أثناء زيارة بوش للمنطقة العربية لفت إنتباهي مجموعة مشاهد بروتوكولية، سيحرص الرئيس الأميركي على تضمينها في ألبوم ذكرياته، لعل أبرزها رقصة أداها في المنامة وهو يحمل سيفا وإلى جانبه ملك البحرين، ومن شدة مرحه في تلك اللحظات، أدى رقصة مماثلة بصحبة أمير سعودي في الرياض، لكنه هذه المرة وبعد أن أنهى عرضه الراقص، أومأ لخادم يحمل دلة قهوة عربية أن يقترب منه لإلتقاط صور تذكارية.وفي كلتا العاصميتن أهداه مضيفوه هدايا مرموقة تليق «بعظمة» رئيس أعظم دولة في التاريخ، وقلّدوه أوسمة رفيعة، على مجمل ما أداه، لا ندري إن كان ذلك لرقصة أداها، أم لحروب أشعلها وفتن أيقظها وإنقسامات طائفية وعرقية أججّها في العراق ولبنان وفلسطين وعموم الشرق الأوسط.الرئيس الأميركي إن حظي بعظمة إستقبال «تليق بمقامه» في عديد عواصم عربية، يجاهر بتقديم الدعم لأنظمتها، لم يكن ليجد إستقبالا مماثلا في عاصمة الفلسطينيين المؤقتة (رام الله)، فقد كان إستقباله فيها كئيبا لا يليق حتى برئيس جمهورية جزر القمر لو كان هذا زار فلسطين، فقد سبقه إلى محيط المقاطعة التي نزل فيها بوش ضيفا على محمود عباس، مئات من عناصر الإستخبارات الأميركية، مدعومون بآلاف من الشرطة الفلسطينية لحمايته من الإغتيال، وأقفلت الطرقات وفرض حظر التجوال في المكان، بل أنه انتقل من القدس إلى رام الله في موكب ضمّ سبعون سيارة، وفرّ له الإسرائيليون حراسة على الأرض وفي الجو.بوش وقبيل توجهه في رحلته إلى الشرق الاوسط، اكتفى بتوديع زوجته لورا عند باب البيت الأبيض، لم يدعها ترافقه كما هو معمول به في البروتوكولات الحاكمة، والسبب في ذلك أمني محض، فهو يزور مناطق متفجرة كبرميل البارود، لم تكد طائرته تحط في أول وجهة لها، حتى فاجأته إيران بضوضاءفي مضيق هرمز، كان يمكن أن تشعل حربا بالصدفة، وكانت تلك رسالة من القيادة الإيرانية لبوش: أن تجنّب العبث بالمنطقة وأتركها على حالها، لكن بوش قرأ الرسالة بالمقلوب، وراح يطلق تصريحات في عواصم خليجية تؤجج لعداء بين العرب والإيرانيين، بل أنه دفع السعودية لإبرام صفقة عسكرية مع بلاده بعشرة مليارات دولار، في مقابل إقدام الرياض على إغراق للسوق النفطية بغية ضرب الأسعار المتصاعدة لهذه السلعة الإستراتيجية، والتي استثمرتها طهران لبناء قوة هجومية يمكن أن تستخدمها يوما ضد جيرانها الخليجيين.أما وقد أنهى بوش جولته، فإنه من المتعذر على اللاعبين في المنطقة أن يستمروا فيما كانوا عليه، فلقد غير بوش قواعد اللعبة، وأضحى بإمكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الإنقضاض على غزة وتركيع المقاومة فيها تمهيدا لتحقيق السلام وإقامة دولة فلسطينية موحدة تكون بمثابة مقبرة لأحلام الفلسطينيين قبل نهاية العام، وإلا فليواجه «اليهود» حلما فلسطينيا ممتدا، يقضي بإقامة دولة علمانية ديمقراطية من البحر إلى النهر، يعيش فيها سواسية المسلمون والمسيحيون واليهود. أما على البوابة الشرقية فقد حدّد بوش صورة الوضع المستقبلي للبلدان الخليجية التي من شدة هطول المليارات النفطية عليها، تكاد أن تغرق، إما في حروب أهلية نتيجة غياب في توزيع الثروة وسفه في تبديدها، وإما لطموح إيراني بإقامة أمبراطورية على غرار الإمبراطورية الساسانية تمتد حتى شواطئ المتوسط، فهل يا ترى ينجح بوش في تغيير ثقافة الصراع في المنطقة العربية فتصبح إيران عدوا وإسرائيل صديقا، أم أن جولته كانت حفلة علاقات عامة هدفها تخليد ذكريات له في متاحف واشنطن قبل رحيله؟
Leave a Reply