قيادتا «امل» و«حزب الله» ضبطتا الشارع وحافظتا على تفاهم عون-نصرالله
احداث الشياح مطلبية اجتماعية حاولت اطراف موالية تحويلها الى فتنة داخلية
بيروت – قدر اهل الضاحية الجنوبية لبيروت ان يدفعوا ضريبة الدم، مرة من النظام السياسي اللبناني، ومرة من العدو الاسرائيلي، وفي الحالتين يكون الثمن غالياً، قتلى وجرحى ودمار وخراب، لحزام البؤس الذي لجأ اليه ابناء الجنوب والبقاع، بحثاً عن لقمة العيش، بعد ان اهملت الدولة في كل العهود والحكومات مناطقهم، وعزلتهم في البلدات والقرى النائية بعيداً عن الانماء الذي كان يصل اليهم بـ«القطارة».
الضاحية ما زالت تلملم الدمار الذي اصابها من العدوان الاسرائيلي في صيف 2006، وتحاول اعادة الاعمار، الذي تتبأطأ الحكومة في صرف الاموال للمتضررين الذين تعمل شركة «وعد» التي اسسها «حزب الله» في التعويض عن الاهمال الرسمي.
هذه الضاحية، وقعت فيها الاحد الماضي مجزرة ذهب ضحيتها سبعة شهداء وحوالي ثلاثين جريحاً، على غرار مجازر اخرى شهدتها هذه المنطقة على يد القوى الامنية والعسكرية، في 13 ايلول 1993 تحت جسر المطار، عندما كان المواطنون يتظاهرون استنكاراً لإتفاق اوسلو وسقط في هذه المجزرة 13 شهيداً وفي 27 ايار 2004 في حي السلم، واثناء اعتصام لسائقي الباصات والسيارات العمومية، احتجاجاً على رفع سعر المحروقات، قتل خلاله خمسة مواطنين بنيران القوى العسكرية، وفي الرمل العالي في 16 ايلول 2006 عندما حضرت دورية لقوى الامن الداخلي لمنع قيام بناء اطلقت اثناء العملية الامنية النار على المواطنين وسقط اربعة قتلى وعدد من الجرحى بينهم اطفال، وشكلت لجنة تحقيق دون التوصل الى نتيجة نهائية.
اربعة حوادث خلال 15 سنة، كانت السلطة طرفاً فيها ضد المواطنين في الضاحية الجنوبية، انتهت بسقوط قتلى، دون محاسبة الفاعلين، مما خلق انطباعاً لدى ابناء المنطقة انهم «مكسر عصا»، لان قياداتهم السياسية لم تكن ترغب في فتح معركة مع الدولة التي كان يعاد بناؤها بعد انتهاء الحرب الاهلية، وهذا ما كان يشدد عليه الرئيس نبيه بري، وكذلك المقاومة، التي ابتعدت عن الانزلاق الى حروب داخلية، كانت تجري محاولات ومازالت لجرها اليها والانزلاق نحوها، فكانت قيادتها تعض على الجرح حفاظاً على المهمة الوطنية التي اوكلت نفسها لها في تحرير الارض من الاحتلال الاسرائيلي.
وما جرى الاحد الماضي الذي سمي بـ«الاحد الاسود» في منطقة الشياح وقرب كنيسة مار مخايل، لم يكن حدثاً امنياً عادياً، لان ما ظهر خلاله كشف عن ان ثمة متورطين في زج الجيش بمواجهة المواطنين الذين هم جمهور المقاومة، وكذلك في رمي فتنة طائفية بين منطقتي الشياح وعين الرمانة، اللتين لهما في ذاكرة اللبنانيين ابشع التاريخ والصور، حيث انطلقت عند تخومهما شرارة الحرب الاهلية في 13 نيسان 1975، بإطلاق نار على باص ينقل فلسطينيين، مما ادى الى مقتل عدد كبير منهم، واشعل فتنة ومعارك عسكرية دامت حوالي السنتين، سقط خلالها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى ودمار كبير واعمال تهجير طائفي وسياسي.
وحضرت امام اللبنانيين مشاهد تلك المرحلة، عندما كانوا يشاهدون على شاشات التلفزة، نقلاً مباشراً، للتحرك الشعبي على سوء الاوضاع الاقتصادية وتراجع الخدمات الحياتية، ولا سيما انقطاع التيار الكهربائي بشكل دائم، كما في بعض مناطق لبنانية اخرى، بسبب ازمة الكهرباء التي لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من حلها، بالرغم من دفع اكثر من ثلاثة مليارات من الدولارات على معامل الانتاج والشبكات، وما زالت الازمة قائمة ومتفاقمة، وتكلف خزينة الدولة حوالي مليار دولار سنوياً في تمويل شراء الفيول والصيانة، وهو ما فاقم في الدين وخدمته، وقد تسببت الكهرباء بثلث هذا الدين.
فالتحرك الذي قام به اهالي الضاحية الجنوبية، حمل عناوين اجتماعية وانمائية، كما هو حال الكثير من اللبنانيين الذين يئنون من الفقر ، الذي ارتفعت نسبته في لبنان الى حوالي 30 بالمئة، حسب الاحصاءات والتقارير الاقتصادية، كما ان البطالة وصلت الى 27 بالمئة، اضافة الى ازدياد الهجرة لا سيما في صفوف الشباب وطلاب الجامعات.
ولقد سبق قبل يومين من احداث الشياح حصول تحركات نقابية لسائقي السيارات والباصات والمزارعين شملت كل لبنان، ولم يكن لها طابع سياسي، بل دعوة من الاتحاد العمالي العام الذي كان حذر من ان تتفاقم الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية سوف يؤدي بالمواطنين الى النزول للشارع، اذا لم تهتم الحكومة بمطالبهم والتي تتلخص للسائقين بدعم المحروقات، واعفاء سياراتهم التي يشترونها من الرسوم الجمركية والتسجيل، وكذلك رفع العمال الزراعيون مطالب تتعلق بدعم الزراعة الغائبة دائماً عن الموازنات التي تعدها الحكومات منذ الاستقلال حتى اليوم، والتي لا تلحظ الا نسبة قليلة لا تتعدى 4 بالمئة من الموازنة العامة.
ومر اعتصام السائقين والعمال الزراعيين بهدوء ودون تسجيل اية حوادث، وكان تحذيرياً، بالرغم من محاولات تفشيله من قبل الفريق الحاكم الذي عمل على تحريك نقابات موالية له، لاظهار الانقسام داخل الجسم النقابي، وتشويه صورة التحرك النقابي بأنه مسيس من قبل المعارضة التي اعلنت صراحة انها لا تتلطى وراء المطالب النقابية والعمالية المحقة والتي تؤيدها، بشأن الحصول على حقوقها السياسية في قيام حكومة وحدة وطنية ومنع الاستئثار في السلطة.
ولقد اقرت كل الاطراف النقابية من كل الاتجاهات بأحقية المطالب، ولم تتمكن الموالاة من تجاهلها، لان قاعدتها الشعبية تعيش المعاناة المعيشية نفسها لكل اللبنانيين، وان ارتفاع الاسعار يصيب كل المواطنين موالين ومعارضين، وان تدني الاجور والمطالبة برفعها، هو مطلب شعبي عام يطال كل الموظفين والعمال من جميع الفئات والشرائح.
لذلك سارع الرئيس فؤاد السنيورة الى عقد اجتماعات في السراي لمعالجة مطالب الاتحاد العمالي العام، بعد ان كان يتجاهلها، واعلن وزير ماليته جهاد ازعور، ان لا قدرة لدى الدولة والمؤسسات في رفع الحد الادنى للأجور لانه يزيد التضخم المالي، وهو بذلك يناقض نظرية اقتصادية تقول، ان من شأن زيادة الاجور، تسجيل نمو برفع القدرة الشرائية للمواطنين، وتحريك الاسواق والعجلة الاقتصادية.
وهكذا كانت الاحتجاجات النقابية ثم االشعبية بعيدة عن السياسة، ولم تستخدمها المعارضة لاهدافها، وهذا ما اكدته حركة «امل» و«حزب الله»، في ان التظاهرة التي انطلقت من احياء في الضاحية الجنوبية وتجمعت قرب كنيسة مار مخايل، كانت عفوية ولم يكن مخططا لها حيث انتقل مسؤولون من التنظيمين فوراً الى مكان التجمع، وباشروا اتصالات مع ضباط من الجيش لمعالجة سلمية للتحرك الشعبي الذي قام بقطع الطريق عبر حرق الاطارات، وفي اثناء المفاوضات التي كان يتولاها مسؤول التنسيق في حركة امل احمد حمزه مع ضباط الجيش، حصل اطلاق بإتجاههم، وسقط حمزه شهيداً، حيث اعلنت قيادة الجيش في بيان لها، ان الرصاص انهمر من جهة مجهولة، وانها باشرت التحقيق في ما حصل. لكن الامور انفلتت ولم يعد في الامكان ضبطها فورا من قبل قيادات «امل» و«حزب الله»، وقد رافق ذلك بث وسائل الاعلام لمشاهد واخبار، عن وجود قناصة على اسطح البنايات في منطقة عين الرمانة، وبدأت الاخبار تتضخم عن ظهور مسلحين، ووقوع اشتباكات مسلحة، وتزامن ذلك ايضاً مع شائعات انطلقت في عين الرمانة، عن توجه مسلحين نحو المنطقة، مما رفع منسوب الخوف والقلق، حيث تبين من المعلومات التي بدأت تتوارد، ان «القوات اللبنانية» استنفرت عناصرها في المنطقة، وبعض المعلومات تحدث عن استقدامها خمسين عنصراً من خارج المنطقة لحمايتها.
هذه الاجواء الاعلامية المشحونة بسقوط قتلى في الشياح ووقوع اشكالات في بعض احياء عين الرمانة، وضع اللبنانيين امام استعادة ذكرى احداث 13 نيسان و«بوسطة» عين الرمانة، حيث تم التذكير فيها من قبل وسائل اعلام السلطة، التي اتهمتها المعارضة بأنها كانت المحرض على اشعال الفتنة، في الوقت الذي كانت فيه الاتصالات جارية بين قيادة الجيش والمسؤولين في حركة «امل» و«حزب الله» لتطويق الاحداث وان يقوم الجيش بمهمته بضبط الامن وفتح الطرقات بعد ان اعلن التنظيمان عدم معرفتهما بما حدث، وطالبا مناصريهما اخلاء الشوارع والعودة الى المنازل والتزام الهدوء، وافساح المجال للقوى العسكرية والامنية ان تقوم بواجباتها.
وفي ظل اجواء التهدئة والتطويق، كان خبر وجود قناصة على اسطح البنايات يتفاعل، مع سقوط قتلى وجرحى، مما زاد من التوتر وهيجان الشارع، مما اضطر قيادة الجيش الى ارسال عناصر اضافية الى المنطقة، وتدعيم القوى العسكرية هناك، فانتقلت كتيبة من احد افواج التدخل التي كانت وصلت حديثاً الى المنطقة في اطار عمليات التبديل العسكرية التي تجري بين وحدات الجيش، حيث ذكرت المعلومات، ان عناصر من الجيش اطلقت النار في المنطقة الممتدة من حي صفير وحتى كنيسة مار مخايل، مما ادى الى سقوط قتلى وجرحى، في الوقت الذي كان مندوبو وسائل الاعلام يتحدثون عن عمليات قنص من جهة عين الرمانة.
بعد نحو سبع ساعات من اعمال الكر والفر بين المتظاهرين والجيش على الارض، تضاربت المعلومات حولها، ومن تسبب بسقوط هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى، وعن الاهداف التي تقف وراء هذه الاحداث، وزج الجيش فيها.
لم تمض ساعات على احداث الشياح التي توقفت بفعل الوعي عند قيادتي «امل» و«حزب الله»، حيث تمكنتا من نزع فتيل الفتنة التي كان طرفاً ثالثاً يرمي اليها، كما ان بعض اطراف السلطة ارادت ان تضع الجيش بوجه اهالي الضاحية، وتحديداً المقاومة، تحرك قائد الجيش العماد ميشال سليمان بإتجاه الرئيس نبيه بري والامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، وابلغهما انه لن يسمح ان يحترق لبنان وهو في قيادة الجيش، وسيبدأ التحقيق فوراً، وهذا ما طالبه به رئيس مجلس النواب وايضاً الامين العام لـ«حزب الله»، بعد ان تم توفير معلومات له، عن ان عناصر من الجيش قد تكون تسببت بإطلاق النار، حيث سئل العماد سليمان عن اسباب التبديل العسكري الذي حصل في المنطقة، ومن هم الضباط الذين نقلوا الى الضاحية، وهل لهم ارتباطات سياسية ما؟
هذه الاسئلة وغيرها، طلب من العماد سليمان ان يتم الجواب عليها من خلال تحقيق قضائي – عسكري سريع وغير متسرع كما قال الرئيس بري الذي اعلن انه لن يترك هذه القضية تموت، لان القاعدة الشعبية تضغط بإتجاه الرد والثأر، اذا لم يضع القضاء يده على هذا الملف، فنكون امام وضع صعب جداً، كما حصل في رد الفعل على اغتيال عدنان شمص، بخطف الشابين زياد غندور وزياد قبلان وقتلهما.
وان ما لفت اليه الرئيس بري عن اهداف ما حصل في الشياح، كشف عن حقيقة ما كان يرمي اليه الذين مارسوا القنص واعمال القتل ضد المواطنين المتظاهرين، وان من الاهداف هو اشعال فتنة مسيحية-اسلامية، على غرار ما حصل مع بداية الحرب الاهلية عام 1975، والتي تصدى لها الامام السيد موسى الصدر ورفضها، وان حركة «امل» لن تقع فيها ومعها «حزب الله» والمعارضة التي سبق واعلنت على لسان قادتها وتحديداً السيد نصرالله، انه لو سقط الف شهيد منها، فلن ترد، وهذا ما حصل في اكثر من حادثة وقعت مع قوى في المعارضة منذ تحركها في اول كانون الاول 2006، وهي امتنعت الرد على احداث الشياح، بوضعها في اطارها القانوني والقضائي، وان المحاسبة ستكون في السياسة اذا تبين ان ثمة مسؤولية تقع على عناصر عسكرية متورطة في عمليات القتل، وسيدفع الثمن قائد الجيش كمرشح توافقي، اذا لم يبادر الى اتخاذ القرارات المناسبة اذا ثبت تورط ضباط وجنود في الاحداث، وقد تم ابلاغ العماد سليمان بهذا التوجه من قبل «حزب الله» و«امل».
لقد جاءت احداث مار مخايل، لتزيد من تعقيدات انتخابات رئاسة الجمهورية، بعد ربطها بنتائج التحقيق العسكري – القضائي، لاسيما بعد ان بدأت الشكوك تزداد عند اطراف في المعارضة من ممارسات العماد سليمان الذي ظهر وكأنه اصبح على مسافة اقرب الى قوى 14 شباط، حتى ان قيادات في المعارضة تتحدث عن ان الادارة الاميركية وبالتنسيق مع قوى السلطة، تحاول ان تمتحن قائد الجيش في تطبيق القرار 1559 ضد المقاومة، وان هناك من يحاول توريطه في هذه المسألة الخطيرة، وان ما حصل في الشياح نظر اليها بعض اطراف المعارضة بعين الحذر من ان تكون الاحداث «بروفة» لما ينتظر سلاح المقاومة، وقد تقدمت عناصر من الجيش باتجاه عمق مناطق للمقاومة حيث تبلغ العماد سليمان ان الضاحية ليست نهر البارد، وكانت هذه الرسالة واضحة ان عليه ان لا يخطئ التقدير السياسي، او يقدم اوراق اعتماد الى البيت الابيض الذي اكد اكثر من مرة ان من مواصفات المرشح لرئاسة الجمهورية هي تنفيذ القرار 1559 لجهة نزع سلاح المقاومة.
فهل يقوم سليمان بالمهمة؟ المعلومات تشير الى انه يرفض ذلك ولن يقبل التورط به، وهو سبق له واعلن دعمه للمقاومة.
ويفتش قائد الجيش عن من سعى الى توريطه في فخ نصب له في الشياح؟
كما ان من الاهداف البارزة لاحداث الشياح، كانت محاولة لدفن التفاهم بين «التيار الوطني الحر» برئاسة العماد ميشال عون والامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وفي المكان الذي تم التوقيع عليه، وهو كنيسة مار مخايل، وهو ما دفع بـ«القوات اللبنانية» واعلامها الى التهويل بأن مسلحين دخلوا من الشياح الى عين الرمانة، ورموا قنابل وكسروا السيارات وحطموا المحلات، لترهيب المسيحيين والتأكيد ان التفاهم مع «حزب الله» لا يحميهم لكن هذه المحاولة فشلت، لان المعلومات كشفت عن انه لم يحصل اي حادث، وان القنبلة التي قيل انها تم رميها من مسلحين يحملون اعلام حزب الله، وقعت من ايدي عناصر قواتية في عين الرمانة فأصابتهم بجروح.
Leave a Reply