليار من حقل «تامار» و540 من حقل «لفياتان» وهي كلها داخل المياه الفلسطينية المحتلة، إذ تهدف إسرائيل أيضاً من خلال تهديدها للبنان إلى جذب الاستثمارات نحوها وكسب الوقت، إضافة إلى أنها تسعى إلى مد أنبوب غاز من حقل «لفياتان» إلى تركيا مروراً بالمنطقة الإقتصادية في قبرص وبمسافة 420 كلم وبكلفة تبلغ نحو 730 مليون دولار، حيث ترفض قبرص أن يمر الأنبوب في منطقتها لأن لديها مشاكل مع تركيا، يجب أن تحل قبل مد الأنبوب.
التنقيب اللبناني مستمر
ولم توقف التهديدات الإسرائيلية لبنان عن توقيع العقود مع الشركات، والبدء بالتنقيب، لأن قرار المواجهة مع العدو الإسرائيلي اتّخذ، ولن يحصل مع لبنان كما في العقود السابقة، أن يصدر تهديد إسرائيلي بمنع استثمار المياه أو بناء سدود على أنهر، وتتوقف الحكومة عن العمل، إذ أكّدت المواقف الرسمية لاسيما البيان الذي صدر عن اللقاء الرئاسي في بعبدا، وعن المجلس الأعلى للدفاع الذي انعقد برئاسة الرئيس عون بأن لبنان لن يتراجع عن استثمار ثرواته النفطية، وقد أبلغ الأمم المتحدة بذلك، وأن أية مغامرة إسرائيلية تجاه لبنان بمنع الشركات النفطية من المباشرة بعملها، سيعتبر اعتداء على السيادة اللبنانية وانتهاكاً للقرار 1701، كما يحصل في بناء جدار عند الحدود مع لبنان، والذي نبّه من أنه تجاوز للخط الأزرق، سيتم التعامل معه بما يلزم من الوسائل المناسبة، إذا لم يتوقف العدو الإسرائيلي عن عدوانه.
المقاومة في جهوزية
ويحسب العدو الإسرائيلي، ألف حساب إذا ما حاول عرقلة أو تأخير أو منع لبنان من استخراج نفطه، إذ سبق للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، أن أعلن في العام 2011 بأن المقاومة جاهزة لضرب منصات الغاز الواقعة في إسرائيل، إذا ما حاولت قصف منصات الغاز في المياه اللبنانية عند بدء التنقيب، وهو ما أعاد «حزب الله» تحذير العدو الإسرائيلي منه الأسبوع الماضي، بعد تصريح وزير دفاع العدو ليبرمان. وقد أكّد ضابط إسرائيلي رفيع لصحيفة «هآرتس» العبرية، بأن «حزب الله» يمتلك أسلحة قادرة على تهديد منطقة المياه الاقتصادية الإسرائيلية برمتها وعلى إلحاق الضرر بحقول الطاقة التي تمدّ إسرائيل بالغاز، حيث تخوّف هذا الضابط من أن تقوم حرب ثالثة بسبب النفط، إذ بدأت إسرائيل تعزز قدراتها العسكرية، لاسيما أسطولها البحري، باستقدام فرقاطات أو بارجات من نوع «ساعر–6»، التي ستستخدم للدفاع عن الحفارات في منطقتها الاقتصادية، وهي مجهزة بأنظمة مضادة للصواريخ.
وقد حاول رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو التقليل من تهديدات ليبرمان، وبأن لا حرب مع لبنان، بعد أن بلغه أن الحكومة اللبنانية مستعدة لكل التوقعات، وأن الرئيس عون أبلغ الرئيس الألماني الذي تقوم بلاده بحماية الشواطئ اللبنانية، من أن لبنان بجيشه ومقاومته، سيردّان على أي عدوان إسرائيلي.
«حزب الله» ينشر فيديو يحاكي استهداف منشآت حيوية إسرائيلية
وجه الإعلام الحربي المركزي لـ«حزب الله»، رسالة مصورة، يرد عبرها، على تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، بشأن تبعية «بلوك 9» للغاز الواقع في المياه الإقليمية اللبنانية.
وكان ليبرمان وصف نهاية الشهر الماضي، إعلان لبنان مناقصة بشأن بلوك الغاز رقم 9 بـ«تحد سافر وتصرف استفزازي يخالف جميع القواعد والبروتوكولات»، معتبراً أن البلوك المذكور، الخاص بالغاز البحري في المتوسط والواقع على الحدود تعود ملكيته لإسرائيل وليست للبنان «بكل المقاييس».
وتحت عنوان «أيها الصهاينة ستمس منشآتكم»، عرض «حزب الله» مشاهد لمنشآت نفطية تديرها إسرائيل في مياه البحر المتوسط، تتخللها مشاهد لصواريخ أرض بحر يمتلكها الحزب، في إشارة إلى قدرته على استهدافها.
واستحضر الفيديو خطاباً سابقاً للأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصرالله، ألقاه عام 2011، قال فيه إن «من يمس المنشآت المستقبلية للنفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية، فستمس منشآته.. وهو يعلم (العدو) أن لبنان قادر على ذلك».
Leave a Reply