الاخطبوط السياسي المخضرم ميشال المر وليس ولده حديث العهد بالسياسة والاعيبها الياس، من كان له الفضل في تسويق اسم العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية إبان الأزمة الحكومية التي انهاها اتفاق الدوحة. تولى ميشال المر الامر متوجهاً الى القاهرة في هدف وحيد هو اقناعها بتبني العماد سليمان لرئاسة الجمهورية اللبنانية والتدخل لدى السعودية التي كانت تفضل وتعمل على ايصال نسيب لحود لسدة الرئاسة، ولدى الادارة الاميركية التي كانت تعتبر العماد سليمان من مخلفات الحقبة السورية وتفضل مرشحاً رئاسياً يدين لها بالولاء الخالص وهو ما كان ينطبق على اي من مرشحي 14 اذار نسيب لحود وبطرس حرب.لم يكن اقناع الادارة الاميركية والسعودية بالامر السهل، ولكن موازين القوى على الارض التي كانت تميل لصالح المعارضة مكنت القاهرة من تقديم عرضها المقتبس من ميشال المر وتسويقه على انه الحل الانجع للازمة اللبنانية بأقل الخسائر الممكنة. وفي الوقت نفسه توفرت في العماد سليمان الصفات الرئاسية التي تطلبها دمشق وتطمئن حاكمها، كذلك بالنسبة الى المقاومة التي امنت جانب قائد الجيش وخبرته لسنوات عدة في الجانبين العسكري في مواجهة اسرائيل والامني الاستخباراتي في مواجهة الداخل بما فيه قوى 14 اذار.بقيت العقدة الاساسية المسيحية وهي عقدة الجنرال عون لانه المستهدف الاول من هذه الخطة التي تمسّ الشريحة المارونية التي يمثلها الجنرال عون بشكل مباشر. وقد انعكس هذا الامر على علاقة النائب المر بالجنرال ما ادى الى القطيعة السياسية ثم عملية اعادة التموضع التي نفذها المر بحرفية وحنكة متناهيتين وصولاً الى الاعلان عن عزمه ترؤس لائحة المتن وخوض الانتخابات النيابية المقبلة في مواجهة حليفه السابق ميشال عون (ترشح المر على لائحة العماد عون في المتن في انتخابات عام 5002 بعد ان استهدفته قوى 14 اذار كونه من مخلفات الحقبة السورية واستطاع ان يحفظ مقعده النيابي بفضل العماد عون). بقي الجنرال عون معارضاً لانتخاب سليمان رئيساً للجمهورية حتى احداث السابع من ايار والانهيار الكبير والسريع لتيار المستقبل في بيروت والحزب التقدمي الاشتراكي في الجبل، وقبل ان تصل اللجنة العربية التي زارت لبنان ومهدت لاجتماعات الدوحة، كان عون لا يزال على رفضه لانتخاب العماد سليمان رئيساً، لا بل اعتبر ان ما قام به حزب الله في 7 ايار عزز من حظوظه بالوصول الى الرئاسة وقلب الوضع السياسي رأساً على عقب. ولكن بطريقة حزب الله الخاصة تم ايصال الفكرة التالية الى نواب التيار: ان ما قام به حزب الله في بيروت والجبل اقصى ما يمكن وللضرورة القصوى وهو غير مستعد لفتح المعركة واطالتها وانتظار نتائج سياسية اضافية تختلف عن تلك التي كان الحزب قد اعلنها والتزم بها لجهة الموافقة على انتخاب العماد سليمان رئيساً مع تشكيل حكومة تحصل فيها المعارضة على الثلث المعطل اضافة الى قانون الانتخابات حسب الاقضية. وحزب الله لن يسير في امر لا يرضى عنه الجنرال عون حتى انتخاب سليمان للرئاسة، ولكن ذلك سيؤدي الى معركة داخل المناطق المسيحية لا يستطيع حزب الله الاقتراب منها، وكان السؤال هل تستطيعون تحمل هكذا مواجهة في الشارع المسيحي؟.بالنتيجة انضوى الجنرال عون تحت لواء الدوحة وعينه على الانتخابات النيابية التي انتزع لها قانوناً يخرج الصوت المسيحي من دائرة التأثير السني في بيروت والشمال ومن دائرة التأثير الشيعي في الجنوب، آملاً وواثقاً من تحقيق الاغلبية في الانتخابات المقبلة. بالمقابل وقف فريق 14 آذار ونصب اعينه الخسارة المقبلة عليه كالقدر المحتوم في الانتخابات النيابية القادمة واخذ يبحث عن طريقة للحد من خسائره إذا أمكن، وإذا تعذّر ذلك فإلحاق الخسارة بالجنرال عون من خلال عدم تمكينه من احراز الاكثرية المسيحية.ميشال المر الرجل الاول في العهد السابق، يخوض آخر معاركه النيابية في حياته السياسية ويسعى لتوريث ابنه الوزير الياس الزعامة المتنية على رأس لائحة نيابية ينتزعها من الجنرال عون في المتن تحت شعار مناصرة رئيس الجمهورية الذي على ما يبدو ليس لديه مانع من تشكيل هذه اللائحة من غير ان يدعمها بشكل صريح ومباشر. ولكن من في لبنان لا يفهم السياسة والاعيبها؟ وهل ستنطلي هذه المسألة على الجمهور المسيحي في جبيل وكسروان وبعبدا والمتن؟ وهل سيأمن رئيس الجمهورية «التوافقي» من نيران الحملات الانتخابية حين تستعر اذا قرر ان يكون طرفاً ولو غير مرئياً.وأخيراً، هل سيخوض المرّ معركته الإنتخابية بوجه الجنرال عون من غير أن تدعمه قوى «14 آذار»؟
Leave a Reply