كمال ذبيان – «صدى الوطن»
اشتهر النائب الراحل كمال جنبلاط، بأنه كان يمتحن المرشحين لرئاسة الجمهورية، وأحياناً كان صانعهم منذ انخراطه في العمل السياسي كوريث للعائلة الإقطاعية في الشوف خصوصاً وباقي المناطق ذات الوجود الدرزي عموماً، ينافس آل إرسلان، التي صاهرها بزواجه من مي إبنة الأمير شكيب إرسلان، إلا أن جنبلاط الإقطاعي، قرّر الخروج عن الصراع السياسي المناطقي مع «اليزبكية» التي تبوأها الإرسلانيون ومَن حالفهم من العائلات الدرزية، ليؤسس الحزب التقدمي الإشتراكي في أول أيار من العام 1949، ومن دون رضى والدته الست نظيرة، لكنه صمّم على ذلك، ليحتل موقعا سياسياً على مستوى الوطن، مستفيداً من ظروف داخلية وإقليمية ودولية، ليتحول من زعيم درزي الى قائد وطني، فكان من مؤسسي «الجبهة الإشتراكية الوطنية»، التي أطاحت بأول رئيس للجمهورية بشارة الخوري، وأتت بكميل شمعون الى رئاسة الجمهورية في أيلول من العام 1952، وهو نفسه الذي كان من أشد المعارضين لعهد شمعون وعمل على منع التجديد له، وأطلق شعاره المشهور نقول لذاك إرحل فيرحل، ولآخر إبقَ فيبقى، في إشارة منه، أنه مؤثر في صناعة رئيس الجمهورية، كلاعب سياسي في الساحة اللبنانية، والتي تؤثر فيها أيضاً العوامل والظروف الإقليمية والدولية.
وبرز دور جنبلاط أكثر في مرحلة السبعينات، عندما اعتلى منبر اليسار اللبناني، وأقام تحالفاً مع الأحزاب الوطنية والتقدمية وفي طليعتها الحزب الشيوعي، حيث شهد لبنان صعوداً لليسار ترافقت مع الموجة اليسارية التي عرفها العالم بقيادة الإتحاد السوفياتي، فقرّر رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي، أن يخضع المرشحون لرئاسة الجمهورية، وقد انحصرت المعركة حينها بين الياس سركيس مرشح «الشهابية» -أو ما عُرف بـ «النهج»- وسليمان فرنجية (جد النائب سليمان فرنجية) والذي كان مرشح الوسط، بعد أن انسحب لصالحه مرشحو الحلف الثلاثي وهم كميل شمعون وبيار الجميّل وريمون إده.
وتقدم المرشحان سركيس وفرنجية كل على حدة الى الإمتحان أمام لجنة فاحصة ضمت الى جانب جنبلاط، أركاناً من الأحزاب الوطنية وأبرزهم جورج حاوي ومحسن ابراهيم وكانت الأسئلة التي تطرح عليهما، تتعلق بالمقاومة الفلسطينية، والعلاقة مع الغرب والإتحاد السوفياتي، وتطوير النظام السياسي، وقد وزّع جنبلاط أصوات كتلته بين المرشحين ففاز فرنجية بصوت واحد على منافسه سركيس، واعتبرت هذه الانتخابات صناعة لبنانية.
الرئيس بري معبر إلزامي
اليوم يظهر الرئيس نبيه بري ليس ممتحناً للمرشحين، لكنه معبر إلزامي لهم. وإن على أي منهم يريد أن يصل الى رئاسة الجمهورية عبر تفاهم معه، سماه هو «سلة متكاملة» لحل الأزمات للبنود التي طرحها على طاولة الحوار، والتي كانت سابقة للترشيحات، إذ اعتبر التوافق الوطني حولها، يسهّل انتخاب رئيس الجمهورية، ويوفر على لبنان، الإنزلاق نحو صراعات داخلية.
لا يرفض رئيس مجلس النواب أي مرشح، ولا يضع «فيتو» على أحد، ويشجع على صناعة لبنانية لرئيس الجمهورية، إذا توافق اللبنانيون على حلول لأزماتهم، تشبه ما كان قائماً بعد الشغور الرئاسي، إثر انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، وكان اللبنانيون منقسمين بين «8» و«14 آذار»، والصدامات العسكرية قائمة بينهم في أكثر من منطقة، وكان أبرزها عملية 7 أيار 2008 الأمنية والعسكرية التي قام بها «حزب الله»، وقلب المعادلة الداخلية لصالح تسوية لبنانية، تأمن لها وسيط وراعٍ خارجي، هو قطر التي استضافت مؤتمراً للحوار اللبناني-اللبناني، أنتج تسوية الدوحة، التي انتخبت قائد الجيش ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وأعيد العمل بقانون الإنتخابات الذي صدر عام 1960 واعتمد القضاء دائرة إنتخابية، وشكّل الحكومة الجديدة التي أمّنت «8 آذار» فيها ثلثها الضامن.
وسلّة الدوحة هذه هي المطروحة للبحث والحوار بنسخة ورعاية لبنانية. وقد أيّد الرئيس برّي ترشيح النائب سليمان فرنجية عندما سماه الرئيس سعد الحريري ووافق عليه النائب وليد جنبلاط، وليس لديه مشكلة لو أعلن الحريري قبل أشهر تأييده لعون، وكان يشجع على الحوار بينهما، لكن يريد لمثل هذا الإستحقاق أن لا يأتي بتفاهم ثنائي دون مشاركة باقي الأطراف ولم يكن مرتاحاً لما تسرّب عن الإتفاق الذي توصل إليه كل من الوزير جبران باسيل ونادر الحريري، مدير مكتب الرئيس الحريري ويعيد احياء صيغة العام 1943 بين بشارة الخوري ورياض الصلح التي تسببت بحروب أهلية طواها اتفاق الطائف، إذ تمّ البحث في توزيع الحقائب الوزارية والتعيينات في المراكز الأساسية ومنها قيادة الجيش، وتمت تسمية العميد جوزف عون كقائد للجيش، ووزير المالية السابق جهاد أزعور كحاكم لمصرف لبنان، وأن عون يتراجع عن مطالبته بقانون انتخابات والبقاء على القانون الحالي (قانون الستين)، لأنه يعطي الحريري أكثرية نيابية وازنة.
الزوج المخدوع
هذا الإتفاق بين باسيل ونادر الحريري، الذي وصل الى عين التينة، بعد توجه سعد الحريري الى تأييد ترشيح عون، لم يرقْ للرئيس برّي الذي اعتبر نفسه كـ«الزوج المخدوع»، وهو الذي يهندس الحوارات في البلد، ويقيم التحالفات، ويدوّر الزوايا، فكيف له، أن يسكت عن إتفاق ثنائي، لا يقيم وزناً لباقي المكونات اللبنانية السياسية والطائفية، وعدم إشراكها في مثل هذا القرار الوطني المصيري، إذ اشتغل عون على قاعدة، إن الرئيس برّي لا يستطيع رفض طلب لـ«حزب الله» الذي يؤيّد رئيس «تكتل الإصلاح والتغيير»، فإذا وافق الحريري على ترشيحه، فإن برّي لن يكون حجر عثرة، ومثله النائب فرنجية الذي لم يطلب منه «حزب الله» الإنسحاب من الترشيح، لكن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، ظهر في آخر أيام عاشوراء، وأعلن استمرار تأييده لعون، وتطلع بإيجابية لخطوة الحريري التوجه نحو دعم ترشيح عون أيضاً، إنما على الأخير أن يتفاهم مع برّي كما مع رئيس «تيار المردة»، وأن الحزب يساعد في الحل، لكن لا يفرضه على حليفيه، ولا يريد أن يخلق مشكلة شيعية-شيعية، ولا يقبل أن يخسر فرنجية الذي ساواه بعون عندما وصفه بعينه الثانية.
والتفاهم مع برّي إلزامي لعون بعد ترشيح الحريري الرسمي له، لأنه من دونه لن يعبر الى رئاسة الجمهورية، التي لا يمكن له أن يتّكل على مكوّن شيعي واحد يؤيّده وهو «حزب الله» الذي بات محرجاً أمام حليفين استراتيجيين له، حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر»، إضافة طبعاً الى «تيار المردة» وقوى أخرى حليفة في خط المقاومة، ليست متحمسة لانتخاب عون، بعد تحالفه مع «القوات اللبنانية» التي أيّدته ليس حباً به، بل كرهاً بفرنجية، لأنه بنظرها هو الممثل الأصلي لحلف المقاومة أو «8 آذار»، كما أعلن رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع بنفسه، ويرى أن عون يمثل فعلياً فكر «القوات اللبنانية» التي كان أحد قادتها العسكريين في الحرب الأهلية الى جانب مؤسسها بشير الجميّل.
لذلك استضاف برّي فرنجية على مائدة غداء حيث أعلن من عين التينة استمراره في الترشح، وأن الرئيس برّي يؤيّده، وهذا ما يضع أمام عون عقبة أساسية في الوصول الى رئاسة الجمهورية.
بدوره، عون الذي لم يلاقِ مناصريه الى طريق القصر الجمهوري لإحياء ذكرى 13 تشرين الأول 1990، وهو اليوم الذي أطيح به، وأُخرج من القصر الجمهوري بعملية عسكرية، بقي في الرابية ومن منزله ألقى خطابه الذي اتّسم بالهدوء، ولم يتطرّق الى التطورات الأخيرة التي رافقت حركة الحريري الرئاسية، حتى لا يستبق ما سيعلنه سواء بتأييده له أو رفضه، مع بدء ضيق الوقت عن 31 تشرين الأول وهو موعد الجلسة 46 لإنتخاب رئيس الجمهورية، التي قد تكون كسابقاتها، إذا لم تنضج طبخة انتخاب عون.
التوقعات تشير الى أن الأمور بحاجة الى مزيد من الوقت، وإذا لم يؤخذ برأي احد طبّاخيها الرئيسيين، برّي، فإنها قد تطول، بعد أن بدأ العونيون يذوقون طعم الرئاسة فيها، وهم يوزعون أجواء التفاؤل من أن العماد عون، لم يأتِ الى مهرجان التيار، لأنه سيصعد الى بعبدا ومباشرة الى القصر الجمهوري رئيساً، ولن يقف في منتصف الطريق، التي سيسلكها من الرابية مباشرة، لكن بات عليه أن يتوجه الى عين التينة وبنشعي، ولن يقبل برّي وفرنجية أن يزورهما باسيل، الذي لن يغفر له رئيس مجلس النواب، كيف حاول قلب طاولة الحوار وتصدى له، إضافة الى سلوكه في الوزارات التي تسلمها وكانت تتضارب مع توجهات حركة «أمل». كما أن رئيس «تيار المردة» لن ينسى لباسيل عندما زاره في منزله، للتشاور معه في ترشيح الحريري له، كيف تقصّد ابقاءه منتظراً لبعض الوقت في الصالون قبل مقابلته.
عبور عون الى القصر الجمهوري مع ترشيح الحريري له، سيكون عبر عين التينة ومن ثمّ بنشعي. وإذا كان كمال جنبلاط يمتحن مرشحي رئاسة الجمهورية، فبرّي ممرهم الإلزامي للتفاهم معه لاسيما عون الذي لن يقترع له بري وسيعارض عهده ولن يشارك في الحكومة وهذه رسائل وصلت الى الجميع ومنهم «حزب الله» الذي تقع عليه مسوؤلية معالجة عقدة حليفيه بري وفرنجية الذي سيبقى منافساً لعون الذي يطلب شبه اجماع نيابي عليه وهو ما لن يؤّمن له على ما يبدو.
Leave a Reply