وليد مرمر – لندن
على مدار أعوام عدة نفذ الموساد الإسرائيلي سلسلة من عمليات التخريب والتفجير والاغتيال في العمق الإيراني كان آخرها اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة ثم التفجير الذي استهدف مفاعل «نطنز» منذ حوالي أسبوعين وأكدت المصادر المطلعة الإسرائيلية والأميركية أنه تسبب في تأخير البرنامج النووي الإيراني لمدة سنة على الأقل.
لم تكن وسائل الإعلام العربية «عبرية الهوى»، أقل تفاؤلاً حيال هجوم «نطنز» حيث انبرت قنوات «العربية» و«الحدث» و«سكاي نيوز» وأخواتهن إلى «تبشير» المشاهد العربي بأن جميع أجهزة الطرد المركزي في المفاعل قد دُمرت وبأن مفاعل نطنز قد أصبح أطلالاً تذروها الرياح. فإسرائيل بالنسبة لهذه القنوات ما هي إلا سوبر–دولة عصية على الهزيمة تفعل ما يحلو لها من عربدة في الأجواء السورية واللبنانية، واستهداف «التمركز الإيراني» في سوريا وصولاً إلى ضرب المشروع النووي الإيراني في عقر داره، دون حسيب أو رقيب. وهذا صحيح إلى حد بعيد، فإسرائيل تنتهك بشكل متعمد وممنهج كل القوانين والأعراف الدولية بل وأحياناً كثيرة بمساعدة مباشرة أو غير مباشرة من حلفائها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
لكن الظاهر أن إيران قد ضاقت ذرعاً بالاعتداءات الإسرائيلية المتكررة عليها في سوريا، أو في إيران عبر أذرع الموساد، وهي قد قررت ألا تتوانى عن الرد بالشكل الذي تراه مناسباً. لذا فقد جاء الرد الإيراني على التفجير الإرهابي الذي استهدف مفاعل «نطنز» صاعقاً: رفع مستوى التخصيب في نفس المفاعل (المدمر حسب الإعلام الخليجي) إلى درجة 60 بالمئة. والمعلوم أن درجة 90 بالمئة المطلوبة لإنتاج يورانيوم نقي يصلح لصنع أسلحة نووية ليست إلا تحصيل حاصل ذلك أن التقنيات الفنية تكاد لا تختلف بين الدرجتين.
وفي حادثة أخرى، يوم الثلاثاء الماضي، ذهب بعض المراقبين إلى ربط إيران بانفجار «غامض» وشديد القوة وقع في مدينة الرملة بإسرائيل، وتحديداً في مصنع «تومير» لصنع محركات صواريخ. وقد فتحت السلطات الإسرائيلية تحقيقاً لمعرفة سبب الانفجار.
وقبل ذلك، كانت سفينتان إسرائيلتيان قد تعرضتا لهجومين بالصواريخ في باب المندب وفي خليج عمان يُعتقد بأن إيران وراءهما.
وأخيراً، وفي تطور هو الأول من نوعه، أعلن الجيش الإسرائيلي ليل الأربعاء–الخميس الماضي عن فشل اعتراض صاروخ سقط في منطقة النقب على بعد 30 كيلومتراً فقط من مفاعل «ديمونا» النووي، وقد تبين أنه أُطلق من سوريا رداً على هجوم إسرائيلي استهدف مواقع تابعة للقوات السورية في وقت سابق.
وفي تصريح يتبنى بطريقة غير مباشرة إطلاق الصاروخ، صرح نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني، العميد محمد رضا نقدي، أن «من يرتكب العمل الشرير عليه أن ينتظر ارتداده عليه». وكانت وسائل إعلام إيرانية قد صرحت أن الصاروخ هو من نوع «فاتح» وهو من الصواريخ الدقيقة البالستية أرض–أرض ويعمل بالوقود الصلب، ويصل مداه إلى 300 كيلومتر.
من جهته، قال أفيغدور ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، يوم الخميس الماضي، إنه كان من الممكن أن ينتهي سقوط صاروخ برأس حربي يزن 200 كلغ على إسرائيل بشكل مختلف، محذراً من حالة الشلل الحكومي وتآكل الردع التي تشهدها إسرائيل ومشككاً في جهوزية الأجهزة الأمنية لاحتمال تصاعد الأوضاع مع سوريا أو إيران معلناً أن «قوة الردع الإسرائيلية سُحقت، ونتنياهو غفا في نوبة الحراسة»!
ولقد سبب سقوط الصاروخ حالة من الارتباك والذعر والهلع لدى عشرات آلاف المستوطنين الإسرائيليين.
فهل غيرت إيران قواعد الاشتباك مع إسرائيل؟
نجحت إيران خلال فترة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في عدم الإنجرار إلى صراع مفتوح مع إسرائيل كان من شأنه أن يقضي على أي مفاوضات محتملة لدى وصول إدارة ديمقراطية للبيت الأبيض. ولكن يبدو الآن أن طهران قد انتقلت من مرحلة «الصبر الاستراتيجي» التي اتبعتها مع ترامب، إلى مرحلة «العين بالعين والبادي أظلم» مع إدارة جو بايدن، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم المبالغة في الرد لكيلا يشكل أي تصعيد تهديداً للمباحثات الجارية في فيينا التي تتقدم ولو ببطء.
هذا ما يفسر، حسب بعض المراقبين، وقوع الصاروخ على بعد 30 كيلومتراً من مفاعل ديمونا وكأن مطلقه أراد إنذار إسرائيل بأنه لديه القدرة على إصابة المفاعل لو شاء ذلك.
أما وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس فقد صرّح أن حادثة إطلاق صاروخ من سوريا وسقوطه بالقرب من مفاعل ديمونا جنوبي البلاد «معقدة» وأن الجيش الإسرائيلي قد «فتح تحقيقاً لتحديد سبب فشل اعتراض الصاروخ الذي انفجر بالهواء وسقطت أجزاء منه في منطقة النقب» مشيراً إلى أن التحقيقات مازالت في بدايتها وقد تظهر نتائج مختلفة لأنها مسألة «أكثر تعقيداً مما يعتقد»، حسب وصفه.
عضو هيئة رئاسة البرلمان الإيراني، النائب محسن دهنوي، المقرب من الحرس الثوري صرّح أن «قدرات القبة الحديدية الإسرائيلية تبددت بصاروخ إيراني واحد من الجيل القديم، فماذا ستفعلون مع وابل من الصواريخ الإيرانية المتطورة؟».
أما عاموس يدلين رئيس شعبة «أمان» سابقاً ورئيس «معهد أبحاث الأمن القومي»، فقد استبعد أن يكون الصاروخ السوري الذي انفجر قرب «ديمونا»، انتقاماً إيرانياً رداً على استهداف «نطنز». وبدوره، رأى الخبير في التهديد والدفاع الصاروخي في «معهد القدس للاستراتيجيا والأمن»، الدكتور عوزي روبين، أن الصاروخ لم يكن لديه هدف وهو من النوع الذي لا يستطيع مطلقوه معرفة أين سيصيب أو أين سينفجر، موضحاً أن السوريين يمتلكون ترسانة أكثر دقة وتنوعاً في حال كانوا يريدون ضرب هدف أرضي.
ما هي الرسائل التي حملها صاروخ ديمونا والذي صادف إطلاقه ذكرى حرب العاشر من رمضان العربية الإسرائيلية عام 1973؟
باختصار فإن صاروخ ديمونا أظهر عجز منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية من «باتريوت» و«حيتس» و«القبة الحديدية» عن اعتراض صاروخ واحد، فكيف لو واجهت إسرائيل هجوماً بآلاف الصواريخ دفعة واحدة؟
لا شك أن هذا الاختراق العسكري قد شكل ضربة موجعة للعنجهية الإسرائيلية وشكل تحدياً خطيراً لتل أبيب التي ستحاول جاهدة التخفيف من آثاره رغم إخلاله الواضح بالتوازنات القائمة، لاسيما وأن هذا الاختراق جاء في سلسلة من الردود التي ذكرناها آنفاً والتي تحاول أن ترسي قواعد اشتباك جديدة مفادها أنه من الآن وصاعداً ستكون للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة عواقب على الداخل الإسرائيلي، ذلك أن أسطورة الجيش الذي لا يُقهر قد ولّت، والاعتقاد بأن حروب إسرائيل تخاض خارج أرضها قد أصبح من الماضي.
وفي سياق متصل، لا يمكن التغاضي عن حقيقة أن الرجوع إلى الاتفاق النووي الإيراني مع الخمسة زائداً واحد سيشكل أزمة أخرى لبنيامين نتنياهو الذي يعاني من أزمات سياسية وشخصية عديدة. وهو يحاول قدر الإمكان الضغط على إدارة بايدن لثنيها عن العودة إلى اتفاق فيينا بوصفه خطراً محدقاً بإسرائيل.
وجاءت آخر هذه المحاولات قبل أيام في رسالة وجهها أكثر من ألفي مسؤول عسكري إسرائيلي متقاعد إلى جو بايدن لتحذيره من إبرام اتفاق نووي جديد مع إيران، قائلين «إن الاندفاع إلى التفاوض مع طهران يعرّض إسرائيل للخطر بشكل مباشر ذلك أن النظام الإيراني يسعى بشكل صريح وعلني إلى تدمير بلدنا»، معتبرين أن «منع إيران من امتلاك القدرة على صنع أسلحة نووية ومواجهة الأنشطة الخبيثة للنظام الإيراني أمر أساسي لمنع حدوث كارثة». وأضاف الموقعون على الرسالة: «أولاً، لا ينبغي أن تكون هناك عودة إلى اتفاق 2015 الأصلي، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، فهذه الصفقة فشلت في القضاء على قدرات إيران المتعلقة بالتخصيب، ومنحتها إمكانية لتقوم بأنشطة نووية غير معلنة، كما فشلت في تفتيش المنشآت العسكرية الإيرانية، وسمحت لإيران بتطوير الصواريخ ذات القدرة النووية الدقيقة ونشرها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، كذلك فشلت في معالجة رعاية النظام للإرهاب». وبحسب الرسالة يجب أن تنص الصفقة الجديدة على ضرورة «تفتيش للمنشآت الإيرانية في أي وقت وفي أي مكان بما في ذلك، المنشآت العسكرية».
وفي غضون ذلك تأتي زيارة مرتقبة لوفد إسرائيلي رفيع المستوى يضم قيادات عسكرية من الأركان والموساد وهيئة الأمن القومي لواشنطن بهدف عرقلة العودة إلى الاتفاق النووي.
فهل تشكل مساعي الرجوع إلى اتفاق فيينا تنفيساً للاحتقان الإقليمي أم أنه سيزيد من تعقيد الأوضاع نتيجة التعنت الإسرائيلي؟ وإلى أي مدى ستنجح واشنطن في كبح جماح العربدة الإسرائيلية المتمادية سيما مع خطورة انزلاق الأوضاع إلى ما لا تُحمد عقباه، وسط مؤشرات متزايدة إلى عزم طهران على تغيير قواعد الاشتباك مع إسرائيل؟
Leave a Reply