زادت أزمة اليمن من الشرخ والانقسام العربي وقسَّمَتْ المقسَّم داخل الجالية العربية الأميركية المقصومة الظهر كونها تنوء من حمل أعباء ومشاكل وتحديات لا تحصى. فالنتائج الوخيمة والعنيفة التي نجمت عن «الربيع العربي» السيئ الذكر، وخاصة اندلاع الحرب السورية، وضعت الكثير من أفراد الجالية فـي مواجهة بعضهم البعض وأشعلت فتيل الخطاب الطائفـي والمذهبي فـي العالم العربي الذي وصلت شظاياه المسمومة إلى داخل عرب أميركا.
واليوم لم يكن ينقصنا إلا الحرب فـي اليمن لكي تحول إخواننا وأخواتنا فـي الجالية اليمنية الكريمة والنّاس، المعروفين بطيبتهم وسجيتهم، بعضهم ضد البعض الآخر. فبالنسبة إلى الأحداث المؤسفة فـي اليمن، مهد الحضارة العربية، لا يمكن كبح جماح العواطف والمواقف نحوها، ولكن ينبغي ان لا تعلو هذه العواطف وترتفع فوق صوت العقل.
اننا نحث إخواننا العرب الأميركيين فـي الجالية اليمنية على إدارة خلافاتهم بطريقة سلمية والامتناع عن التنابز بالألقاب والشتائم عند مناقشة الصراع المحتدم فـي وطنهم الجريح بفعل التدخل الخارجي. فتشويه وتحقير صورة المعارضين يحول الحجج السياسية إلى عداوات شخصية وجروح قد لا تندمل بتقادم الزمن.
فالجالية العربية الأميركية هي أصلاً منقسمة حسب الأقطار والبلدان والطائفـية والولاء السياسي. ولا مفر من أن تضيف الأزمة الجديدة فـي اليمن حتماً خطاً تقسيمياً جديداً أو أكثر فـي الجالية. إنها قضية خلافـية بامتياز ولا يمكن تنظيم الخلاف بالتمني والرجاء، ولكن من خلال وضع نهج مثمر يُهيِّء أرضية مناسبة لتنوع الآراء عبر حوار بناء، وليس عبرالصراخ والزعيق والعراك غير المجدي والفارغ من اي مضمون.
ومن ترف ونِعَم السلام والأمان (النسبي) علينا فـي الولايات المتحدة، أنَّ اليمنيين الأميركيين ليسوا فـي خطر داهم، على عكس إخوانهم فـي اليمن الذين يذوقون مرارة الموت والقصف والقنص والتهجير. اليمنيون الأميركيون لديهم فرصة تاريخية لبدء نقاش وحراك بناء من دون سماع أصوات الأعيرة النارية والقنابل والانفجارات فـي ظهرانيهم. وبالتالي، ينبغي عليهم أن يركزوا على أهدافهم الجماعية والمصالح المشتركة.
فإخلاء المواطنين الأميركيين فـي اليمن ومساعدتهم على العودة إلى الولايات المتحدة وتسريع عملية الهجرة لليمنيين الذين لديهم تأشيرات معلقة إلى ما لا نهاية بسبب التمييز الفاضح من قبل دائرة الهجرة الاميركية، وزيادة المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين فـي اليمن، هي مطالب محقة وعادلة يتوجب على جميع الأميركيين اليمنيين دعمها والنضال من أجلها. ولذلك، ينبغي أن يرتفع أبناء شعبنا اليمني الأميركي فوق خلافاتهم السطحية الهشة ويقوموا بتشكيل جبهة موحدة وراء الأهداف المشتركة التي تعود بالنفع على وطنهم الأم وجاليتهم. فالمغتربون اليمنيون، مثل إخوانهم المغتربين اللبنانيين الذين فرقتهم احداث بلدهم، بمقدورهم التلاقي والاتفاق على القواسم التي تجمعهم من أجل التأثير إيجابياً على الأحداث الملتهبة فـي وطنهم ليساهموا فـي إطفاء نارها لا إضرامها.
وإذا قمنا بدل ذلك بالصراخ فـي وجه بعضنا ووجهنا الإهانات واعتديناعلى بعضنا البعض فمن سيستفـيد من تمرير النقاط على بعضنا ومن المتضرر الوحيد من ذلك فـي وقت نرى العدو المتربص بنا من ورائنا وبحر الاسلاموفوبيا ومعاداة العرب والجهل والانحياز من أمامنا؟
باختصار العداوة والبغضاء بيننا لن تعود بالنفع على اي من الأطراف الذين نؤيدهم فـي الشرق الأوسط.
إذا أوغر اليمنيون الأميركيون صدورهم ضد بعضهم الآخر، فإنهم هم الخاسرون وهم الذين سيعادون الجالية بأكملها ويجعلونها فريسة سهلة للمتربصبن شراً من المتعصبين ضد العرب والمسلمين الذين يراقبوننا وينتظرون أدنى فرصة سانحة لهم مِن أجل وسمنا بالعنف والتطرف. فكل عمل يقوم به كل واحد منا ينعكس على جميع الأميركيين العرب والمسلمين.
التأثير على مجريات السياسة الخارجية الأميركية المتعلقة بالقضايا الاستراتيجية الرئيسة يبدو انه حالياً بعيد المنال وهو أبعد من قدرة جاليتنا فـي الوقت الراهن، ولكن ما يمكننا القيام به هو ان نشكل سابقة وسيرة عطرة وقدوة حسنة على تنظيم الخلافات المدنية والديمقراطية ضمن حدود الدستور الذي يمنحنا حرية التعبير.
اننا نطالب الأخوة اليمنيين بالتعلم من الفوضى غير الخلاقة التي تتكشف فـي مختلف أنحاء الشرق الأوسط اليوم، من العراق إلى سوريا إلى مصر إلى ليبيا. اللبنانيون احتربوا وجزَّروا بعضهم بالبعض الآخر لعقود من دون طائل، وكانت النتيجة بلداً مقسَّماً ومشرذماً ما يزال يلعق جراحه ويداويها حتى اليوم ولكن الشفاء يبدو بعيد المنال. الحروب الأهلية لا تنفع ولا تغني ولا تسمن من جوع وهي غير مجدية بتاتاً.
لقد أعربنا فـي «صدى الوطن»، عن رفضنا لكافة أشكال التدخل الأجنبي فـي اليمن. غير اننا لم نأخذ جانب اي طرف فـي الصراع الداخلي فـي اليمن.
ونحن لم ولن نطعن بأفراد فـي الجالية قد تكون لديهم وجهات نظر مختلفة، وستبقى صفحاتنا مفتوحة للحوار ومرحبة بكل الآراء التي تلبي المبادئ التوجيهية والتوجهات الإعلامية الملتزمة.
Leave a Reply