وليد مرمر
اعتراف وزير الخارجية الأميركي الجديد، أنتوني بلينكين، «بأن الحملة التي تشنها السعودية وحلفاؤها في اليمن قد تسببت بوقوع أسوأ أزمة إنسانية في العالم»، لم يكن منةً من الإدارة الديمقراطية الجديدة في واشنطن أو صحوة ضمير يستحق الشكر عليها. فأولاً، هذا العدوان المشؤوم قد بدأ بضوء أخضر من إدارة باراك أوباما الديمقراطية، وثانياً فإن هذا التصريح يأتي بعد أن فضحت وسائل إعلام غربية كـ«فورين بوليسي» و«نيويورك تايمز» وغيرها فداحة التورط الأميركي الإجرامي في العدوان السعودي على اليمن.
إن هذا العدوان المشؤوم قد كلف مملكة آل سعود حتى الآن حسب بعض المصادر ما يقارب التريليون دولار. وهذا من دون حساب تكلفة الخسائر اليمنية. ولو وُزّع هذا المبلغ على العالم العربي قاطبة، لتقاضى كل بيت في بلاد العرب ما معدله ٢٠ ألف دولار! فقد بلغ حجم الإنفاق العسكري السعودي ٧٧ مليار دولار عام ٢٠١٩ حتى باتت السعودية تصنّف ضمن أكثر ثلاث دول إنفاقاً على جيوشها في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين.
ولكن كيف يمكن لمملكة آل سعود أن تغطي ميزانية الحرب الباهظة مع زيادة الدين العام وفي ظل تداعيات فيروس كورونا المستجد الإقتصادية؟
منذ سنتين كشفت دراسة أعدها «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» المعروف بتأييده لإسرائيل عن السبب الرئيسي وراء الانهيار السريع لمنظومة الاقتصاد السعودي مورداً أن «إيران تخوض حرباً في اليمن بتكاليف زهيدة للغاية لا تتعدى ٣٠ مليون دولار شهرياً، مقارنة بثمن باهظ جداً تدفعه السعودية يقارب خمسة أو ستة مليار دولار شهرياً» (تنفي إيران رسمياً أية مشاركة لها في حرب اليمن، إلا أنّ الأمم المتحدة تقول إنّ الحوثيين يستخدمون صواريخ باليستية وطائرات من دون طيار زودتهم بها إيران).
وأيدت هذه الدراسة، دراسة أخرى أجرتها مؤسسة «جيمس تاون» الأميركية التي أوردت أن الحرب التي تخوضها السعودية في اليمن تكلفها خمسة مليار دولار شهرياً، ما يعني أنها بلغت خلال ستة أعوام، ٣٦٠ ملياراً، كنفقات مباشرة، وقد أشارت المؤسسة إلى أن هذه الحرب «لا يمكن الفوز بها». كما وبينت الدراسة «أن السعودية تواجه معضلة مالية مع جائحة فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط كما وتتعرض ميزانيتها لضغوط أكبر مما كانت عليه في أي وقت منذ حرب الخليج الأولى، الامر الذي دفع بها إلى خفض الدعم الحكومي وزيادة الضرائب».
ولكن ألا يعتبر موقف بلينكين متقدماً ومسؤولاً مقارنة بنظيره سيء الذكر مايك بومبيو؟
ربما. ولكن العبرة في الأفعال وليس في الأقوال… وإن غداً لناظره لقريب.
فهل ستُوقف الإدارة الأميركية فقات صفقات الأسلحة لنظام آل سعود رغم أن ستدر على الخزينة الأميركية مئات مليارات الدولارات؟ وهل ستستطيع إدارة جو بايدن الوقوف بوجه أقوى اللوبيات وأكثرها نفوذاً في واشنطن وهو لوبي الصناعات العسكرية؟ وهل يمكن الاستشفاف من تصريح بلينكين أن هناك تحولاً حقيقياً في الموقف الأميركي في حرب اليمن؟
إن أقل ما يستفاد منه من المواقف الأخيرة لوزير الخارجية أن تعامل إدارته مع الحرب اليمنية لن يكون على شاكلة سابقتها التي أعطت ضوءاً أخضر للنظام السعودي لمواصلة كل أنواع الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية إضافة إلى نشر المجاعة والأمراض في اليمن! وتشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن ١٦ مليون شخص في اليمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي بينهم ستة ملايين يعانون من سوء تغذية حاد، بينهم نصف مليون طفل! كما وتشير المصادر إلى أن أكثر من ١٠٠ ألف شخص قد قتلوا منذ بدء الحرب في اليمن، بينهم ١٢ ألف مدني إضافة إلى أن ٨٥ ألف شخص ماتوا نتيجة المجاعة التي سببتها الحرب.
وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد قدرت أن «ما يقرب من ثلثي المدنيين وثلاثة أرباع الأطفال الذين قتلوا في الصراع اليمني قد لقوا حتفهم نتيجة للغارات الجوية للتحالف العربي». وكانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» قد اتهمت قوات التحالف مراراً بقتل المدنيين وتدمير المراكز الصحية والبنى التحتية منتقدة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مراراً لسكوته على «انتهاكات قوات التحالف».
وبالعودة إلى تصريح بلينكين، وكترجمة لهذا التحول «المفتَرَض» في الموقف الرسمي للإدارة الأميركية، قال وزير الخارجية اليهودي، إن إدارته ستراجع على الفور أمراً أصدره سلفه بومبيو قبيل رحيله، بتصنيف الحوثيين في اليمن كمنظمة إرهابية.
ولا يخفى أن هذا التصنيف الفوضوي والحاقد من قبل بومبيو، والذي استنكرته دول ومنظمات دولية عدة، كان أحد الأفخاخ المتفجرة التي نصبها وزير الخارجية السابق في محاولة واضحة لعرقلة أي تغييرات استراتيجية في اليمن.
وكانت الأمم المتحدة قد حذرت من أن لهذا التصنيف عواقب وخيمة قد تتسبب في تعرض اليمن «لمجاعة واسعة على نطاق لم نشهده منذ ما يقرب من ٤٠ عاماً».
وفي ظل استمرار تعنت نظام آل سعود وإنفاقه مليارات الدولارت لتدمير سوريا واليمن وليبيا وغيرها من البلدان، كشف تقرير لمجلة «فورين بوليسي» بعض الجوانب المخفية من الحرب على اليمن، مشيراً إلى أن ارتدادات العدوان تسببت بكساد وركود اقتصادي سعودي وتذمر متزايد من قبل القطاعات الصناعية والتجارية المختلفة حيث فرضت ضرائب جديدة على الشعب والمؤسسات ورفعت أسعار المحروقات فيما يتم هدر الأموال لاستراضاء الغرب!
ولقد عرض التقرير كيفية ابتزاز النظام السعودي لدول عديدة بهدف مد النظام بالأسلحة وغض النظر عن انتهاكاته وجرائمه. فمثلاً أورد التقرير أن «المملكة تبيع أميركا والاتحاد الأوروبي النفط بأسعار مخفضة لمدة ثلاثة أشهر سنوياً ،وبما أن أميركا تستورد من الدول الخليجية ما يقرب من ١٠ ملايين برميل يومياً (معظمها من السعودية)، فإن الفارق هو ١٥٠ مليون دولار يومياً أو ١٣ مليار دولار خلال ثلاثة أشهر! أما الإتحاد الأوروبي فقد بلغ حجم حسوماته من السعودية ما يقرب من أربعة مليارات دولار. هذا إضافة إلى منح ملياري دولار للسودان ومثلها لباكستان و١.٥ مليار دولار للمغرب مقابل المشاركة العسكرية واللوجستية ومقابل إرسال مرتزقة للمشاركة في العدوان على اليمن.
ويختم تقرير المجلة الأميركية بأن «الإجمالي التقريبي لما أنفقته السعودية منذ بداية حربها على اليمن وصل إلى ٧٢٥ مليار دولار، ناهيك عن عدم التطرق لمصاريف وأموال طائلة مهدورة».
وفيما يدخل عدوان التحالف السعودي–الإماراتي مع أذنابهما عامه السابع، يأمل الشعب اليمني بأن يرى مع تغير الإدارة الأميركية تغيراً جذرياً في دعم الولايات المتحدة لهذا العدوان الذي لم يكن ليستمر ليوم واحد في وجه المقاومة اليمنية لولا الدعم غير المحدود من دول غربية لا تنفك تصم آذاننا بتقعيدها وتنظيرها وتأطيرها لمبادئ حقوق الإنسان!
Leave a Reply