نبيل هيثم – «صدى الوطن»
مرّ عام واحد على رحيل الملك عبد الله وتولي أخيه الملك سلمان عرش مملكة آل سعود.
تحوّلات كبيرة ادخلها السديري السابع، من أبناء الملك عبد العزيز، على حكم المملكة النفطي، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
وفـي نظام ملكي مطلق، لا شك أن الداخلي يتداخل مع الخارجي، خصوصاً حين تصبح السياسات المحلية والإقليمية والدولية رهناً بإرادة الشخص الواحد، أو العائلة الواحدة، وهو ما تظهره كافة العهود التي مرّت بها مملكة آل سعود، منذ رحيل مؤسسها عبد العزيز، وحتى الملك الحالي.
ولكن الجديد فـي ظل سلمان أن تلك السياسات بات عنوانها العريض «توريث» المُلك، وهو يبدو مرضاً متأصلاً لدى معظم زعماء العرب، سواء تعلّق الأمر بنظام جمهوري أو ملكي، أو بإمارة ومشيخة… حتى أن الزعيم- الآب لا يجد غضاضة فـي تدمير بلد من أجل الزعيم-الابن (ولعلّ تجربة حسني مبارك فـي مصر الدليل الأوضح على ذلك).
وإذا كان التقليد المتبع فـي المملكة السعودية يقضي بانتقال الحكم من ملك إلى ملك بشكل أفقي، أي من أحد أبناء الملك سعود الى أخيه، فقد بدا منذ اللحظة الأولى لوفاة الملك عبدالله، أن الملك الجديد سلمان يسعى الى ضرب هذا التقليد.
التخلص من إرث عبدالله
على هذا الأساس، أتت انقلابات البلاط الملكي منذ الأيام الأولى لتولي سلمان العرش، وهي انقلابات اتخذت مستويات عدّة. المستوى الأول تمثل فـي تبديد ارث الملك الراحل عبدالله، والمقصود هنا أمران، أولهما إسقاط كافة الإجراءات الإصلاحية «المحدودة» التي اتخذها الملك الراحل على المستوى الاجتماعي، وثانيهما إبعاد الأفراد القريبين منه ضمن العائلة المالكة عن كافة دوائر الحكم، وأبرز هؤلاء ابنه متعب.
أما المستوى الثاني، فـيمكن وصفه بأنه «انقلاب سديري»، أطاح من خلاله الملك سلمان بأخيه غير الشقيق الامير مقرن عن منصب ولي العهد، لصالح وليّي عهد ينتميان الى الجناج السديري من أبناء عبد العزيز، وهما محمد بن نايف (ولي العهد) ومحمد بن سلمان (ولي ولي العهد).
عند هذا الحد، بدا أن الملك سلمان قد أعاد ترتيب البيت الداخلي، عبر آلية تسمح بتولي محمد بن نايف المُلك، بعد وفاة الملك السابع، ليصبح حينها محمد بن سلمان ولياً للعهد، ما يؤهله تولي المُلك بعد رحيل ابن عمّه. ويعني ذلك، بشكل أو بآخر، الاحتفاظ بتقليد التوريث الأفقي، بعد انتقال العرش الى الجيل الثاني من أبناء عبد العزيز.
تهميش ابن نايف
اما المستوى الثالث، فهو ما بدأ يهيء له سلمان فعلاً لجهة ترجيح كفة ابنه محمد، على كفة ابن أخيه محمد بن نايف، بما يمهد لتوريث الأول، وبالتالي كسر التقليد الملكي، وتحويل الخلافة من الخط الأفقي الى الخط العمودي، على غرار ما فعل ملك الأردن.
ويدور الحديث، همساً، عن أن الخطوة المستقبلية لسلمان ستكون الاطاحة بولي العهد ووزير الداخلية الحالي محمد بن نايف، رجل أميركا فـي السعودية.
وفـي ما يؤشر الى خيارات الملك سلمان تجاه ابن أخيه، أن كثيرين من المتابعين للشؤون الداخلية فـي المملكة النفطية لاحظوا تهميشاً من قبل الملك لابن أخيه، لمصلحة ابنه.
ويبدو ان الملك السعودي يسعى لتسويق خطته عبر محاولة إقناع افراد العائلة المالكة بأن استقرار النظام السعودي يتطلب الخلافة فـي الملك، وأنه بدلاً من أن يكون نقل السلطة بشكل أفقي يتعين لها أن تنتقل بشكل عمودي، بمعنى أن تنتقل إلى الأبناء، لينتقل بذلك الحكم لوزير الدفاع الحالي محمد بن سلمان.
وبحسب تقرير نشره «معهد الخليج» للدراسات عشية الذكرى الاولى لتولي سلمان عرش السعودية، فإن الأخير يحاول تسويق خطة التوريث، بمئات ملايين الدولارات المخصصة لشراء الولاءات لدى بعض أمراء العائلة المالكة، وبتحذير البعض الآخر من أن تولي نايف قد لا يضمن استمرارية حكم آل سعود، خصوصاً أن محمد بن نايف ليس لديه أبناء ذكور، بل لديه ابنتان فقط -فـيما تتردد شائعات فـي السعودية بأن إدمانه للكوكايين أثر على قدراته الانجابية- فـي حين أن محمد بن سلمان لديه ابنتان وابنان: سلمان ومشهور.
متى ينقلب الملك على وليّ عهده؟
وبرغم أن الحديث عن خطوة سلمان المستقبلية يبلغ مستوى اليقين، إلا أن أحداً لا يستطيع معرفة التوقيت، بمعنى هل سينفذ سلمان الانقلاب الثالث عبر التنازل عن العرش الى ابنه، وهو على قيد الحياة، على غرار تجربة أمير قطر حمد بن خليفة الذي تنازل عن الحكم لابنه تميم، أم أنه سيمهّد الطريق أمام وزير الدفاع لتولي العرش بعد وفاته، على غرار ملك الأردن حسين بن طلال، الذي انتقل المُلك بعد وفاته الى ابنه عبدالله بدلاً من شقيقه.
وبرغم انشغال وسائل الإعلام الغربية بهذا الجانب خلال الفترة الماضية، خصوصاً بعد الكشف عن زيارات قام بها الملك السعودي لإخوته -ومنها زيارات صوّرت ونشرت فـي وسائل إعلام سعودية بشكل مُفتعل- بغرض تسويق خيار التوريث، الا ان المؤشرات على مخططات التوريث لاحت فـي الأفق مع الأسابيع الأولى لتولي سلمان العرش.
وفـي إطار التحضير لمعركة التوريث، لا يمكن تجاهل كل ما بذله الملك سلمان من محاولات -بعضها مدمر- لتعويم ابنه، وفرضه رقماً صعباً عل مسرح السياسة الدولية، فـي مقابل استنزاف محمد بن نايف بالمشاكل الداخلية.
أزمات وحروب باهظة
وعشية السابع والعشرين من آذار (مارس) من العام الماضي، وبعد شهرين فقط على تسلّم سلمان العرش، قرّرت السعوديّة، بدء حربٍ على اليمن، كان مهندسها محمد بن سلمان، بوصفه وزير الدفاع، ناهيك عن دفع الاشتباك الاقليمي الى الذروة سواء فـي سوريا أو العراق.
كانت هذه أولى محاولات الدفع بالأمير الصغير الى الواجهة السياسية… بأي ثمن!
وليس المقصود بالثمن هنا أرواح المدنيين الذين قتلتهم غارات «عاصفة الحزم» ونسختها الثانية «إعادة الأمل»، وانما الثمن الذي يفهمه السعوديون فعلاً:: البترودولار.
لقد موّلت السعودية حروبها، سواء المباشرة أو غير المباشرة، بعشرات مليارات الدولارات، فـي اليمن، وسوريا، وحتى فـي العراق وليبيا، فضلاً عن مساعدات بمليارات الدولارات لمصر والاردن والجزائر والبحرين، لدعم حكومات هذه البلدان، علاوة على شن حرب الاسعار على الدول المنافسة (ايران بالدرجة الأولى).
عجز
هذه التكلفة العالية للسياسة الخارجيّة، إلى جانب الانخفاض فـي عائدات النفط، تجبر السعودية على استخدام 12 إلى 14 مليار دولار شهرياً من صندوقها السيادي، ما سيؤدّي، فـي حال استمرّت اندفاعتها على هذا المنوال، إلى خسارتها احتياطاتها النقديّة فـي غضون ثلاث سنوات.
وبعد تسجيلها عجزاً فـي الموازنة بلغ 98 مليار دولار فـي 2015، وعجزاً متوقّعاً بقيمة 87 ملياراً فـي 2016، اتّخذت السعودية قرارات لخفض الدعم على مواد أساسية واعتماد إصلاحات اقتصاديّة، قد تشكّل الأسس التي تنقل الاقتصاد السعودي نحو تنويع مصادر الدخل، بدلاً من الاعتماد، حصراً، على النفط.
تلى الخطوات تلك، إعلان محمد بن سلمان، فجأةً، نيّة المملكة عرض جزء من شركة «آرامكو» النفطيّة الوطنيّة للاكتتاب العام… فـي ما يعد نذير شؤم بأن المملكة النفطية القوية تتجه خطوة خطوة نحو الافلاس!!
وفـي نظام تشكل فـيه الاموال الاداة الاساسية لشراء الولاءات فـي ظل غياب الانتماء الوطني، يمكن تخيّل الاسوأ فـي ما يتعلق بمستقبل مملكة آل سعود، فـي كل محطة سوداء يضطر معها الحكم، بسبب غباء سياسته الخارجية والنفطية، الى اقتطاع حصص إضافـية من مخصصات الأمراء والمناطق.
رضا أميركا
ومن غير الواضح ما إذا كانت ثمة خطط مواجهة بديلة للجناح المستهدف فـي العائلة المالكة بسياسات «التوريث»، والمقصود هنا محمد بن نايف.
وبرغم محاولات عزله، وإغراقه فـي المشاكل الداخلية، لا سيما قضايا الإرهاب، ومؤخراً قضية المنطقة الشرقية ذات الغالبية الشيعية، وبرغم استبعاده بشكل واضح عن السياسة الخارجية، إلا أن محمد بن نايف لا يزال يملك الورقة الأهم، وهي الدعم الاميركي. ولعل هذا ما يفسر إصرار محمد بن سلمان على تقديم فروض الطاعة للولايات المتحدة، وبشكل مبتذل، عند كل مناسبة، أملاً فـي سحب البساط من تحت أقدام ابن عمه.
ومن ناحية ثانية، فان محمد بن نايف ربما يمتلك أوراقاً داخلية لا تقل أهمية عن الورقة الأميركية، والمتمثلة فـي قدرته على حشد معسكر لا يستهان به فـي العائلة المالكة ضد مخططات التوريث، بما فـي ذلك عمه مقرن وابن عمه متعب بن عبدالله.
تحالف متعب وابن نايف
فـي أحدث تغريداته، يقول المغرّد الشهير «مجتهد»، إنَّ هناك اتفاقاً بين ولي العهد محمد بن نايف ووزير الحرس الوطني السعودي متعب بن عبد الله، تعهّد الطرفان فـيه بأن يحمي أحدهما الآخر إذا تجرأ محمد بن سلمان على إقصاء أيّ منهما، وذلك بعدما وصلا إلى قناعة أنّه ينوي ذلك فعلاً.
يضيف «مجتهد» أنَّ ابن نايف كان قد راهن على حماية الولايات المتحدة له، إلَّا أنَّه بدأ يشعر بأن الأميركيين، إلى جانب بقيّة الدول الغربيّة، بدأوا بالتعامل مع نائبه محمد بن سلمان «بصفته المسؤول الأوّل كأمر واقع».
وإذا صحت هذه المعلومات، فإن محاولة توريث الحكم من قبل سلمان لابنه ستجر صراعاً خطيرا على الحكم من قبل الجيل الثاني من ابناء الملك عبد العزيز، وربما الجيل الثالث، بما يؤدي الى تزعزع السلطة القوية المركزية لنظام آل سعود، ويذهب بالدولة السعودية الثالثة الى ما ذهبت اليه سابقاتها الاولى والثانية: الانهيار.. والاندثار!
Leave a Reply