السفير اللبناني لدى واشنطن غابريال عيسى لـ«صدى الوطن»:
علي منصور – «صدى الوطن»
مرّ عام على ترؤس غابريال عيسى البعثة اللبنانية لدى واشنطن، ليحلّ سفيراً «فوق العادة» في أقوى دول العالم وأكثرها نفوذاً على سطح المعمورة. وبقوة الدفع «العونية»، قضى عيسى على آمال كثيرين كانوا يطمحون للحلول في سفارة لبنان بواشنطن، خاصة أنّ الرجل أتى من عالم الأعمال، ومن خارج السلك الدبلوماسي، الذي تحكمه التراتبية والأقدمية والحسابات السياسية، فضلاً عن الحصص المتصارع عليها بين الأفرقاء في الحكم.
هو رجل الجنرال في الولايات المتحدة منذ زمن المنفى الفرنسي، ونافذته على طلائع الجمهور العوني في زمن الحظر الإعلامي، ويده التي ضرب بها خصومه في أروقة الكونغرس الأميركي، ثم هي نفسها اليد التي مدها لسوريا، وسلمت وليد المعلم الدعوة للتباحث بشأن الانسحاب السوري من لبنان، وبشأن العلاقات الأخوية بين البلدين.
لا يرغب عيسى بالكلام. فهو لا يحبذ التصريحات الصحفية، لأنها غالباً ما تخضع للتأويل والتحوير. عند الشدائد، يلجأ لصفحته على «فيسبوك»، يقول كلمته ويمشي، ولو كان ذلك مخالفاً للعادات الدبلوماسية. فالجيش اللبناني وقائد الجيش عند عيسى خط أحمر، والاستقرار النقدي في القطاع المصرفي مسألة لا يمكن التلاعب بها.
لعلها من أصعب المهمات الصحفية أن تحاور دبلوماسياً يقبع على جبل من المعلومات والأسرار، ولكنه لا يريد أن يتكلم ويتجنب حتى البوح ببعض من آرائه إلا ما رحم ربي … لذلك، وفي مسعى للنفاذ إلى «الدسم السياسي»، كان المدخل من الشق الإنمائي للسفارة اللبنانية في واشنطن، وكان هذا الحوار الذي أجري معه في مكاتب «صدى الوطن»:
■ هل هنالك خطة لترميم أو لتشييد سفارة جديدة لتواكب متطلبات الجالية اللبنانية؟
– هناك خطة تقوم على الاستعانة بمهندسين لبنانيين من أجل تقديم تصميم جديد لإعادة بناء السفارة اللبنانية في واشنطن وتوسعتها، كي تتماشى مع المتطلبات الضرورية لخدمة لبنان والجالية اللبنانية بشكل أفضل بالتنسيق مع وزارة الخارجية.
■ ماذا عن التمويل؟
– نسعى لإطلاق حملة على مستوى الولايات المتحدة من أجل تمويل بناء السفارة بمساعدة اللبنانيين بعد الاستحصال على موافقة الدولة اللبنانية.
■ هل تعتقد أن عدد القنصليات الحالي كافٍ لتلبية حاجات الاغتراب الأميركي؟
– لقد تم تعيين قنصل عام في مدينة هيوستن بولاية تكساس ونحن بانتظار موافقة وزارة الخارجية الأميركية لاعتماد قنصلية، وهناك توجه لافتتاح قنصلية عامة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا نظراً لتواجد عدد كبير من اللبنانيين فيها.
■ بالنسبة للقناصل الفخريين، فقد أعلنتم عن تعيين عشرين قنصلاً فخرياً في الولايات المتحدة، هل شملت هذه التعيينات ولاية ميشيغن؟
– لم يتم تعيين أحد في ميشيغن حتى الآن. هناك دفعة ثانية من القناصل سيتم تعيينهم قريباً، ومن ضمنهم قد يكون قنصل فخري في مدينة غراند رابيدز بميشيغن.
■ ما هي مهام القنصل الفخري، وما هي صلاحياته، ولمن يتبع؟
القنصل الفخري هو منصب «تطوعي» للخدمة يمثل الدولة اللبنانية، ويقوم صاحبه بمساعدة أبناء الجالية اللبنانية في الأماكن التي لا تتواجد فيها بعثات دبلوماسية وقنصليات. وفي هذه الحالة، لا تتحمل الدولة أية أعباء مالية لناحية النفقات والمصاريف، فالقنصل الفخري يتحمل كل التكاليف اللازمة كإيجار المكتب ودفع الرواتب وغيرها من المصاريف الضرورية، كما أنه لا يتقاضى راتباً من الدولة اللبنانية ولا يملك جواز سفر دبلوماسياً ولا يتمتع بالحصانة الدبلوماسية، وبالتالي فمن لا يملك الإمكانات والقدرات المادية لن يستطيع الإيفاء بالتزاماته تجاه الناس والدولة اللبنانية.
إضافة لذلك، يتوجب على القنصل الفخري أن يقيم في المنطقة التي يمثلها وأن يكون له مكتباً فيها، والشرط الأخير تضعه وزارة الخارجية الأميركية. فالأصل هو خدمة الناس وتسهيل إجراء المعاملات الخاصة بهم حيث يتعذر عليهم التوجه إلى مبنى القنصلية نظراً لبعد المسافة. وزارة الخارجية اللبنانية لن تسمح للقناصل الفخريين أن يصبحوا عبئاً على السفارة وأن يستعملوا المنصب للوجاهة و«البهورة»، أما بالنسبة للصلاحيات فليست هناك صلاحيات محددة للقنصل الفخري إذ تختلف بحسب المهام التي تكلفه بها السفارة التي يتبع لها كل القناصل الفخريين بالتنسيق مع وزارة الخارجية.
■ بعد مرور عام على وجودك في واشنطن كسفير للبنان، ما هو المشروع الذي تحمله للاغتراب اللبناني؟
– لقد بدأت بالتعاون مع بعض الفعاليات اللبنانية بتأليف لجان عمل، أو مجموعات دعم –إذا صح التعبير– على مستوى الولايات الأميركية. هنالك 35 مجموعة دعم في شتى المجالات ومختلف الميادين، وهنالك –على سبيل المثال– مجموعة للتجارة وأخرى للسياحة وثالثة للصناعة ورابعة لتبادل البعثات الجامعية، كما توجد مجموعة للمنح الدراسية ومجموعة أطباء وأخرى للمحامين والمهندسين والسياحة وإحصاء اللبنانيين، إضافة إلى مجموعة تدير العلاقات مع المؤسسات الدينية… إلى غيرها من المجموعات التي تعمل على مساعدة اللبنانيين في أميركا وتقوم بتقديم العون لما تطلبه السفارة اللبنانية من أجل تحقيق سياسات الدولة اللبنانية. هنالك أعداد كبيرة من اللبنانيين الذين ولدوا في أميركا، إضافة إلى المهاجرين، وهذا العدد الذي قد يصل إلى ثلاثة ملايين نسمة يمكن الاستفادة منه، إذا قمنا أولاً بعملية إحصاء علمي وواقعي، وثانياً إذا أحسنا مخاطبتهم وخاصة الجيلين الثاني والثالث منهم… فكثير من اللبنانيين يرغب بزيارة لبنان لكنه يتوجس من ذلك نتيجة الأخبار المغلوطة والمبالغ فيها، ولكن إذا تدخلت السفارة وقامت ببرامج تشجيعية وتحفيزية، فإن ذلك من شأنه تبديد المخاوف وتشجيع المترددين على زيارة وطنهم الأم. إن عدد اللبنانيين هنا كفيل بتكوين دورة اقتصادية ذاتية تدعم السياحة من خلال زيارة اللبنانيين، وكذلك إنعاش الصناعة عبر التصريف في السوق الأميركية.
كلام في السياسة
أما على المستوى السياسي، فلا يرغب عيسى بالكلام المباح، ويتجنب الخوض في التفاصيل السياسية، فالرجل يعي حساسية موقعه الدبلوماسي في واشنطن، ويدرك أن أي كلام يقوله يمكن أن يستغله طرف ما في لبنان، ويفتعل أزمة تضاف إلى الأزمات الداخلية.
وحين تسأله عن تسريب الوثيقة السرية التي بعثها لوزارة الخارجية اللبنانية وفيها استجلاء للموقف الأميركي من مسألة دعوة سوريا لحضور القمة الاقتصادية والمشاركة في إعادة إعمار سوريا، يجيب عيسى:
– هناك ما يدعو للحزن وللأسف، لأن ما حصل هو جريمة يعاقب عليها القانون الذي يحظر تسريب أسرار الدولة، ويضع التسريب في إطار الحرب على عهد الرئيس ميشال عون وعلى الوزير جبران باسيل، كي يُقال بأن العهد يغرق بالتبعية للولايات المتحدة، بينما العكس هو الصحيح. لم أقم إلا بواجبي الوطني والأخلاقي وهذا يقع في صلب عملي كسفير للبنان لدى واشنطن، فعندما سرت في لبنان شائعات عن عقوبات مصرفية على لبنان سارعت لاستبيان الموضوع من وزارة الخزانة الأميركية التي أجابت بنفي كل تلك الشائعات وساهمت بإرساء الطمأنينة في القطاع المصرفي اللبناني، فلماذا لم أُتهم وقتها بالتبعية؟ أو ربما هناك من يسعى للنيل مني شخصياً والترويج بأنني لا أملك خبرة كافية، وأنه تنقصني الحنكة كي أكون سفيراً، ويسعى للحلول مكاني؟ على كلٍ، فإنّ رئيس الجمهورية ووزير الخارجية يعلمان بكل ما أقوم به من أجل خدمة المصالح اللبنانية وتحقيقها. كذلك الأمر في موضوع زيارة البطريرك الراعي إلى الولايات المتحدة، اتهمني البعض بأنني أنا من «فركش» الزيارة نتيجة «أخطائي وعدم خبرتي»، كما ادعى أحدهم، بالرغم من أني كنت أعد العدة للسفر واستقباله في ولاية ميشيغن، وكأن هناك سمفونية تعمل على استهدافي شخصياً من منطلق «قوم لأقعد محلك».
أما بخصوص تسليح الجيش اللبناني، يعتبر عيسى بأنه لا يقوم إلا بواجبه الطبيعي كسفير للبنان، إضافة إلى «حبه للجيش اللبناني ولقائد الجيش الحالي» الذي يعتبره رجلاً مثالياً، فلم يحصل –والكلام لعيسى– أن أتى قائد للجيش بهذا التواضع والانفتاح والقوة، فهو كان قائداً في الميدان قبل أن يتولى قيادة الجيش، ومن ثم أثبت جدارته في قيادة الجيش على كل المستويات، وهو يتمتع بالاحترام في الولايات المتحدة، نظراً لكفاءته وقدراته الميدانية والإدارية.
■ لماذا هذه الحصرية والاحتكار من قبل الولايات المتحدة في تسليح الجيش؟
– ليس هناك احتكار بالمعنى التفصيلي للكلمة، فالولايات المتحدة لا تمانع إذا قامت فرنسا أو بريطانيا بتسليح الجيش اللبناني. المشكلة أن هذه الدول لا تقدم مساعدات وهبات للجيش اللبناني كالتي تقدمها الولايات المتحدة. نعم هناك مشكلة عند الأميركيين إذا قامت روسيا أو إيران بتسليح الجيش، علماً أن أياً من هذه الدول لن تستطيع تقديم المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة للمؤسسة العسكرية، والتي من المتوقع أن تصل إلى 300 مليون دولار للعام الحالي. وهذا الرقم جيد بالنسبة للجيش اللبناني في ظل خفض الإنفاق هنا في الولايات المتحدة، وعلى العكس فقد ارتفعت المساعدات الأميركية بحدود 60 مليون دولار لهذا العام. فالموضوع هو خيار ومقارنة بين المصلحة واللامصلحة بالنسبة للدولة اللبنانية، والجيش اللبناني مجهز بشكل جيّد لمحاربة الإرهاب وقد أثبت جدارته وقدراته في معركة تحرير الجرود، أما في موضوع تحقيق توازن استراتيجي مع إسرائيل فهذا أمر صعب، لا إيران ولا روسيا قادرتان على تحقيقه، وإسرائيل تقوم بضرب سوريا في ظلّ الوجودين الروسي والإيراني.
■ بخصوص توقيف رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين، هل تدخلتم في قضيته؟
– بالنسبة لرجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين، قمنا بكل ما نستطيع كي نؤمن له ظروفاً أفضل ونساعده، وقد قام القناصل في السفارة بزيارته في سجنه للاطمئنان عليه، كما قاموا بتأمين بعض المتطلبات الطبية له. أما بالنسبة للتسوية التي حصلت بين تاج الدين والمدعي العام الأميركي، فالسفارة اللبنانية لم تتدخل فيها.
Leave a Reply