على رغم الحقيقة القائمة التي تفيد بأن أسعار الأسهم والسندات هي الآن في مستوياتها القياسية من حيث الارتفاع، وبأن معدل البطالة كان قد بدأ رحلة هبوطه القوي خلال عهد إدارة أوباما، ووصل الآن إلى نقطة انخفاض قياسية، إلا أننا أصبحنا نشعر هذه الأيام بأن حياتنا خرجت عن السيطرة.
وخلال الأسابيع الأخيرة، تعرضنا لضربات الأعاصير التي اجتاحت جزر البحر الكاريبي ودمرت أجزاء من ولايتي تكساس ولويزيانا ومعظم ولاية بورتوريكو، ثم جاءت الجريمة الشنيعة في مدينة لاس فيغاس، والآن تندلع حرائق مهولة في الغابات الشمالية لولاية كاليفورنيا.
وتؤكد مشاهد البيوت المحترقة في مدينة «سانتا روزا» بولاية كاليفورنيا والتقارير المتعلقة بضحايا حرائق الغابات الذين بلغ عددهم رقماً قياسياً، أنها لا تشكل أكثر من مشهد عابر قبل أن ننتبه إلى ما يحدث في «سان خوان» عاصمة بورتوريكو التي يبلغ عدد سكانها 3.7 مليون نسمة، وحيث لا زالت مساحة تعادل 85 بالمئة من أرض الجزيرة بلا كهرباء أو ماء صالح للشرب. ولعل مما يستثير الألم أكثر أن مدينة هيوستون أصبحت منسيّة وهي تكافح لإعادة بناء ما دمره الإعصار الأخير. وهي التي شهدت موت عدد كبير من الناس ودُمّرت فيها المنازل وأصبحت أراضٍ واسعة منها غير صالحة للحياة.
ولمدينة لاس فيغاس قصة أخرى تماماً. فقد زرع الرعب فيها قاتل مهووس، إذ على الرغم من هذه المذبحة الاستثنائية فقد ظهر أننا نرفض تصديق الحقيقة التي تؤكد أن حوادث إطلاق النار القاتلة أصبحت شأناً يومياً في الولايات المتحدة، فصحيفة «نيويورك تايمز» نشرت مؤخراً إحصائية لما يحدث في منطقة تمتد من أورلاندو إلى لاس فيغاس كشفت فيها عن تسجيل 521 هجوماً بالأسلحة النارية خلال 477 يوماً مما أدى إلى مقتل 527 شخصاً وجرح 2156 آخرين.
ومع كل هذا الرعب الذي يضرب بلادنا بلا توقف، والذي يكون بعضه من صنع الطبيعة وبعضه الآخر من صنع الإنسان، تولد لدينا شعور دائم بالخوف والرهبة، وأصبحنا وكأننا نستيقظ كل يوم «لننتظر خطراً جديداً».
وكما لو كانت كل هذه الأحداث غير سيئة إلى درجة كافية، تبدو سياساتنا وحكومتنا وكأنها فقدت القدرة على التحكم بالأمور، وقد أدى الجنوح العنيف نحو الاستقطاب الحزبي إلى خلق حالة من الشلل الوظيفي حتى أصبح الكونغرس عاجزاً تماماً عن وضع أو تنفيذ أجندة محددة لمواجهة الأزمات، وأصبح قانون الرعاية الصحية في طي النسيان، وبات أكثر من 700 ألف مهاجر في مواجهة مستقبلهم المجهول، ولا توجد توقعات جادة بتحقيق إصلاح شامل في نظام الهجرة ولا للاستثمار في إصلاح البنى التحتية المتهالكة التي كثر الحديث عنها، وأغلب الظنّ أن الكونغرس سيفشل في جلسته المقبلة مرة أخرى في تمرير مشروع الميزانية الجديدة.
وبدت إدارة ترامب من جانبها، ساعية لإجهاض كل ما أنجزته إدارة أوباما السابقة، بغض النظر عن العواقب المحتملة لذلك. وخلال هذا الأسبوع وحده، اتخذت إجراءات تنفيذية لإلغاء التشريعات البيئية التي تم التوصل إليها في عهد أوباما، وأجرت تعديلات واسعة على ضوابط منح التأمين الصحي، وبما قد يشكل إضراراً بالفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة.
وفي عهد الإدارات الأميركية السابقة، عندما كانت تواجهنا المآسي، كان في وسع الرؤساء أن يعملوا على توحيدنا وزرع الثقة المتبادلة في أنفسنا. وقد لعب الرئيس السابق دوراً كبيراً في تهدئتنا ومساعدتنا على تضميد جراحنا والاحتفاظ بقناعاتنا بالأهداف الوطنية التي نسعى إلى تحقيقها، إلا أن الرئيس الحالي لا يفعل ذلك بذات الطريقة.
وكان الرئيس ترامب قد انتخب على وعد قطعه لناخبيه بأنه سوف «يقلب الأمور رأساً على عقب». ولا يبدو أنه كان يهتم للمقولة التي تقول «هناك وقت ومكان مناسب لكل شيء». وصباح كل يوم، أقوم بالبحث في موقع «تويتر» عن التصريحات التي اعتاد الرئيس على إطلاقها ضد بعض الرؤساء الأجانب أو معارضيه الأميركيين. وقد وجه هذا الأسبوع تهديداً لرئيس كوريا الشمالية، وانتقد الرئيس الجمهوري للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، والقيادة السياسية في بورتوريكو الجريحة بسبب تقصيرها في مواجهة الأعاصير، وهدد بسحب رخصة البث لقناة «إن بي سي نيوز».
ومع هذه الفوضى التي يعيشها العالم، ومع سياساتنا الغامضة ومجلس نوابنا المعطل وإدارتنا التي لا تهتم بالقدر الكافي لمشاكلنا، تتضافر العوامل جميعاً لتكريس همومنا الوطنية.. لكن مع ذلك سيكون من المهم جداً بالنسبة لنا ألا نستسلم لليأس!
رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن
Leave a Reply