وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
دخل بنيامين نتنياهو في دائرة الوقت الحرج، وبات قاب قوسين أو أدنى من الفشل.
في الظاهر هذا ما تشي به المعطيات قبل أيام قليلة من انتهاء مهلة تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل، لكن السيناريوهات تبقى مفتوحة حتى اللحظات الأخيرة، والتجارب السابقة خير دليل على ذلك.
بحلول الثلاثاء المقبل، تنتهي المهلة الأولية التي تُمنح عادةً للفائز في انتخابات الكنيست لتشكيل الحكومة، وهي تستمر لمدة 28 يوماً، قابلة للتمديد 14 يوماً كمهلة إضافية، إذا ارتأى الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، ذلك. أما إذا رأى ريفلين تسويفاً أو عجزاً عن التأليف فيمكنه حرمان نتنياهو، من هذه المدة الإضافية ولا قانون يلزم الرئيس بالتمديد أو عدمه، لكن هذه المسألة ستخضع للتجاذبات السياسية، فهو إن امتنع عن تمديد المهلة سيتعرض لضغوط كبيرة من قبل معسكر اليمين، لاسيما وأن نتنياهو ما زال يقوم باتصالاته مع كل الأحزاب ويطرح العروض، ويناور هنا وهناك، ما يمنحه الحجة لنيل مهلة الأسبوعين الإضافيين.
خيارات محدودة
يقول الباحث في الشؤون الإسرائيلية، علي حيدر، إن خيارات نتنياهو باتت محدودة، فهو لديه نظرياً 59 مقعداً، بينهم كتلة حزب «يمينا» المتشدد، كما أن لديه أرضية لاستقطاب القائمة العربية الموحدة التي تمتلك 4 مقاعد، لكن المشكلة تكمن في رفض التيار الصهيوني المتطرف لأية مشاركة عربية، لأن هذا التيار ينظر إلى العرب كتهديد، لا كمواطنين.
وصحيح أن هذا التيار المتشدد يشترك مع كل الإسرائيليين في النظرة الدونية إلى العرب، لكنه أكثر فظاظة وغلاظة في التعبير عن هذا الموقف، فهو يرى أنه إذا سُمح بتشكيل حكومة يمينية بدعم عربي فإن هذا سيعطي هامشاً سياسياً للعرب قد يمنحهم القدرة على التأثير في إنتاج الحكومات مستقبلاً بل وحتى في تحديد سياساتها.
ويوضح حيدر أنه نتيجة الانقسام القائم في إسرائيل، تحول العرب تحت الاحتلال إلى عامل مرجّح في الانتخابات الإسرائيلية، كما عزز اندفاعهم نحو المشاركة بقوة في الانتخابات، لأنهم أصبحوا على قناعة بأنهم قادرون على التأثير في مجريات الحكم.
ومنذ 2019 إلى اليوم كانت هناك أغلبية معارضة لنتنياهو من ضمنها العرب، لكن تلك الأغلبية لم تجرؤ على تشكيل حكومة بالاستناد إلى العرب، وهو ما كان يحول دائماً دون إسقاط نتنياهو، رغم إجراء أربع دورات انتخابية منذ ذلك الحين.
وبينما يواصل نتنياهو مساعيه لتشكيل الحكومة، يلفت حيدر إلى أن التيار الديني يمكن أن يبدل رأيه في اللحظات الأخيرة إزاء مشاركة العرب إذا شعر أن الحكم سيذهب إلى اليسار.
وبحسب الباحث المتخصص بالشؤون الإسرائيلية، يستند نتنياهو إلى 59 مقعداً في الكنيست، ما يعني أنه بحاجة إلى نائبين إضافيين فقط لترؤس الحكومة الجديدة، ولهذا سيكثف اتصالاته في الفترة المتبقية مع الكثير من الأحزاب لتحقيق الأغلبية المطلوبة.
المسألة نظرياً غير صعبة التحقيق، لكن سبق لنتنياهو أن فشل في التأليف بسبب عجزه عن استقطاب مقعد واحد فقط. كما وصل به الأمر إلى تقديم إغراءات غير مسبوقة دون أن ينال مراده، مثل عرضه على منافسه بني غانتس، «التناوب» معه على رئاسة الحكومة، لكن الأخير رفض العرض السخي تحت ضغط حزبه، «أزرق أبيض».
خط نتنياهو الأحمر
يؤكد الباحث حيدر أن كل ما يهم نتنياهو هو أن لا يشكل الآخرون حكومة، فإسرائيل أجرت أربع انتخابات في غضون عامين، وقد تتجه نحو الخامسة، وهي سابقة في تاريخ دولة الاحتلال.
فالذهاب نحو انتخابات خامسة سيكون أمراً مرهقاً وسيتسبب بخسارة فادحة لنتنياهو لأنه في الانتخابات السابقة استند إلى نجاح حملة التطعيم بلقاح «فايزر»، وهذه الورقة استُهلكت، وبعد أشهر قليلة ستفقد قيمتها وتصبح وراءنا.
ويضيف حيدر أن إقامة دورة انتخابية خامسة ستكون –بلا شك– مخاطرة كبيرة لنتنياهو. لكن لدى تخييره بين انتقال رئاسة الحكومة إلى شخص غيره أو الدفع باتجاه انتخابات جديدة، فهو بالطبع سيفضل الخيار الثاني إنقاذاً لمستقبله السياسي.
أسوأ السيناريوهات اليوم بالنسبة إلى نتنياهو، وفقاً لحيدر، هو أن تتشكل حكومة بديلة برئاسة شخص غيره. لذلك فهو سيضع كل ثقله لتأليف الحكومة، ولكن إذا انتهت المهلة القانونية (28 يوماً+14 يوماً) دون تحقيق مبتغاه، فسيفضل الذهاب إلى الانتخابات فيبقى رئيساً للحكومة خلال الفترة الانتقالية.
ويرى محللون أن تمسك نتنياهو برئاسة الحكومة مهما كان الثمن ليس إلا مؤشراً كبيراً على مدى حراجة وضعه القانوني ومدى تورطه في قضايا فساد قد يدان بها هو ومقربون منه.
تعقيدات الأزمة
وعن أسباب تعقيدات الأزمة في إسرائيل، يقول حيدر إن العنوان الأبرز هو رغبة مناوئي نتنياهو بإطاحته عن رئاسة الحكومة، وإن كان هذا السبب جوهرياً لكنه ليس الوحيد بل ثمة أسباب أخرى.
فاليمين الإسرائيلي، لديه 72 مقعداً، من ضمنهم نتنياهو (الليكود) وحلفاؤه التقليديون من حزب «يمينا» 52+7) الذين يشكلون 59 مقعداً، يضاف إليها 7 مقاعد لـ«إسرائيل بيتنا» و6 لـ«أمل جديد» بزعامة جدعون ساعر، ما يعني أن اليمين يستطيع أن يشكل حكومة يمينية مستقرة ذات قاعدة برلمانية واسعة من 72 عضواً، أي أكثر من العدد المطلوب، بـ11 عضواً لكن هناك مشكلة داخل اليمين نفسه، أساسها الخلاف حول شخص نتنياهو نفسه، فجدعون ساعر المنشق عن الليكود بإمكانه أن ينضم إلى كتلة نتنياهو لتشكيل الحكومة بكل سهولة، غير أنه من أشد المعارضين لبقاء نتياهو في الحكم، لأسباب متعددة تتداخل فيها العوامل الشخصية مع العوامل السياسية.
ومن أسباب الأزمة الإسرائيلية أيضاً، وجود انقسام حقيقي داخل المجتمع اليهودي، وأبرز وجوه الانقسام الديني–العلماني، يظهر بوضوح في موقف العلمانيين المتشددين تجاه الحريديم المتدينين لأنهم يعتبرونهم عالة على المجتمع، فقد بلغ عددهم نحو مليون شخص ولديهم 16 عضواً في الكنيست ولا يُجنّدون في الجيش الإسرائيلي وليسوا جزءاً من الدورة الاقتصادية ويمثلون مشكلة كبيرة ويجب أن تُنتزع منهم هذه الامتيازات.
ثمة مشكلة أخرى هي مشكلة حزب أقصى اليسار، «ميريتس». فرغم أنه أقلية، فالأمور تقف أحياناً على عضو أو عضوين لترجيح كفة على أخرى، وبالتالي قد يكون هذا الحزب بيضة القبان أحياناً. وهنا في حال تشكيل حكومة جديدة، من شتات المعارضة، عدا عن رفض استنادها إلى العرب، هناك مشكلة مع «ميريتس» فكيف يمكن لجدعون ساعر اليميني المتطرف أن يجلس إلى طاولة واحدة مع الحزب اليساري المتطرف الذي يصنف في بعض الدوائر اليهودية على أنه حزب خونة وأسوأ من العرب، حيث يقول أحد الحاخامات إن العرب أفضل من «ميريتس» لأنهم علمانيون بالمعنى الليبرالي فالأحكام الشرعية التي ترفضها كل الأديان السماوية هم يبيحونها كالشذوذ الجنسي على سبيل المثال، فيما العرب محافظون.
كذلك، يرى حزب «هناك مستقبل» في الحريديم مشكلة كبيرة تهدد مستقبل إسرائيل.
وفي خطابه أمام مؤتمر هرتزيليا السنوي عام 2017، قال الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، إن مجتمع بلاده يتألف من «أربع قبائل» هم: العلمانيون المتدينون والصهاينة المتدينون والحريديم والعرب. لكن الجديد هو أنه في العقود الأولى كان التيار العلماني هو التيار المركزي في المجتمع والدولة والآخرون هم هوامش في هذا الواقع أما الآن فأصبحت النسب العددية متقاربة بين الأربعة، فعلى سبيل المثال كان العرب داخل الأراضي المحتلة 150 ألفاً، اليوم أصبحوا 1.5 مليون».
أما الحريديم فكانوا يقدرون بعشرات الآلاف وقد أصبحوا اليوم نحو مليون، والطلاب منهم يشكلون نصف عدد الطلاب في المدارس، ما يعني أن إسرائيل مقبلة على تحدٍ خطير جداً.
النظام الانتخابي في إسرائيل يقدم صورة دقيقة عن واقع المجتمع الإسرائيلي: لوائح مغلقة ونسبية، ما يعني أن هذه التركيبة السياسية الموجودة في الكنيست –ولا سيما أن إسرائيل كلها دائرة واحدة– فعلاً تعكس الواقع الإسرائيلي.
ثمة سؤال يطرح نفسه: لماذا هذا الترابط بين الحريديم ونتنياهو؟ يجيب الباحث حيدر بالقول إن السبب هو أنه يقدم لهم كل الامتيازات التي يطلبونها مقابل بقائه في السلطة.
نحن أمام انقسام مجتمعي داخل إسرائيل ينعكس على الواقع السياسي وأبرز وجوهه هو الدين العلماني لكنه يتغذى بانقسامات أخرى: شرقي غربي أشكيناز سافارديم. ولا نغفل الحديث عن الفلسطينيين الذين يشكلون نسبة مهمة من المجتمع الإسرائيلي، وباتوا مؤثرين، وإسحاق رابين شكل سابقاً حكومة بالاستناد إليهم فدفع حياته ثمناً لذلك.
Leave a Reply