الرئيس المُكلّف أمهل نفسه شهراً
كمال ذبيان – «صدى الوطن»
في غضون أيام قليلة من اعتذار رئيس الوزراء السابق سعد الحريري عن مهمة بتشكيل حكومة جديدة في لبنان، انتقلت راية التأليف سريعاً إلى سلفه نجيب ميقاتي، ليكون ثالث شخصية سنية يتم تكليفها بالمهمة المعقدة منذ استقالة حكومة حسان دياب، إثر انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020.
وإذا كان السفير مصطفى أديب، أول المكلفين تحت سقف «المبادرة الفرنسية»، قد تنحى خلال أيام معدودة عن مهمة تشكيل حكومة لإنقاذ لبنان من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، وإذا كان الحريري قد استغرق نحو تسعة أشهر للاعتذار، فإن ميقاتي الذي سبق له أن تولى رئاسة الحكومة مرتين، يبدو الأقرب لإنجاز هذه المهمة الشائكة، على الرغم من بعض العقبات المتوقعة، لاسيما وأنه سبق وأن قاد الحكومة في مرحلة لا تقل حساسية عن الأيام المظلمة التي يعيشها اللبنانيون اليوم، وذلك غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانقسام البلاد بين معسكري «8» و«14 آذار» عام 2005، وكذلك بين 2011 و2013 مع اندلاع «الربيع العربي» والحرب السورية.
ميقاتي مجدداً
مع اعتذار الحريري، بدأ البحث عن بديل له، والذي عليه أن يمرّ بمرجعيات الطائفة السُّنيّة أولاً. فكان التداول باسم نجيب ميقاتي، كأحد أعضاء نادي رؤساء الحكومات السابقين الذي شكّل مرجعية سياسية سنّية، فنال موافقة زملائه في النادي وهم: سعد الحريري وتمام سلام وفؤاد السنيورة.
وبينما استبعد سلام والسنيورة نفسيهما عن المهمة، لرفضهما التعاون مع رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي كان بدوره يفتش عن شخصية سنّيّة، غير ميقاتي، لكنه حوصر بتوافق سنّي على الأخير فوجد نفسه مضطراً للقبول به من باب الميثاقية التي يتمسّك بها عون حفاظاً على التوازن والدستور، فخضع لقرار الطائفة السُّنيّة بمرجعياتها السياسية المتمثلة بـ«نادي رؤساء الحكومات» وكتلة «المستقبل» النيابية و«دار الفتوى» و«المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى»، وكذلك من باب الاستشارات النيابية الملزمة التي أعطت ميقاتي 72 صوتاً وسط امتناع 42 نائباً عن التسمية وتغيّب ثلاثة آخرون.
إن الأصوات التي حصل عليها الرئيس المكلّف قريبة من تلك التي حصل عليها الحريري بزيادة سبعة أصوات، لكن مع تبدّل في كتلة «الوفاء للمقاومة»، التي سمّت ميقاتي، بعد أن امتنعت عن تسمية الحريري.
وميقاتي المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية منذ 26 يوليو المنصرم، هو سياسي ووزير في عدة حكومات لبنانية ورجل أعمال ونائب حالي في مجلس النواب اللبناني. وكان ميقاتي قد عيّن رئيساً للوزراء للمرة الأولى في ربيع 2005 بعد استقالة الرئيس عمر كرامي، وكانت حكومته حكومة مؤقتة لإدارة الأزمة وإجراء الانتخابات النيابية، وهي مهمة مماثلة لما هو مطلوب منه اليوم.
موقف «حزب الله»
وكان لافتاً أيضاً، تأييد «حزب الله» لميقاتي، وقد لقي موقفه هذا اعتراضاً من قبل بعض حلفائه، لاسيما «التيار الوطني الحر»، الذي لم يسمّه. وبرّر «حزب الله» قراره، بأن الوضع المالي والاقتصادي والمعيشي، إضافة إلى التخوّف من انفجار أمني، تحت ضغط الشارع المتألم من الأوضاع المزرية، هو ما فرض عليه تأييد ميقاتي، تسهيلاً لقيام حكومة تحول دون الانهيار الحتمي. وهذا كان موقف الحزب أيضاً عندما كلّف الحريري بتشكيل الحكومة، فدعمه وساهم في حلحلة بعض العقد، بالتوافق مع الرئيس نبيه برّي، الذي ألقى بثقله خلف الحريري محمّلاً الرئيس عون وفريق عمله مسؤولية الفراغ الحكومي.
واستند الحريري بشكل رئيسي على «حزب الله» و«حركة أمل» لإطالة فترة تكليفه قدر الإمكان، عسى أن تُفتح أمامه أبواب السعودية التي تبين أنها السبب الحقيقي وراء اعتذار زعيم تيار «المستقبل» عن التأليف، وهو الذي لم يتمكّن من معالجة علاقته مع المملكة التي أقفلت مؤسساتها وشركاتها بوجهه ودفعته إلى الإفلاس بعد قطع علاقتها الاقتصادية وشراكتها الاستثمارية معه، والتخلي عنه كحليف سياسي أول لها في لبنان، بالرغم من وساطات دولية عديدة لإقناع الرياض بتبديل موقفها من الحريري، لاسيما من فرنسا ومصر والإمارات.
وإذا كان الحريري مغضوباً عليه في الرياض بسبب فشله في تثبيت النفوذ السعودي في لبنان ناهيك عن تفاهماته مع «حزب الله» وعون، فإن نيل ميقاتي لتأييد الحزب ليس له الوقع نفسه في المملكة، لاسيما أنه سبق لـ«حزب الله» أن تعاون مع ميقاتي في أول حكومة شكّلها بعد الانسحاب السوري عام 2005، وكان له فيها وزيرٌ للمرة الأولى في تاريخ الحكومات اللبنانية، وقد استمر الحزب –منذ ذلك الحين– بالمشاركة في الحكومات المتعاقبة لحماية شرعية سلاح المقاومة، وهو أمر بات مرفوضاً تماماً من السعودية، وخلفها الولايات المتحدة وإسرائيل.
وبرأي بعض حلفاء المقاومة، كما خصومها، فإن مشاركة «حزب الله» في السلطة تضعه في مصاف قوى المنظومة الفاسدة، التي انتفض الشارع ضدها، وميقاتي أحد رموزها، بدليل ملفات الفساد التي شملته له، سواء في شبكة الاتصالات الهاتفية «سيليس»، أو قروض الإسكان التي بلغت مليارات الليرات، أو تأسيسه لشركات خدمات عامة تنفع منها عبر استغلال موقعه في السلطة، مثل شركة «ليبان بوست» للبريد.
كذلك ينظر بعض اللبنانيين إلى ميقاتي على أنه من المقربين من دمشق وأنه كان من أبرز المستفيدين من الوجود السوري في لبنان، وقد حصلت شراكة بينهما عبر مساهمة الملياردير الطرابلسي في شركة «سيرياتل»، لمالكها رامي مخلوف الذي تربطه قرابة مع الرئيس السوري بشار الأسد (ابن خاله)، والذي تمّت مصادرة أمواله ووضع اليد على شركاته مؤخراً من قبل الدولة السورية.
الميثاقية المسيحية
وإذا كان الرئيس ميقاتي، أمّن غطاءً من طائفته السُّنيّة، ودعماً من «الثنائي الشيعي»، وتأييداً درزياً من كتلة وليد جنبلاط، فإنه لم يلقَ أي صوت من الكتلتين المسيحيتين الأساسيتين، «تكتّل لبنان القوي» برئاسة جبران باسيل رئيس «التيار الوطني الحر»، و«الجمهورية القوية» برئاسة سمير جعجع رئيس حزب «القوات اللبنانية».
وأضيف إليهما حزب «الطاشناق» الأرمني، الذي لم يسمِّ ميقاتي أيضاً، علماً بأنه كان سمّى الحريري المرة الماضية. في حين أن نواب «الكتائب» الثلاثة استقالوا قبل فترة ولم يشاركوا في استشارات التكليف.
واقتصر التصويت المسيحي لميقاتي على نواب كتلتين «المردة» و«القومي» إضافة إلى شخصيات مسيحية مستقلة، لم يتجاوز مجموعهم العشرين صوتاً، مما يفقد الرئيس المكلّف الغطاء السياسي المسيحي، ويشكّل عائقاً أمامه في عملية التأليف، لاسيما فيما يتعلق بتوزيع المقاعد الوزارية المسيحية، وهي العقدة نفسها التي واجهت الحريري، وكانت سبب خلافه مع الرئيس عون.
التأليف إلى متى؟
بعد التكليف، يبدأ الحديث عن التأليف، الذي يؤكّد ميقاتي بأنه يحظى بدعم خارجي لاستعجاله، وسط مطالب دولية متزايدة من القوى السياسية اللبنانية لتسهيل ولادة الحكومة وتقديم تنازلات متبادلة.
من هذا المنطلق، يسعى ميقاتي، إلى تشكيل الحكومة الجديدة بأسرع وقت ممكن، مقترحاً أن تكون حكومة تكنو–سياسية وموسّعة، على ألا تخرج عن الإطار الذي وضعته «المبادرة الفرنسية» لجهة توزير اختصاصيين يحظون بغطاء سياسي من القوى الأساسية، غير أن ذلك لا يعني أنه لن يواجه صعوبات عديدة في توزيع الحقائب والحصول على توقيع الرئيس عون الذي يشترط حصول مداورة بين الطوائف على الوزارات الأساسية، وهو مطلب يصطدم بإصرار «الثنائي الشيعي» على الاحتفاظ بوزارة المال وفق مبدأ «التوقيع الثالث»، ضمن صيغة المشاركة مع رئيس الجمهورية الماروني ورئيس الوزراء السنّي.
والعقدة الأساسية المعلنة التي واجهت الحريري في التشكيل وتمحورت حول الوزراء المسيحيين ومرجعياتهم السياسية، لاشك؛ أنها ستكون حاضرة بقوة مع ميقاتي، الذي يؤكّد على رغبته بالتعاون مع عون الذي أكد بدوره انفتاحه على التعاون مع أي رئيس مكلّف تسمّيه الأغلبية النيابية.
وقد حرص ميقاتي بعد تسميته، على تأكيد مرونته في التشكيل، لكن تحت سقف الدستور، معرباً عن رفضه لتقديم أي تنازلات ترتبط بصلاحيات الرئيس المكلّف، الذي يتعين عليه التوافق مع رئيس الجمهورية لتأليف الحكومة التي بات لبنان بأمس الحاجة إليها اليوم للخروج من أزمته الوجودية.
مهلة محدّدة
على الرغم من أن دستور الطائف لا يذكر أية مهلة محددة أمام الرئيس المُكلّف لإنجاز التأليف، إلا أن ميقاتي يؤكد أنه سيتحرك بأسرع ما يمكن لتحقيق ولادة الحكومة، رافضاً تكرار السيناريوهات التي حصلت مع رؤساء سابقين استغرقوا أشهراً طويلة لتقديم تشكيلاتهم بسبب الشروط والمطالب التي كان يضعها كل فريق ويتمترس خلفها، كما حصل مع الحريري وقبله سلام.
غير أن ميقاتي الذي قد يواجه عقبات مماثلة أعطى لنفسه مدة شهر كحد أقصى، للتأليف أو الاعتذار، مشيراً إلى أنه درس موقفه بدقة في ظل الظروف الصعبة والدقيقة التي تمر بها البلاد، وأنه لم يُقدم على تولي المنصب، إلا بعد نيله دعماً خارجياً وفق قوله.
وهذا الدعم الخارجي الذي يأمل ميقاتي أن يُترجم بتعاون أطراف الداخل وعلى رأسهم الرئيس عون والكتل النيابية الأساسية، يبقى ناقصاً، في ظل عدم إعلان السعودية عن تأييدها له، وهي التي نأت بنفسها عن التدخل العلني في الشأن السياسي اللبناني، مبلغةً مَن يعنيهم الأمر بأنها غير راضية عن تكليف ميقاتي، وفق ما تبين من رحلة سفيرها في لبنان، وليد البخاري، إلى الرياض والتي عكست عدم رضى المملكة عن تكليف السياسي الطرابلسي المخضرم.
في الختام يبقى السؤال المحوري: هل ينجح ميقاتي –الذي يبدو أنه نال المباركة الفرنسية– في تأليف حكومته الثالثة، بدعم من المكون الإسلامي، وشبه مقاطعة مسيحية، وعدم رضى سعودي؟
Leave a Reply