كمال ذبيان – «صدى الوطن»
سرت معلومات أمنية، منها ما هو مؤكّد، بأن شهر رمضان قد يكون ساخناً في لبنان، وأن الجماعات الإرهابية من تنظيمي «داعش» و«النصرة» تتحضر لشن عمليات تفجير في مناطق لبنانية عدة، وذلك غداة إعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق عن اعتقال أفراد من شبكات كانت تخطط لأعمال تخريب.
وسبق لتنظيم «داعش» أن هدّد بضرب أوروبا في شهر رمضان، وكذلك الولايات المتحدة الأميركية، التي تحدّث وزير دفاعها آشتون كارتر، عن احتمال شن هجمات إرهابية داخلها، وبات هذا الخطر الإرهابي، أو الإرهاب المعولم، موزعاً على كل القارات، وجميع الدول، وله قواعد منتشرة في شرق آسيا، من الفيليبين الى أندونيسيا وماليزيا، وأفريقيا في نيجيريا عبر جماعة «بوكو حرام»، الى المغرب العربي الكبير لاسيما في ليبيا التي تحوّلت الى أكبر قاعدة للإرهابيين وتحديداً في سرت التي تبعد عن إيطاليا 500 كلم.
أما في لبنان، فإن الأجهزة الأمنية والعسكرية، تقف بالمرصاد بوجه الجماعات الإرهابية، وتعمل على تفكيك شبكاتها، ومنذ ما قبل عامين، نجح الجيش وقوى الأمن الداخلي، والأمن العام وأمن الدولة، من اعتقال عشرات الإرهابيين غالبيتهم من السوريين النازحين، حيث نجحت سياسة الأمن الوقائي في إيقاف أعمال التفجير التي استهدفت الضاحية الجنوبية ومناطق في بعلبك–الهرمل، حيث مجتمع المقاومة بغية التأثير عليه نفسياً ومادياً، بأنه يدفع ثمن مشاركة «حزب الله» في القتال ضد هذه المجموعات في سوريا.
ففي الأسابيع الأخيرة فكّكت مخابرات الجيش وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي شبكات إرهابية، من الشمال الى الجنوب مروراً بالجبل، الذي تمّ إلقاء القبض على ستة سوريين في مدينة عاليه، ينتمون الى «داعش»، وأوقف نحو خمسين سورياً قيد التحقيق في عرمون، للإشتباه بهم بإنتمائهم الى تنظيم إرهابي، وعُثر في التجمع السكني الذي يقطنونه على أسلحة من مختلف الأنواع، وأيضاً في خربة داوود في عكار، وهذه المرة كان الموقوفون من اللبنانيين من آل سعد الدين، الذي فرّ أحدهم -عاطف سعدالدين- وهو جندي في الجيش كان يخدم في عرسال، والتحق بتنظيم «داعش» وجنّد أشقاء له وأبناء عمّه، وتبيّن أنهم قاموا بعمليات ضد آليات للجيش في عكار، وقتلوا شقيق النائب السابق علي عيد في طرابلس.
وهذه الإجراءات الأمنية التي يقوم بها الجيش، خفضت من وقوع أعمال إرهابية، منذ صيف 2014، وقد ساعد في ذلك، أن المعابر بإتجاه لبنان، التي كان يستخدمها الإرهابيون لاسيما من عرسال وجرودها، قد سُدت بوجوههم، بعد أن سيطر الجيش السوري و«حزب الله» على كل الجبال والمدن والبلدات السورية المحاذية للحدود اللبنانية، عند السلسلة الشرقية، حيث كانت جبال القلمون السورية، مصنعاً لتفخيخ السيارات، وقد تمّ إقفاله، مما حدّ من نقل السيارات المفخخة الى الداخل اللبناني، إذ تبقى الأحزمة الأمنية، هي ما تقلق اللبنانيين، وهو الأسلوب المتبع في أوروبا، ولجأ إليه الإرهابيون في تفجيري برج البراجنة العام الماضي.
زوال خطر تدفق الإرهابيين
وكان التخوّف الأبرز قبل نهاية العام الماضي، عندما كان «داعش» مازال يسيطر على تدمر، قبل قيام الجيش السوري وحلفائه بطرده من المنطقة، وأن يفر الإرهابيون بإتجاه لبنان كما حصل بعد تحرير بلدة القصير في ريف حمص منهم، فنزح المسلحون مع عائلاتهم بإتجاه عرسال، حيث التجمع الأكبر لهم اليوم، ويبلغ عددهم نحو مئة ألف، ويسببون مشكلة أمنية للبنان، وقد شنّ الإرهابيون هجوماً غادراً على الجيش في 2 آب (أغسطس) 2014، فقتلوا عشرين ضابطاً وجندياً وأسروا عشرات مازال مصير تسعة منهم مجهولاً.
لكن عقب تحرير تدمر، توجّه الإرهابيون الى دير الزور والرقة، بعد أن تمكّن الجيش السوري من السيطرة على بلدة مهين التي تربط طريق حمص بدمشق، وقد أكّد قائد الجيش العماد جان قهوجي، بأن لبنان نجا من تدفق المسلحين إليه خلال خريف 2015، وهو ما ساهم في تخفيف العبء العسكري والأمني عنه، واستطاع الجيش محاصرة الإرهابيين في جرود عرسال ورأس بعلبك ومنع تقدمهم، وشلّ حركتهم باستهداف مواكبهم المسلحة، وحقق إنجازات كانت مدار إشادة من دول كبرى تحارب الإرهاب، ولم تحقق ما حققه الجيش الذي يعتبر أميركياً وأوروبياً، خط الدفاع الأول، إذ يمنع تدفق الإرهابيين بإتجاه أوروبا، وهو ما أكّده أيضاً المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أمام سفيرة الإتحاد الأوروبي في لبنان، في حفل دعم الجيش والأمن العام، أن لبنان بإمكاناته الضئيلة، وقف سداّ منيعاً ضد الإرهاب، الذي لو تمكّنت فصائله وتنظيماته من أن تصل الى الشاطئ اللبناني، كما كان مخططاً وتقيم إمارة لها في طرابلس والشمال، لكانت أوروبا، عرضة لهجمات إرهابية.
فوجود مليون ونصف مليون نازح سوري، يشكّلون خطراً وجودياً على لبنان، لجهة التأثير على اقتصاده الذي دفع نحو عشرين مليار دولار خسائر، في السنوات الخمس، والى استهلاك بناه التحتية والضرر الذي يلحق بها، والإهتزاز الأمني الذي يسببه هذا الوجود وفي أكثريته، من عمر الشباب، وبعضهم عاطل عن العمل، وقد كثرت الجريمة معهم، كما يسهل على الإرهابيين تجنيدهم، وحاولت الحكومة اللبنانية التخفيف من ضررهم، والحد من نزوحهم بإتخاذ إجراءات مشددة، وفرض وجود «كفيل لبناني»، وزيادة الرسوم على الإقامة، حتى تسهل مراقبة المخلين بالأمن، وهو ما أعطى نتائج إيجابية، إذ جرت الإنتخابات البلدية والإختيارية بأجواء أمنية هادئة، وهذا تأكيد على أن الأمن في لبنان ممسوك، وهو أفضل من بعض الدول الأوروبية، التي تلجأ الى الدول التي يقيم فيها النازحون السوريون، من أن يبقوا فيها كي لا يشكلوا خطراً على أمن أوروبا القومي، وقد إبتزهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بإرسال آلاف النازحين الى دول أوروبية، وعندما طالبته بوقفها، طلب مساعدة مالية بستة مليارات دولار، وإعطاء تأشيرات دخول للأتراك وفق إتفاقية «شنغن» بين الدول الأوروبية، التي تسمح بالتنقل فيما بينها دون تأشيرة دخول.
خطر المخيمات
الأمن الوقائي حقق إصابات في أهداف الإرهابيين، إلا أنه تبقى بؤرة أمنية خارجة عن قرار السلطة اللبنانية، هي مخيم عين الحلوة لللاجئين الفلسطينيين الذي، ثبت أنه بيئة حاضنة للمجموعات الإسلامية المتطرفة، ومنذ عقود، وفيها «جند الشام» و«عصبة الأنصار» وأخيراً «الشباب المسلم»، وهؤلاء تمكنوا من اقتطاع أحياء لهم داخل المخيم، وأقاموا أمنهم الذاتي، وتمددت «داعش» و«النصرة» اليهما ولم يعد للجنة الأمنية التي تمثّل الفصائل الفلسطينية، أية سلطة على المجموعات الإسلامية، التي يتوجه عناصر منها للقتال في سوريا والعراق، كما أن أفراداً مرتبطين بها، كانوا وراء أعمال التفجير في مناطق بالضاحية الجنوبية.
لذلك فإن إحتمالات التفجير مع مطلع الصيف واردة في لبنان، في ظل الهزائم التي تتكبّدها المجموعات الإرهابية في سوريا وتحديداً في الرقة التي يتقدم نحوها الجيش، إضافة الى دير الزور ومنبج في شمال حلب، إذ يخشى المسؤولون الأمنيون، أن يثأر الإرهابيون من خسائرهم في لبنان، وأن رسائل وصلت الى الخلايا النائمة بالإستيقاظ، وانتظار أمر التحرك حيث حُددت الأماكن التي ستستهدف، كما دلّت التحقيقات التي أجريت مع أفراد الشبكات، وقد طُلب منهم التركيز على المطاعم وأماكن السياحة، في مناطق عدة، وزرع عبوات أمام الكنائس لترويع المصلين، واختراق الضاحية الجنوبية بأحزمة ناسفة، بالرغم من الإجراءات الأمنية المتخذة.
هذه الأهداف، تأخذها الأجهزة الأمنية على محمل الجد، لكنها لن تلجأ الى تدابير تثير الذعر، بل ستقوم بتكثيف استخباراتهم واستعلاماتها، وهي الطريقة الفضلى، بحيث تشدد الرقابة على تجمعات النازحين، وهي ترصد وتتابع إتصالاتهم الهاتفية، التي منها يجري تعقب الشبكات، مع ما باتت تملكه الأجهزة الأمنية من تقنيات حديثة في الإتصالات، تلقتها كمساعدات من دول عدة.
فالصيف الساخن الذي تحدث عنه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، قد يكون لبنان مسرحاً له، باستهدافه بمسلسل تفجيرات، لكن التنسيق الأمني بين الأجهزة الرسمية اللبنانية، وهو ما نجح الوزير المشنوق بفرضه وإتباعه، وأثمر نجاحات، وهو لم يكن مطبقاً في السابق، لأن كل جهاز يريد أن يحتكر المعلومة الأمنية له، وتسجيل إنجاز في عمله، إضافة الى أن الوصايات السياسية على الأجهزة، كانت تُدخلها في أزمات فيما بينها، أما في عهد المشنوق، فقد استطاع تأمين الحد الأقصى من التنسيق بين هذه الأجهزة، يضاف الى ذلك أنه أعاد الثقة بين «حزب الله» والأجهزة الامنية، للتعاون مع أمنه الذي يحمي المقاومة، وكان هذا هو عنوان الإجتماع الذي دعا إليه المشنوق مع بداية عهده في وزارة الداخلية رئيس لجنة الأمن والإرتباط في «حزب الله» وفيق صفا، وووجه بإنتقادات قاسية، لكن النتيجة إيجابية.
Leave a Reply