بيروت – فاطمة روماني
خاص لـ«صدى الوطن»
من مياه الفجيرة، الإمارة الوحيدة في دولة الإمارات العربية الوادعة على سواحل بحر عمان، تحركت ماء الحرب الباردة بين واشنطن وطهران.
اختلطت المعادلات وكثرت الرسائل بُعيد إعلان أبوظبي عن استهداف أربع سفن قبالة سواحل الفجيرة، بعد ساعات على نفي وقوع الحادثة، ليدخل المشهد الخليجي في ارتباك غير مسبوق على إيقاع تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن حيث وجهت أصابع الاتهام نحو إيران، مطلقة العنان لمرحلة جديدة من الاحتقان الذي بلغ ذروته مع التصريحات النارية المتبادلة بين واشنطن وطهران.
في واشنطن، انهالت سهام التصريحات لما يعرف بالصقور: مستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الدفاع بالوكالة باتريك شاناهان، ووزير الخارجية مايك بومبيو، فيما هدد دونالد ترامب بأنّه «إذا أرادت إيران القتال فستكون النهاية الرسمية لها».
موجة التهديدات هذه ترافقت مع حركة حشد عسكري في الميدان اذ أرسلت الولايات المتحدة إلى منطقة الشرق الأوسط حاملة طائرات «يو أس أس آرلينغتون» لتنضم إلى حاملة الطائرات«أبراهام لينكولن» المتمركزة في مياه الخليج، بالإضافة إلى إرسالها قاذفات «بي 52» الاستراتيجية إلى قاعدة «العديد» العسكرية في قطر.
في المقابل، لم تُبد إيران تراجعاً أمام الخطوة الأميركية التي أظهرت فائض قدرتها، ولمحت باستخدام أوراق قوتها.
مساعد قائد الجيش الإيراني الأميرال حبيب الله سياري، قال إن بلاده تتمتع بوضع جغرافي يمكّنها من السيطرة الكاملة على الخليج ومضيق هرمز وشمال بحر عمان، فيما أكّد المرشد الأعلى في إيران السيد علي خامنئي أنّ الحرب «لن تندلع»، وقال «لا نحن ولا هم نسعى إلى الحرب، إنهم يعلمون بأن ذلك لن يكون في صالحهم». فيما بدأت طهران أولى خطوات الرد عملياً بالتراجع عن بعض التزاماتها في الاتفاق النووي وأعلنت عن زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم.
فرص الحوار
إذاً في أقل من شهر تزاحمت كل تلك الأحداث وكثرت الرسائل المتبادلة في محيط الخليج وقبالة مضيق هرمز شريان النفط الرئيسي في العالم والممر الملاحي الحيوي الرابط بين منتجي النفط في الشرق الأوسط وبين أسواق آسيا وأوروبا وأميركا.
ومع بروز لغة الحرب والتهديدات المتبادلة بقي الطرفان، أي واشنطن وطهران، حريصين على التمسك بطرف خيط التهدئة فكانت رسائل إمكانية العودة إلى الحوار تظهر من هنا وهناك وسط كل الخطاب المتشنّج. وقد برز ذلك جلياً في لهجة المسؤولين الأميركيين، وبنسبة أقل لدى نظرائهم الإيرانيين.. فهل لا يزال ترامب جالساً قرب هاتفه منتظراً اتصالاً من الشرق؟
لا شيء يوحي بأنّ طهران كلّمتْهُ حتى الآن، لكن المؤشرات واضحة عن بدء وساطات من كل حدب وصوب لعودة الأمور إلى نصابها وتصفير ما أمكن من توتر وعودة التهدئة بين البلدين. أولى الدلائل كانت في الزيارة السريعة للرئيس السويسري إلى البيت الأبيض ولقائه ترامب وزيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لكل من إسلام آباد وبغداد وما يحكى عن دخول طوكيو مباشرة على خط الأزمة. فهل هدأت عاصفة التوتر بين الولايات المتّحدة وإيران التي بدأت بعد عامين من الحرب الباردة التي شنّتها الإدارة الأميركية منذ تربّع ترامب على كرسيّ الرئاسة وانسحابه من الاتفاق النووي الذي وصفه «بأغبى صفقة على الإطلاق»، لتبلغ ذروتها مع أحداث الفجيرة دون الوصول إلى حد الانفجار.
تصريحات ترامب
خلال مؤتمر صحفيّ جمعه مع رئيس وزراء اليابان في طوكيو تحدّث ترامب عن استعداده للحوار مع طهران، مشيراً إلى أنّ واشنطن لا ترغب بالإطاحة بالنظام الإيراني ولا تريد إلحاق الأذی به، بل كل ما تتطلع إليه هو عدم امتلاك الأخيرة للأسلحة النووية، وجاء ذلك ليخفف من حدّة التوّتر الذي شهدته المنطقة خلال الأسابيع القليلة الماضية بعد تفجيرات «الفجيرة» التي عقبتها إرسال سفناً حربية أميركية لترسو فوق مياه الخليج، رافقتها تعزيزات عسكرية من منظومة صواريخ دفاع جوي من نوع باتريوت إلى حاملة الطائرات التي تحمل على متنها مركبات برمائية وطائرات مقاتلة.. خطوةٌ أميركية هادفة إلى محاولة إجبار إيران على تغيير نمط سلوكها.
لكن موقف إيران وردّها تجاه دعوة ترامب كان إلى حدٍّ ما حازم، وجاء ذلك علی لسان المرشد الأعلی للثورة الإسلامية السيد علي خامنئي، الذي أكد أنه لا حوار مع واشنطن، وأنّ الحوار مع الإدارة الأميركية الحالية هو سمّ زعاف!
لكن في ظل انقطاع التواصل الإيراني الأميركي، هل من وساطة دولية لتهدئة خط التوّتر العالي بين واشنطن وطهران؟
الدور الياباني
دعوة ترامب للجلوس على طاولة مستديرة مع طهران جاءت بعد أسبوع من زيارة وزير الخارجية الإيرانيّ محمد جواد ظريف إلی اليابان، حيث عقد مباحثات مع المسؤولين في طوكيو.
والجدير ذكره أنّ علاقات دبلوماسية وثقافية عريقة تربط اليابان مع إيران، بالإضافة إلى أنّ البلدين كانا قد وقّعا اتفاقية استثمار عام 2016، علماً أن طوكيو تعارض، وبقوّة، انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.
فيما ترددت أنباء، عن زيارة سيقوم بها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى طهران سيلتقي خلالها الرئيس حسن روحاني، سعياً منه للتوسط بين الطرفين.
الدور العراقي
«العراق» الذي يشكّل ملتقاً استثنائياً غير مباشر بين الولايات المتحدة أعلن أنّه سيرسل وفوداً إلى طهران وواشنطن من أجل إنهاء النزاعات بين الطرفين وأنّه سيلعب دوراً رئيسياً من أجل التهدئة وعليه أعلن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي أنّ المسؤولين الأميركيين والإيرانيين لا يريدون حرباً، مؤكداً أن بلاده ستلعب دور «التهدئة» في هذه الأزمة. من هنا كانت بغداد محطة وزير الخارجية الإيراني قادماً من إسلام آباد الباكستانية.
ظريف التقى كافة المسؤولين العراقيين ومن بينهم حلفاء طهران المقربين وأعلن وزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم أن بلاده ستلعب دور الوسيط بين إيران والولايات المتحدة، مشيراً إلى أنّ الحصار الاقتصادي على إيران «ليس مفيداً».
الدور العُماني
كشفت بدورها سلطنة عُمان عن مساع تبذلها للحد من التوتر الملتهب بين أميركا وإيران.
وزير الشؤون الخارجية العماني «يوسف بن علوي قال إن السلطنة تسعى مع أطراف أخرى لتهدئة التوتّر بين البلدين، محذّراً من خطورة وقوع حرب يمكن أن تضرّ العالم بأسره!
«علوي» أكّد أنّ الطرفين الأميركي والإيراني يدركان خطورة الانزلاق إلى أكثر من هذا الحد!
فسياسة الرئيس الأميركي الخانقة ضد إيران القائمة على منعها من تصدير النفط، وتصنيف الحرس الثوري كمنظمّة إرهابية، دفعت «طهران» إلى التمرّد وعدم التنازل بعد أشهر من الرصانة والهدوء رغم انسحاب الولايات المتّحدة من الاتفاق النووي، حيث قرّرت إيران المخاطرة في خسارة ماء الوجه، عبر إعلانها عن أنّها سترفع من كمية معدّل انتاجها من اليورانيوم المخصّب، فأيّ طاولة سيجتمع عليها الطرفان؟.. طاولة الحوار والمصالح المتبادلة والتحديق معاً في خارطة تقاسم النفوذ، أم كل طرف سيهندس طاولته وفق مفرداته وأجندته وينظر إلى انتشار عديده وعتاده ومكامن قوته وضعفه في مياه الخليج؟
Leave a Reply