وليد مرمر
ماوراء تسليم أسانج .. وعبث ماكرون:
لم يكن ترك جوليان أسانج للمرحاض دون تنظيف بعد استعماله، أو تنقله على دراجة الـ«سكوتر» داخل أروقة السفارة الإكوادورية هما السببان الحقيقيان اللذان دعيا السفير الإكوادوري لمرافقة ضباط الـ«سكوتلنديارد» لداخل السفارة حيث يمكث أسانج في غرفة متواضعة سويت خصيصاً له.
لم يتعاون أسانج مع البوليس وهو يعلم أن ممانعته لن تفيده ولكنه كان موقفاً سجله للتاريخ، وهو أنه أخرج رغماً عنه من السفارة! طويل اللحية أبيضها، قد أثقلت عاتقه سنون، سبع قضاها في سجنه اللندني. ربما لم يكن اختيار أسانج للإكوادور كملاذ لطلب اللجوء عبثاً. فهي بلد في غاية الصغر في أميركا الجنوبية، تكاد تكون الوحيدة التي نجت من فضائح «ويكيليكس»، ولكن إلى حين.
كنتُ قد سألت أحد منظمي الاعتصام أمام محكمة «وستمنيستر» لدى مثول أسانج فيها عن سبب عدم توجه القرصان الأسترالي إلى روسيا لطلب اللجوء، مثل إدوارد سنودن، فأجابني بلكنة لاتينية أميركية ربما توحي بانتمائه لبقايا اليسار العالمي بأنه قد حاول، ولكن الروس خذلوه لامتعاضهم من وثائق «ويكيليكس» التي لم توفرهم، أو بالأحرى لم توفر أحداً، باستثناء دول هامشية مثل الإكوادور.
ولكن من أين لأسانج أن يعلم بأن حكم اليسار الذي بلغ ذروته مع سلفه رفائيل موريا، في الإكوادور سينتهي عندما انقلب لينين مورينو، وهو إسم على غير مسمى،، عندما انقلب على برنامجه الانتخابي وأطاح بكل منجزات سلفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، رغم أنه كان قد استلم الحكم على أكتاف اليسار، وها هو قد ألقى الإكوادور في أحضان النيوليبرالية الرأسمالية وأعاد البلد إلى فلك الامبراطورية الأميركية، ووصلت طلائع المارينز إلى قاعدة «مانتا» بعد أن كانوا قد طردوا منها؟
ربما هذا كان السبب الذي دعا مؤسس «ويكيليكس» إلى الإيحاء لمساعديه بكشف فضائح مورينو السياسية عبر نشره وثائق تكشف عن تورطه في فضائح فساد بما عرف بأوراق الـINA والتي أدت بوزراء في حكومة لينين لاتهامه بالتآمر للإطاحة بالحكومة. ربما كانت هذه القشة هي التي قسمت ظهر البعير.
وقد يقول قائل بأن نشر «ويكيليكس» وثائقا عن فضائح الفاتيكان، سيما الاعتداءات الجنسية على الأطفال، كانت القاضية بالنسبة لأسانج، ذلك أنه قد لامس «التابو» في بلد كالإكوادور يدور في إطار الكثلكة اللاتينية المتجذزة فيه.
في تلك الأثناء، وعلى بعد كيلومترات قليلة من الفاتيكان في قصر «كيجي» في روما، أخذ رئيس الوزراء الإيطالي يقلب كفيه وهو يتناقش مع موظفيه المقربين عن الإخفاقات في ردع الجنرال حفتر من التقدم نحو الشمال وتهديد حكومة فايز السراج التي تحظى بدعم المجتمع الدولي، وذلك قبل أيام قلائل من انطلاق مؤتمر الملتقى الوطني الجامع بمدينة غدامس الليبية برعاية الأمم المتحدة.
إنها الكعكة الليبية الغنية بعشرات حقول النفط والغاز والتي يتناطح من أجلها العالم.
لم تخف فرنسا وروسيا والإمارات ومصر والسعودية دعمهن لحفتر مع سلفييه، سيما وأنه قد حد من نفوذ الإخوان إلى حد كبير.
إنها أحصنة طروادة التي تبقيها تلك الرجعيات العربية ومايسمى بالديمقراطيات الغربية في جعبتها للقضاء على أي نسائم تبشر بربيع عربي حقيقي…
وفي شرق وغرب ليبيا سواء كان العالم يشهد الإصدار 2.0 من «الربيع العربي» بنسخته السودانية والجزائرية. وحتى الآن يحاول العسكر في البلدين احتواء الحراك الشعبي كما حصل في مصر، وحتى الآن يبدو أن الشعبين السوداني والجزائري سيكونان عصيين ولن يتنازلا بسهولة عن «مكتسبات الثورة».
لقد ذكرت وسائل إعلام فرنسية منذ أسابيع قليلة عن مقربين من الرئيس إيمانويل ماكرون ظاهرة ملفتة للنظر مفادها أن الموضوع الذي دائماً ما يؤرقه، وهو يدير شؤون فرنسا من قصر «الإليزيه»، ليس تداعيات حركة السترات الصفراء ولا انعكاسات البريكسيت ولا إمكانية اندلاع حرب دولية ضد إيران، بل الكابوس الذي يشغل اهتمامه هو تطورات الأزمة الجزائرية في حال تعثرت جهود فريق الرئيس بوتفليقة في عملية «بيع سلمي» للعهدة الخامسة. أما الآن وقد أطيح ببوتفليقة، فقد هرع الغرب وفي مقدمته فرنسا لمحاولة إجهاض مكاسب المتظاهرين عبر دعم العسكر وتحريك القبائل والأقليات لإيجاد قوى أمر واقع مثل ليبيا. لكن شيئاً طارئاً شتت ذهن ماكرون عن مواصلة العبث بأفريقيا الغنية بالثروات، ولو لوقت قصير، وهو حريق نوتردام المفاجىء، وهو حادث لا شك قد أحزن العالم بحيث أنه قد تم التبرع بما يقارب من 700 مليون يورو في اليومين التاليين للحريق وذلك للمساهمة في إعادة إعمار الكنيسة/المتحف. وهنا نتساءل: أين كان العالم الحر من تخريب وسرقة آثار العراق وسوريا؟ وأين كان أصحاب الضمائر الحية عندما تم تدمير الكنائس والمساجد الأثرية في كلا البلدين إضافة إلى التدمير الممنهج المستمر لتاريخ اليمن؟ لماذا لم يشجب المجتمع الدولي حرق داعش لمكتبات الموصل التاريخية وتدميرهم لتدمر وحلب؟ أين كان المتباكون حينما تم السطو على أهم متحف في العالم قاطبة وهو المتحف العراقي؟
إنه عصر الظلام العربي بكل ما للكلمة من معنى حيث يتم نهب وتدمير تاريخنا وحضارتنا فيما يعمد البعض إلى شراء لوحة بمبلغ خيالي حطم كل الأرقام القياسية في عالم المزادات مقارباً النصف مليار دولار، ثم يتبين لاحقاً بأن اللوحة مزورة وليست من أعمال «دافينشي»، بل مساعده «برناردينو لويني»! ثم لا يتكلف هذا البعض مشقة الاتصال بدار «كريستيز» للمزادات، للاستفسار، فالأمر لا يستحق عناء المراجعة إذ ليس المبلغ إلا 450 مليون دولار!
Leave a Reply