مريم شهاب
بماذا تجيب إذا سألك أحد أحفادك: شو يعني رمضان؟
المقصود من السؤال هو شهر رمضان الكريم الذي هلّ علينا هذا الأسبوع.
حفيدتي الحبيبة ميّا، التي أصبح عمرها أربعة عشر عاماً، أربكتني عندما اتصلت بي وسألتني هذا السؤال.
إنها تعيش مع أهلها في إحدى ضواحي مدينة أورلاندو بولاية فلوريدا، حيث المدينة الساحرة «ديزني لاند» وغيرها من المراكز السياحية. تلك الأماكن مقفلة هذه الأيام، مثل المدارس، وجميع الأولاد في البيوت، فما الذي ذكّر حفيدتي الغالية ميّا بأن تسألني هذا السؤال وتدخلني في دوامة اللوم؟
ألوم نفسي أم والدتها (ابنتي) أم والدها أم المحيط الذي تعيش فيه؟
أكيد، مثلها أولاد كثر حول العالم، قد لا يدركون «شو يعني رمضان»، ولا يعرفون شيئاً عن كتاب الله، ولا يفرقون بين الحلال والحرام. والسنوات مرّت والأهل لاهثون وراء العمل، ودائرون في دوامة الاستهلاك والشراء، لايتذكرون الدين إلا في المناسبات القليلة جدّاً.
الإنسان يتعلم بالتقليد والاقتداء. جيلنا ببساطة تعلم من أهله وجدوده، ونقل عنهم دروساً كثيرة. ميّا نشأت في منطقة بعيدة عنّي، ولفترة طويلة تخللتها زيارات متباعدة، كان فيها التدليل أكثر من التعليم أو التربية.
تعلمت، وهي صغيرة بعض العادات البسيطة، كأن تقرأ –مثلاً– سورة الفاتحة وبعض السور القصيرة قبل النوم. علمتها أن تشكر الله وتحبّ الخالق دوماً وألا تخاف منه سبحانه وتعالى، فهو موجود دائماً في كل مكان، يسمع الصلاة ويجيب الدعاء مهما كان بسيطاً، ويرانا دوماً ولا نراه.
قلت لها في إحدى المرّات، هذا الكلب الصغير الذي تلعبين معه، إذا أعطيتِه لقمة بيدك، جلس قربك يأكلها مطمئناً. لكن إذا خطفها من أمامك، فسيركض مدبراً ليداري خطأً قام به.
لعلها –الآن– لا تذكر هذه الملاحظات البسيطة، وأنا لا ألومها على ذلك، فهي من جيلٍ آخر، سواء أكانت تعيش هنا في الغرب أو هناك في الشرق البعيد، برأيي لا فرق. جيل نشأ في ثقافة تجبره على تتبع الخطوات الفنيّة الجريئة للفنانات والممثلين وتقليدهم في اللباس والتصرفات، وهذه مصيبة وخسارة فادحة، ودلالة على فراغٍ في النفوس البريئة وتصدع في التربية وتقصير واضح من قبل الآباء والمربين والإعلام الديني والقائمين عليه، المصابين بالإفلاس وقلة الإيمان. هؤلاء الذين تركوا جوهر الدين وركضوا وراء القشور، يختلفون حول المذاهب والطقوس، ولا يتّحدون على عبادة الله وتقواه.
أين مناهج التربية الدينية والأخلاق الإنسانية لتعزّز ثقة الشباب المسلم بنفسه وقدرته على مواجهة التأثير السلبي الخطير لمعظم النماذج التي تعيث فساداً وإفساداً لمفاهيمهم وعقولهم الغضّة؟
ببساطة، أجبت ميّا بالقول إن رمضان، هو شهر فضيل كرّمه الله وأكرمنا بالصيام فيه. هل الله بحاجة لصيامنا؟ سألت ميّا، مضيفة: صديقاتي ومعلماتي لا يصمن! قلت لها: طبعاً، الله جلّ جلاله ليس بحاجة لصيامنا.. نحن بحاجة للصيام. لماذا؟ أعادت ميا السؤال، فأجبتها: لكي نتعلم الصبر على الجوع والعطش ومجاهدة النفس للترفع عن الصغائر والالتفات بحنان وإنسانية إلى المحتاجين.
طال الكلام معها، وتمنيّت لو كانت لديّ القدرة للحديث معها باللغة الإنكليزية، لأشرح لها أكثر وأكثر. تمنيت لو كان عندي كتيّب أو نشرة بلغة سهلة وبسيطة لتقرأها وتحدث رفاقها عن شهر رمضان ومعاني الصوم وفوائده الروحانية والجسدية، ولكن ماذا ينفع التمني؟
أخيراً، قالت ميّا: هل يزعل الله منّا إذا لم نلتزم بصيام شهر رمضان؟ يا ربّي بماذا أجيبها؟
ثم تابعت: هل الله يحبني فعلاّ؟ قلت لها بالتأكيد يا حبيبتي.
مباركٌ شهر رمضان عليكم جميعاً!
Leave a Reply