ماكين يؤمن بـ«الرسالة» ولا يثق بـ«الرسول»
وأوباما في قفص التعهدات أمام «آيباك»
لا يخفي الرئيس الاميركي المغادر جورج دبليو بوش المواصفات التي يرغبها في خليفته الجمهوري المأمول جون ماكين. هذه المواصفات التي عددها في حفل جمع التبرعات في مدينة ليفونيا يوم الاربعاء الماضي، لصالح المرشح الجمهوري، والتي كانت حصيلتها ثلاثة ارباع المليون دولار، تجعل من ماكين اذا فاز في نوفمبر القادم نسخة غير منقحة عن الرئيس الحالي.
«نريد رئيساً ذا خبرة وارادة في محاربة الارهاب خارج الولايات المتحدة كي لا نضطر الى محاربته في عقر دارنا»، قال الرئيس بوش، واعتبر ان ماكين هو الوحيد الذي بمقدوره متابعة الحروب التي تخوضها اميركا على اكثر من جبهة. كاد الرئيس ان يعلن: نريد رئيساً محارباً.
وماكين المخضرم، ذو الخبرة وأسير الحرب السابق، المحارب القديم في فيتنام هو الابن الشرعي للمؤسسة الجمهورية المحافظة وان وقف في وسطها او على يسارها احياناً، هو ما تعول عليه البقية الباقية من «عصابة المحافظين الجدد» لاكمال المسيرة التي بداها جورج دبليو والتي تستلهم عنفوانها من «الريغانية» التي ارست اسس سياسات التحدي واثبات جبروت القوة الاميركية منذ ان خاض «ايقونة» الجمهوريين رونالد ريغان نهايات الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي القديم، ببرامج تسلح بلغت حدود الاساطير والخيال العلمي مع برنامج «حرب النجوم» الذي انهاه السقوط المريع للامبراطورية السوفياتية في نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي.
واذا كان المرشح الجمهوري ماكين يحاول النأي بنفسه عن البيئة الاعلامية للرئيس بوش لاسباب تكتيكية تتصل بدرجة التدهور المريع لشعبية هذا الرئيس الذي اتقن اطلاق الحروب والحملات العسكرية ولكنه اخفق في ادارتها، غير ان ماكين مؤمن «بالرسالة» ولكنه لا يثق «بالرسول» الذي لعب دوره الرئيس الحالي وكان اداؤه بائساً ووضع اميركا في وضع لا يحسدها عليه صديق من الاصدقاء القلة الذين صمدوا الى جانبها وبلعوا مرّ الاخطاء التي ارتكبتها ادارتها الجمهورية على مدى الولايتين الرئاستين اللتين ستدخلان التاريخ الاميركي بوصفهما من اسوأ الولايات الرئاسية التي يمكن للذاكرة الاميركية ان تحفظهما.
فهذا الرئيس الذي جاء الى مدينة ليفونيا بالامس «ليبشرنا» بخليفته المحتمل تحت عناوين باتت مدعاة لسخرية الاميركيين قبل خوفهم، حقق رقماً قياسياً في تاريخ تدني مستويات الشعبية، ومشكلته مع الاميركيين انفسهم اكبر واعظم من مشاكله مع باقي الشعوب ومنها الشعوب العربية. فالاميركيون بدأوا يعدون لهذا الرئيس العد التنازلي لارتباط ادارته وادائها بمشاكلهم الاقتصادية والمعيشية وتدني مستوى معائشهم بصورة دراماتيكية خلال الفترة الرئاسية الثانية، وهذا ما يخشاه المرشح ماكين حين يحرص على النأي بنفسه عن الظهور الاعلامي او العلني الى جانب رئيس باتت صورته رديفة لمشاكل البطالة وازمة الرهن العقاري غير المسبوقة في التاريخ الاميركي الحديث، فضلاً عن ازمة الطاقة والارتفاع المضطرد لاسعارها بما يهدد رفاه ومستقبل جيل من الاميركيين بأكمله.
هذه الصورة البائسة دفعت احد المحللين الاميركيين الى تأليف كتاب بعنوان «القاسي وغير المألوف»، حيث يقول المؤلف مارك ميللر «ان عدد الجرائم التي ارتكبتها ادارة بوش كبير جداً لدرجة صعوبة حصرها او التدقيق فيها وبالتالي صعوبة معاقبتها على ما ارتكبته منها» ويذهب المؤلف الى «ان رصد العثرات التي وقعت فيها ادارة بوش واوقعت معها الشعب الاميركي لم يعدمهما بقدر ما بات مهما الاقتناع بأننا محرومون من حقوقنا وتراثنا وان تراثنا الوطني قد دُنس وان ديموقراطيتنا باتت في خطر..».
لا يقتصر هذا الانتقاد على كتاب ومحللين او على معارضي الادارة من الديموقراطيين والليبراليين، لكنه شمل في السنوات القليلة الماضية اكثر من مسؤول بارز في الادارة الجمهورية ممن اختاروا القفز من سفينة الادارة الغارقة على امل الوصول الى شاطئ نجاه سياسي يحفظ لهم ماء وجوههم على صفحات التاريخ الاميركي.
ولعل ما قاله الناطق السابق باسم البيت الابيض سكوت ماكليلان يقدم نموذجاً عن استهتار الادارة الجمهورية بكل القيم الديموقراطية التي اسست عليها اميركا. عندما اكد ان البيت الابيض كان يعلم ان حرب العراق ستكون كارثة استراتيجية ولكنه سلك طريق «الابتعاد عن الجرأة والامانة».
ثمة في تاريخ الادارات الاميركية المتعاقبة سقطات وفضائح سواء كانت جمهورية او ديموقراطية، واذا حاول الاميركيون المقارنة بين ما فعله ريتشارد نيكسون، على سبيل المثال، في محاولته التستر على فضيحة «ووترغيت» او ما فعله بيل كلينتون عندما تستر على تفاصيل فضيحة «مونيكا غيت» فانهم سيكتشفون ان نيكسون وكلينتون هما «ملاكان» بالمقارنة مع بوش الابن، هذا فضلاً عن الفارق الشاسع في القدرات الذهنية التي تمتع بها الرئيسان السابقان مقارنة مع درجة «الذكاء» المتدنية لدى الرئيس بوش.
ان السنوات الثمانية التي سينهيها الرئيس بوش في البيت الابيض في مطلع العام المقبل اقنعت قسماً لا يستهان به من الاميركيين وباقي شعوب العالم بأن سياسة ادارته تجاه الشرق الاوسط ومناطق اخرى في العالم كانت مليئة بالاخطاء وجلبت الكثير من الاخطار على المصالح الاميركية وعلى الامن العالمي.
لكن في المقابل هل يمكن القول ان ادارة باراك اوباما اذا ما نجح في الوصول الى البيت الابيض سوف تكون افضل في ظل الازمات الدولية القائمة؟
الخطاب الذي القاه اوباما امام مؤتمر «ايباك» اليهودية لا يبشر بالخير بالنسبة للقضايا العربية. فبين اركان حملته الانتخابية معادون للقضايا العربية وما شهدته مدينة ديترويت قبل نحو اسبوعين يبعث باشارات مقلقة عن نوعية السلوك الذي قد تسلكه ادارة اوباما الديموقراطية، فعندما يطلب اعضاء من حملته من فتاتين محجبتين الابتعاد عن خلفية الصورة على مسرح جولويس في ديترويت لكي لا يظهر معهما اوباما في صورة واحدة فتلك «عينة» من نمط التفكير الذي سيتحكم بإدارته الديموقراطية اذا قدر له الفوز في نوفمبر القادم.
وهنالك من يرى بأن اوباما ليس «بطل التغيير» بل نتاجه، وان هذا التغيير بدأت خيوطه تلوّن النسيج السياسي الاميركي التقليدي منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي مع القس جيسي جاكسون. الذي ترشح للانتخابات الرئاسية ودعا في ادبياته السياسية الى بناء تحالف «قوس قزح» بين الليبراليين ونواتهم اليهودية اساساً والشرائح العرقية المهمشة مثل الافارقة واللاتينيين والآسيويين. ولقد شهدت الساحة السياسية الاميركية منذ ذلك الحين انتقال قسم من السياسيين السود من هامش السياسة الى قلبها النابض مع كولن باول وكوندوليزا رايس وغيرهم.
لكن الفارق الاساسي بين هؤلاء وبين اوباما هو انهم استدعوا الى مناصبهم بقرارات من اصحاب السلطة التقليديين ذوي الاصول الاوروبية «النقية». بينما جاء صعوداً اوباما نتيجة عصامية شخصية وطموح ومثابرة ولكنه يطمح ايضاً الى احداث مساهمة بارزة في نقل المجتمع الاميركي من عهود التمييز والاقصاء الى عصر التفاعل والاندماج.
لكن السؤال يبقى ماثلاً بالحاح: هل يستطيع اوباما تحقيق ما عجز عنه اسلافه من دعاة التغيير؟
ضمن كلمته امام «ايباك» دعا اوباما الى توثيق الشراكة بين الافارقة الاميركيين وبين منظمات اللوبي اليهودي الاميركي «للوقوف الى جانب اسرائيل وهي تكتب الفصل القادم في رحلتها الاستثنائية».
ماذا تعني «الرحلة الاستثنائية» «لاسرائيل غير الامعان في انهاء ما تبقى من القضية الفلسطينية وزعزعة وتدمير المزيد من المجتمعات العربية؟ وماذا يملك العرب بأوضاعهم الراهنة على ما هي عليه من وهن وتفتت سوى الصراخ في برية الكيل بمكيالين فيما يمضي اعداء مصالحهم ووجودهم في رحلتهم المعتادة» على طريق ضعضتهم واضعافهم تمهيداً لجولة اخيرة من اخضاعهم وجعلهم «الهنود الحمر» الجدد في مثلث الاقوياء في «الشرق الاوسط الجديد» او الكبير: تركيا واسرائيل .. وايران اذا نجت الاخيرة من مصيدة التخصيب النووي وتخلى احمدي نجاد عن السياسات المبنية على رؤى مهدوية.
Leave a Reply