بيروت – كمال ذبيان
الحوار فـي لبنان، كان دائماً مطروحاً كعنوان وهو الأساس فـي القاموس السياسي اللبناني، الذي فـيه أيضاً عبارات كالعيش المشترك، والصيغة الفريدة، والميثاق الوطني، والديمقراطية التوافقية، ولبنان واحد لا لبنانان، ولا غالب أو مغلوب، والتسوية إلخ…
لقاء يجمع نصرالله وعون وبري (أرشيف) |
فمع كل أزمة تقع، كانت لا تغيب الدعوة للحوار سواء من أطراف داخليين أو خارجيين، وهذا ما حصل مع إندلاع الحرب الأهلية فـي لبنان عام 1975، فتشكّلت هيئة الحوار الوطني التي ترأسها رئيس الحكومة آنذاك رشيد كرامي وضمّت كل أطراف الصراع الداخلي، إلا أن التداخل العربي والإقليمي والدولي فـي الأزمة اللبنانية، اخرج الحوار من لبنانيته، ليضعه تحت رعاية مصالح الأمم التي أشعلت الحرب الأهلية، فكان يتأخر ويتعثر، وتُفرض عليه شروط، إلى أن نضجت طبخة التسوية الخارجية، ليقوم حوار بين النواب اللبنانيين فـي الطائف بالمملكة العربية السعودية جرى التمهيد له لسنوات من خلال أوراق سياسية قُدّمت من مختلف القوى الداخلية، كان منها ما جرى فـي «الإتفاق الثلاثي» الذي كان نتيجة حوار بين ثلاث قوى تمثّل الميليشيات على الأرض وهي: حركة «أمل» برئاسة نبيه برّي والحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط و«القوات اللبنانية» برئاسة إيلي حبيقة، وقد رعت سوريا هذا الحوار الذي أوصل الى الإتفاق الذي نسفته قوى داخلية كالقوات اللبنانية والرئيس امين الجميل بالتنسيق مع دول خارجية لاسيما أميركا والسعودية و«إسرائيل»، التي كانت تريد الساحة اللبنانية أن تبقى مشتعلة لتمرير معارك أخرى فـي المنطقة كان منها الحرب العراقية – الإيرانية، والحرب فـي أفغانستان ضد النظام الشيوعي، ومنع المقاومة فـي لبنان ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ففـي كل تاريخ الأزمات والصراعات والحروب، لم ينقطع الحوار بين اللبنانيين، بالرغم من المجازر التي وقعت بينهم وعمليات الخطف على الهوية والتهجير وتعبئة النفوس بالأحقاد الطائفـية، إلا أن ممراً للحوار كان دائماً مفتوحاً، وكان يستخدم أحياناً للإفراج عن مخطوف أو لعبور مواد غذائية أو نقل جرحى أو موت شخصية ما يستوجب نقلها من منطقة الى أخرى، وظلّت معابر مفتوحة بين خطوط التماس، استغلّها البعض لعقد صفقات عليها فأقيمت عليها حواجز مالية، لدفع ضريبة مرور من منطقة الى أخرى.
ويقول النائب وليد جنبلاط، إنه لم يقطع الحوار مع أشرس خصومه فـي الحرب، فهو التقى بشير الجميّل فـي منزل زاهي البستاني فـي الحازمية، كما استقبل الرئيس كميل شمعون فـي المختارة، والتقى أمين الجميّل وكان رئيساً للجمهورية أكثر من مرة.
والحوار لحل الأزمة اللبنانية أخذ أشكالاً عدة، فتدخّلت لحصوله دول عدة، وحضر موفدون كثر من عرب وأجانب، وانعقد فـي جنيف ولوزان مؤتمران للحوار فـي نهاية العام 1983 ومطلع العام 1984، وأسفرا عن تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة عمر كرامي فـي عهد الجميل ، والإتفاق على برنامج للإصلاح السياسي.
وكانت ذروة الحوار بعد الفراغ الذي حصل فـي رئاسة الجمهورية عام 1988 بعد انتهاء ولاية أمين الجميّل وتعذّر انتخاب خلف له، حيث اختلف الموارنة خصوصاً والمسيحيون عموماً على اسم مرشح منهم، واتفقوا على رفض ترشيح النائب مخايل الضاهر كمرشح تسوية إتّفق عليه الرئيس السوري حافظ الأسد مع الموفد الأميركي ريتشارد مورفـي فـي آب 1988 عشية إنتخابات رئاسة الجمهورية، لكن زعماء الموارنة اجتمعوا فـي بكركي ورفضوا ما أسموه «إتفاق الإذعان»، لتطيير إنتخابات الرئاسة ويخلو القصر الجمهوري من رئيس، كان العماد ميشال عون يطمح أن يشغل هذا المنصب، لكن اسمه خرج من لائحة التوافق الأميركي – السوري، فساهم مع «القوات اللبنانية» برئاسة سمير جعجع فـي منع حصول الإستحقاق الرئاسي وعُيّن عون رئيساً لحكومة عسكرية من قبل الجميل ورفضت اسلاميا بعدما سقطت الحكومة المدنية برئاسة بيار حلو، وانقسم لبنان بين حكومتين الأولى برئاسة عون، والثانية برئاسة سليم الحص، ليدخل فـي «حرب تحرير» خاضها الجيش اللبناني بقيادة عون ضد القوات السورية، ولم تنتهِ إلا بعد توقيع إتفاق الطائف الذي حظي بدعم عربي وإقليمي ودولي، أسفر عن انتخاب رئيس للجمهورية هو رينيه معوّض الذي اغتيل يوم عيد الإستقلال فـي العام 1989، ليخلفه الرئيس إلياس الهراوي الذي انتخب فـي شتورا خلال مدة 48 ساعة، لتبدأ عملية إنهاء تمرّد عون فـي القصر الجمهوري، بعد «حرب إلغاء» خاضها ضد «القوات اللبنانية» التي أيّدت إتفاق الطائف مدعومة من بكركي، وتجاوباً مع قرار دولي – إقليمي بإنهاء الحرب فـي لبنان.
إستمر الإستقرار فـي لبنان مدة 15 سنة من العام 1990 حتى 2005، لتتم عملية اغتيال الرئيس رفـيق الحريري، وما سبق ذلك من إنقسام بين اللبنانيين حول الوجود السوري فـي لبنان وضرورة انسحاب القوات السورية منه، واستعادة السيادة والقرار اللبناني كما كانت تعلن قوى 14 آذار، التي رفضت التمديد للرئيس إميل لحود، كما دعت الى نزع سلاح «حزب الله» ووقف الصراع مع «إسرائيل» وعدم تحويل لبنان الى هانوي بل استعادته كدولة تشبه هونكونغ.
تحت وقع اغتيال الرئيس الحريري، إنقسم اللبنانيون بين 8 آذار تشكر سوريا لدورها فـي لبنان و14 آذار تطالب بطرد القوات السورية التي انسحبت فـي نهاية نيسان2005 ليقع لبنان فـي حالة من الفراغ العسكري والسياسي، وما كانت تمثله الرعاية السورية والبعض أسماها الوصاية، لشؤون لبنان، الذي وتحت ضغط تدخلات خارجية ومنها فرنسية – إيرانية، خرجت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الى النور وتمثّل فـيها «حزب الله» للمرة الأولى بوزير هو طراد حمادة، لتشكّل الحكومة نقطة حوار بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» للتخفـيف من الإحتقان السياسي والخطاب المذهبي وتوجيه الإتهام الى النظام السوري وما كان يمثله من دور أمني فـي لبنان وحلفائه بإغتيال الحريري، وتمّ سجن الضباط الأمنيين الأربعة وهم: جميل السيد، علي الحاج، ريمون عازار ومصطفى حمدان كمطلعين على عملية الإغتيال ومنفذيها بالتنسيق مع ضباط أمن سوريين سُمي منهم رستم غزالي وجامع جامع.
شكّل الحوار بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» قاعدة «للتحالف الرباعي» فـي الإنتخابات النيابية ، للتخفـيف من الصراع المذهبي، إذ سرت فـي البلد، أن مَن يُقتل هم الشخصيات السنّيّة كالمفتي حسن خالد والنائب ناظم القادري والشيخ صبحي الصالح وآخرهم الحريري الذي أكّد السيد حسن نصرالله لعائلته عندما زارها معزّياً أنه سيعمل لكشف المجرمين.
لم يخفف تشكيل الحكومة برئاسة فؤاد السنيورة بعد التحالف الرباعي فـي الإنتخابات النيابية التي أمّنت أكثرية لقوى 14 آذار، من حدة التشنّج بين 8 و14 آذار ولا بين السنة والشيعة ، وبات طلب تسليم سلاح المقاومة مطروحاً بقوة، مما هدّد بانفراط الحكومة التي يشارك فـيها الثنائي الشيعي «أمل» و«حزب الله»، ورافق ذلك وقوع عمليات اغتيال أو محاولات اغتيال استهدفت إلياس المر فـي تموز 2005، ومي شدياق فـي أيلول من العام نفسه وجبران تويني فـي 12 كانون الأول من نهاية العام، وهو ما عجّل بالدعوة لإنشاء محكمة دولية طلبها لبنان دون موافقة «حزب الله»، مما عزّز التباعد بين المستقبل والحزب، وحاولت السعودية أن تقرّب بين الطرفـين فنجحت ودعا الرئيس برّي الى طاولة حوار فـي أول آذار 2006، تمّ الإتفاق عليها على عدة بنود، ووضع سلاح المقاومة كبند تجري دراسته ضمن استراتيجية وطنية دفاعية، إلا أن حرب تموز 2006، وتكبّد العدو الإسرائيلي لهزيمة فـيها وصدور مواقف من 14 آذار تطالب «حزب الله» بتسليم سلاحه قبل وقف النار التي استمرت 33 يوماً، مما أدّى الى هز الثقة بين مكونات الحكومة فاستقال وزراء «أمل» و«حزب الله» منها لتفقد ميثاقيتها، إلا أن رئيسها فؤاد السنيورة استمر فـيها، فأقفل الرئيس برّي مجلس النواب بوجهها، ودخلت البلاد فـي حرب أهلية باردة، الى أن حصل الإنفجار العسكري فـي 7 أيار 2008، فتدخّلت قطر لفتح حوار بين الأطراف بعد مساعٍ من قبل الجامعة العربية وأمينها العام عمرو موسى، ليخرج من الدوحة إتفاق أنتج إنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وفاق وطني وإجراء إنتخابات نيابية فـي 2009 بقانون 1960، وظلّلت هذه الإجراءات مصالحة سعودية – سورية إنعكست على لبنان الذي عاش فترة استقرار لمدة عامين، لينتكس الوضع مع استقالة وزراء 8 آذار و«التيار الوطني الحر» من حكومة سعد الحريري، ويدخل لبنان مجدداً فـي أزمة سياسية وتوترات أمنية مع تشكيل حكومة برئاسة نجيب ميقاتي لم تتمثل فـيها 14 اذار ، تزامنت مع ظهور ما سمّي «ثورات عربية»، وصلت الى سوريا فـي آذار 2011، ليتأثر بها لبنان رغم نأيه بنفسه عنها، لكن الأزمة السورية أعادت إحياء الصراع السّنّي – الشيعي الذي امتدّ الى المنطقة فـي العراق والبحرين واليمن والسعودية، وبات الوضع على حافة الإنفجار مع مشاركة «حزب الله» فـي القتال الى جانب النظام السوري، ودعم «تيار المستقبل» لـ «الثورة السورية» وارتبط كل طرف منهما بمحور، وهو ما أخّر تشكيل الحكومة برئاسة تمام سلام الى أن صدر قرار دولي – إقليمي بتاليفها لاستمرار الإستقرار فـي لبنان، فالتزمت الأطراف الداخلية به، وهي لها مصلحة أيضاً بعدم تفجير صراع داخلي.
والحوار الجديد المطروح بين «حزب الله» و«تيار المستقبل» وهذه المرة خارج طاولة حوار فـي القصر الجمهوري، لأن لبنان دون رئيس للجمهورية، وأن إتفاق الطرفـين السياسيين يعجلان بإنتخاب رئيس لم يتفق عليه المسيحيون، كما أن المرشحَين ميشال عون وسمير جعجع لا توافق حول أي منهما وهو ما قلّل من حظوظ وصول أحدهما و هو ما دعا كل من الرئيس برّي والنائب جنبلاط الى تشجيع الحوار بين المستقبل والحزب لعلهما يتوصلان الى إسم مرشح توافقي.
هذا عنوان للحوار مطروح، لكن تتقدم عليه مسألة الإحتقان السّنّي – الشيعي الذي يقول الحريري إنه سيؤجل خلافاته الكبيرة مع «حزب الله» حول سلاحه ودوره فـي سوريا والمحكمة الدولية، ليقدم على كل ذلك الأمن فـي لبنان، وهو الذي لاقاه فـيه السيد حسن نصرالله عندما أشاد بدور الحريري فـي إطفاء النار بطرابلس والوقوف الى جانب الجيش فـي مواجهة المسلحين.
فالحوار مطلوب داخلياً، ومرغوب اقليميا لدى السعودية وإيران ومدعوم دولياً من أميركا وفرنسا، وكل ذلك للحفاظ على الإستقرار ومواجهة الإرهاب الذي وصل الى لبنان عبر الجماعات التكفـيرية ويتصدّى لها الجيش، لكن الحوار هل سيكون على حساب ترشيح العماد عون ووصوله الى رئاسة الجمهورية واعادة احياء الاتفاق الرباعي الذي اقصي عنه عون فـي الانتخابات النيابية عام 2005 وبقرار سعودي انذاك وهو القرار نفسه الرافض ترشيحه لرئاسة الجمهورية ومنع وصوله اليها كما اعلن هو نفسه عن فـيتو عليه وضعه وزير الخارجية السعودي سعود الفـيصل ويبدو أن الحريري يريد الحوار من أجل ذلك ، إضافة الى تخفـيف الإحتقان الداخلي.
فهل يذهب حزب الله الى الحوار مع تيار المستقبل الذي يعد له الرئيس بري ويكون راس عون على الطاولة ؟ لا يبدو ان الحزب سيتخلى عن حليفه كمرشح ثابت لديه كما يؤكد قياديوه الا اذا تخلى هو عن ترشيحه وان التيار الوطني الحر مطمئن لحليفه ايضا ولن يكون هناك مرشح توافقي يكرر نموذج الرئيس ميشال سليمان فإحتمالات نجاح الحوار قوية لأنه معزّز بقرار خارجي، أما التسوية فهي بإنتظار ما ستؤول إليه الأوضاع والحلول فـي عواصم أخرى.
والتسوية إخرجت عون من رئاسة الجمهورية فـي 1988، و2008، نتيجة قرارات دولية وإقليمية، وهي حتماً قائمة، طالما أن رئيس الجمهورية هو صناعة خارجية، لكن هل يساوم «حزب الله» عليه، بعد أن سماه السيد نصرالله وأكّد دعمه له، لأن الوفاء يقتضي أن لا نبيع حلفاءنا، وهو لا يذهب الى الحوار ليقدم رأس عون على طاولته كما يقول قياديون فـي الحزب، لكنهم منفتحون على الحفاظ على الإستقرار، لأن الفتنة المذهبية هي ضد المقاومة وتضعفها .
Leave a Reply