منذ انطلاقته الرسمية عام 1995، شكّل «المهرجان العربي الأميركي» في ديربورن مناسبة ثقافية واجتماعية جامعة لمختلف أطياف الجالية العربية إلى جانب جذب مئات آلاف الزائرين والمتسوقين إلى عاصمة العرب الأميركيين.
لكن المهرجان الذي استمر لـ17 عاماً وأكسب المدينة طابعاً ثقافياً خاصاً وساهم في إنعاش مناطق كانت شبه مقفرة مثل شارع وورن أفنيو الذي حوله المهاجرون العرب على مر السنين إلى منطقة تجارية مزدهرة، انتهى به الأمر إلى الزوال، تحت وطأة سوء الإدارة واستهداف الجماعات المسيحية المتطرفة له، تحت شعار مكافحة «حكم الشريعة الإسلامية»!.
في 2013، قررت «غرفة التجارة الأميركية العربية» –التي كانت حينها المنظم الرئيسي للمناسبة– إلغاء الدورة الـ18 من المهرجان، بعد أن تكبدت بلدية ديربورن خسائر مادية ومعنوية على خلفية خسارتها لدعوى قضائية رفعها مبشرون مسيحيون تعرضوا للطرد من المهرجان عام 2010، واتهموا سلطات المدينة بانتهاك التعديل الأول في الدستور الأميركي، بمنعهم من ممارسة حق التعبير.
سؤال ملحّ
رغم أفول نجم «المهرجان العربي الأميركي» في ديربورن، والذي كان يعد الأضخم من نوعه في الولايات المتحدة، نجحت الجاليات العربية في أنحاء متفرقة من البلاد بإطلاق مهرجانات متنوعة فرضت نفسها سريعاً على برامج المناسبات الفنية والثقافية، سواء في الكليات والجامعات ودور العبادة أو المهرجانات التجارية والتراثية التي تقام في المدن والولايات ذات الكثافة العربية.
على سبيل المثال، قصد «مهرجان عرب تكساس» ما ينوف عن 10 آلاف شخص، في عطلة نهاية الأسبوع قبل الماضي.
وأمام النجاحات التي تحققها المهرجانات العربية في عموم الولايات المتحدة، من شيكاغو إلى نيويورك إلى كاليفورنيا وتكساس، تعود إلى الأذهان التساؤلات حول استمرار غياب المهرجان العربي لخمس سنوات متتالية، علماً أن بيان إلغاء النسخة ١٨ من مهرجان ديربورن، تضمن تعهداً من «غرفة التجارة الأميركية العربية» بإعادة إحيائه، في السنة المقبلة.
لكن الوعد لم يتحقق، والأسئلة ازدادت إلحاحاً حول الأسباب الحقيقية لغياب المهرجان الأكبر من نوعه في أميركا، والذي استقطب في ذروة نجاحه ما يزيد عن 300 ألف زائر، بحسب المنظمين.
محادثات جارية
«صدى الوطن» تحدثت مع المعنيين الرئيسيين عن أسباب غياب المهرجان وعن إمكانية عودته، لاسيما وأنه شكل رافداً سنوياً لتدعيم الأعمال التجارية العربية في شرق ديربورن حتى خلال السنوات الأكثر صعوبة من الناحية الاقتصادية.
بداية توجهنا بالسؤال، إلى المديرة التنفيذية لـ«غرفة التجارة الأميركية العربية» فاي بيضون، التي أفادت بأن «الغرفة تجري حالياً محادثات مع أصحاب المصلحة الرئيسيين حول إعادة المهرجان العربي الأميركي بديربورن»، لافتة إلى أنهم يتباحثون حول أفضل الصيغ التي يمكن أن تساهم في منع «المتظاهرين المتطرفين» من استغلال الفعالية السنوية. وأضافت: «إننا نفهم أهمية المناسبة وما الذي تعنيه بالنسبة للمجتمع، ولكن لدينا أيضاً مسؤولية حماية الزائرين وتوفير بيئة آمنة لهم».
وذكرت بيضون بالحادثة المثيرة للجدل في نسخة 2010 حين تم إلقاء القبض على بعض المبشرين المسيحيين –الذين كانوا يعترضون المتسوقين ويستفزونهم، ثم يقومون بتسجيل ردود أفعالهم– والذين وجهت إليهم لاحقاً تهم بتعكير السلامة العامة، ثم برئوا منها في وقت لاحق.
ومنذ تلك الحادثة، واجه المهرجان العديد من المصاعب المماثلة في السنوات التالية، قبل أن تتخذ الغرفة قراراً بتعليقه في 2013، وذلك على خلفية الدعاوى القضائية التي ضاعفت تكاليف التأمين لتصل إلى حدود 55 ألف دولار. تقول بيضون: «مالياً، لم يعد بإمكان المهرجان أن يستمر».
تغيّرات
مؤسس «النادي اللبناني الأميركي»، رجل الأعمال علي جواد، أكد من ناحيته على أن المهرجان لم يكن مجرد مناسبة للاحتفاء بالثقافة والتراث العربيين، وإنما كان أيضاً وسيلة للمدينة لجذب المتسوقين إلى شارع وورن، حيث افتتح المهاجرون العرب الكثير من المحلات والمطاعم والأعمال التجارية.
أضاف: «لهذا السبب قامت البلدية –بمساعدة «لجنة كوريدور وورن التجاري»– بدعم المهرجان لتشجيع الأعمال والشركات الأخرى على طول الشارع»، لافتاً إلى أن الفعالية كانت تستقطب أكثر من 200 ألف زائر سنوياً من مختلف أنحاء البلاد، وأن العديدين منهم كانوا يقيمون في فنادق المدينة.
وكان «النادي اللبناني» قد اشترك مع «أكسس» في تنظيم أولى دورات المهرجان عام 1995، حيث استقطب أعداداً كبيرة من الناس الذين تهافتوا لحضور حفلة المطرب اللبناني وليد توفيق. وأكد جواد: «كانت الفكرة هي ترويج ثقافتنا بالطريقة الصحيحة، ولكن بعد هجمات الـ11 من أيلول (سبتمبر) 2001، تغيرت الصورة، ولم يعد التجار ورجال الأعمال يرغبون بالمشاركة».
وبسبب انتشار المؤسسات والمراكز الإسلامية على طول شارع وورن، خلال السنوات الأخيرة، اقترح جواد إقامة المهرجان –في حال اتخاذ القرار بإعادة إحيائه– في مكان آخر، ربما خارج ديربورن، مدينة ديترويت، أو على جزيرة «بل آيل» مثلاً.
دور البلدية
إعادة المهرجان إلى الحياة، لا تقتصر على جهود المنظمات والشركات الراعية، وإنما تتطلب جهوداً خاصة من البلدية، بحسب المدير التنفيذي لمركز «أكسس» حسن جابر، الذي أشار إلى أن رئيس بلدية ديربورن جاك أورايلي «متلهف للغاية» لعودة تلك الفعالية، لافتاً إلى أن «البلدية تعمل اليوم على خطة إنمائية لتطوير شارع وورن أفنيو، وأن رئيس البلدية أجرى محادثات مع العديد من رؤوساء الأقسام حول لعب دور في إقامة فعالية ناجحة»، مع التركيز على ضمان عدم تكرار «الأخطاء» نفسها مرة أخرى.
وشدد: «علينا التفكير في كيفية ضمان تحقيق السيطرة الكاملة على الحدث، وكيف يمكننا منع الجماعات المتطرفة من تحويله إلى سيرك أو منصة لأعمالهم».
ويرى جابر في إقامة المهرجان مناسبة «للاحتفاء بالمجتمع والتراث والثقافة»، فضلاً عن أن معظم أصحاب الأعمال العربية يجدون فيه دعامة أساسية لازدهار أعمالهم. وقال: «لقد كان فرصة لأبناء المجتمع لكي يفخروا بأنفسهم وجذورهم»،
ولكن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تبدلت أولويات المنظمات المحلية مثل «أكسس»، وفقاً لجابر، مؤكداً «كانت هنالك حملة لا هوادة فيها ضد المجتمع ومؤسساتنا.. وضد المهرجان الذي أصبح هدفاً لجماعات الكراهية».
وتابع: «في نهاية المطاف، فضّلنا في «أكسس» التركيز على الخدمة الاجتماعية وتكثيف الجهود في مجال الحقوق المدنية، واصبحت غرفة التجارة هي المنظم الرئيسي للمهرجان حتى اتخاذها قرار إلغائه عام 2013».
أولويات مختلفة
اسماعيل أحمد، أحد مؤسسي «أكسس» وكبير المستشارين في «جامعة ميشيغن–ديربورن»، تساءل «إن كان مجدياً إقامة المهرجان على شارع وورن في ديربورن في ظل الكثير من المصاعب اللوجستية؟»، مشيراً إلى أن جذور المهرجان تعود إلى منتصف ستينات القرن الماضي، حيث أقيمت أول نسخة في منطقة الـ«ساوث أند»، إذ كانت تتركز الجالية العربية في الطرف الجنوبي من ديربورن.
وفي حديث مع «صدى الوطن»، أكد أحمد أن فكرة المهرجان بصيغته الأخيرة كانت وليدة نقاش بين «أكسس» و«مجلس مجتمع ساوث إيست ديربورن»، في وقت كانت المدينة تضم مجموعات كبيرة من الإيطاليين واللاتينيين والأوروبيين الشرقيين خلال تسعينات القرن الماضي، وقد اجتذب المهرجان وقتذاك أكثر من 20 ألف زائر، خلال عطلة نهاية الأسبوع.
ومع نمو المهرجان، غدا «تعاوناً مجتمعياً» يضم «المركز الإسلامي في أميركا» ومؤسسات أخرى. وفي مرحلة ما –يؤكد أحمد– أن الجماعات المسيحية في الولايات الجنوبية كانت تقود مئات المتطوعين للمساعدة في المهرجان، ولكن عندما أصبحت الجماعات المسيحية تستهدف المهرجان باستمرار، أضحت البلدية «غير مرتاحة»، لاسيما وأن الأمر وصل في بعض الأحيان إلى المحاكم الفدرالية.
وأضاف: «وفي نفس الوقت، فإن العديد من المؤسسات المجتمعية مثل «أكسس» و«النادي اللبناني الأميركي» أصبحت لديها أولويات أخرى، مثل تقديم المنح الدراسية وتوفير الخدمات الاجتماعية، والتصدي لخطاب العنصرية والهجمات التي تشنها إدارة ترامب».
وقال: «كلتا المؤسستين باتتا تنشطن في الأعمال التي تقوم بها ولم تعد لديهما الطاقة للعمل من أجل المهرجان».
فقد حول «أكسس» جهوده إلى دعم «مهرجان الألوان» بديترويت (كونسرت أوف كولورز)، وهو مهرجان يشجع على التنوع ويستقطب حوالي 30 ألف زائر خلال أيام عطلة نهاية الأسبوع.
وفي ديربورن، تكتفي «أكسس» بالمشاركة بخيمة في مهرجان «ديربورن هومكامينغ» السنوي، حيث تبث الموسيقى والأغاني العربية، وتقدم المأكولات الشرق أوسطية. كذلك يدعم «المجلس العربي الأميركي والكلداني» (أي سي سي) مهرجاناً سنوياً باسم «المهرجان العربي والكلداني» في ساحة «هارت بلازا» وسط ديترويت، إلا أن الجميع تقريباً يقرون بأن تلك الفعاليات لا يمكن أن تشكل بديلاً لـ«المهرجان العربي الأميركي».
Leave a Reply