خليل إسماعيل رمَّال
«الكلب لا يعض صاحبه» يقول المثل العربي وهذا ينطبق على أميركا وإسرائيل بعد التحدي السافر الذي قام به رئيس الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو عبر إلقائه كلمة مثيرة للأخذ والرد أمام جلسة مشتركة «للكنيست» الأميركي فـي واشنطن. لكن حسب المَثَل الانف الذكر، لا نعرف هنا بالضبط من هو الكلب ومن هو صاحبه!
ففـي الكنيست الأصلي فـي فلسطين المغتَصَبَة هناك خصوم وأعداء ألداء لنتنياهو بالكاد يسمعون خطاباته ولا يكنون له أي احترام أو وقار، عدا عن أنه قد يكون فـي انتظاره مصير قانوني أسود مثل غيره من المجرمين الصهاينة الذين سبقوه إلى الحكم بسبب تبذيره وزوجته للمال العام (المسروق من دماء الشعب الفلسطيني). لكن لا، ليس فـي «الكنيست» الأميركي حيث دخل عليه علناً بغياب الرأس، كالملك غير المتوَّج والمرشد والرئيس، وكان بمثابة ديفـيد نتنياهو ضد غولياث أوباما. فـي «الكنيست» الأميركي، الذي وصفه ذات مرة المرشَّح الرئاسي الجمهوري بيوكانان «أرضاً إسرائيليةً محتلة»، كان نتنياهو مطمئناً ومرتاحاً أكثر من مجلس دولة الاغتصاب. هنا صفّق الأعضاء المشرِّعون لولي نعمتهم الصهيوني ٢٦ مرة وقوفاً كاسرين رقمهم القياسي السابق فـي التملق والرياء والتدني مع الجبن. ولم يكن هذا كافـيا فقد قاموا بملء المقاعد الفارغة، بسبب مقاطعة ٥٩ من المشرعين الديمقراطيين، بمساعدين من مكاتبهم ليمنعوا وجود فراغات بين الكراسي أمام عدسات الكاميرات.
هنا حضر كل الجمهوريين الذين كان لديهم مراعاة قيم الشرف والكرامة مع بعض المتنطعين من الديمقراطيين الذين من بينهم نواب وأعضاء مجلس الشيوخ من ولاية ميشيغن، ماعدا جون كونيارز. كل الديمقراطيين الذين انتخبهم العرب الأميركيون شاركوا فـي مهرجان بيع الضمير والوطنية فكانوا أدنى وأحقر من شعار حيوان الحزب الديمقراطي الذي يحملونه. كلهم لم يبالوا بالعرب الأميركيين من ديبي دينغل وديبي ستابينو وغاري بيترز وغيرهم الذين انتخبهم العرب ودعموهم وحاربوا من أجلهم، وعندما لاحت لحظة الحقيقة لم يعملوا وفق مصالح ناخبيهم، بل بالأحرى مصالح وطنهم، ففضَّلوا غريباً وقحاً مرّغ بالتراب وجه الرئاسة والرئيس الذي هو قائد «العالم الحر» وداس على عنجهية الولايات المتحدة كدولة عظمى، فضَّلوه على مبادئهم وقيمهم وفخرهم واعتزازهم ووطنيتهم! انه تحالف حاملي شعار الفِيَلة من الجمهوريين الفاقدين للإحساس والشعور الإنساني مع أنصار الحمير من الديمقراطيين المغَّفلين عما يدور حولهم، تعميهم جميعهم المصالح اليهودية الإنتخابية. ولكن يا حيف ويا خسارة الصوت العربي غير المؤثر بتاتاً. فماذا سيفعل العرب الأميركيون مع هؤلاء الذين لم يجتازوا الامتحان الأخلاقي والسياسي غير الكلام ورد الفعل المتأخر؟!
لقد كان الحزب الديمقراطي أكثر انقساماً على نفسه حيال إسرائيل من الحزب الجمهوري. ولكن عندما حانت الساعة وجاءت لحظة الاختيار بين إسرائيل والولايات المتحدة وموقع الرئاسة فـيها، لم تتردد أغلبية الديمقراطيين من الانحياز إلى الخيار الأول وحضور خطاب نتنياهو . هؤلاء المشرِّعون الذين لا يعرفون عزة النفس لا يضاهيهم إلا نواب مجلس مسخ الوطن اللبناني و«المسائيل» فـيه!
الإعلام الأميركي لم يقل حقارةً عن ممثلي «الشعب الإسرائيلي» من المشرعين الأميركيين. فقد سرد هذا الإعلام صاحب الذاكرة الانتقائية والاختيار الموضعي للأخبار، تقارير الخلاف بين نتنياهو وأوباما وكأنه خلاف شخصي مع بعض الرتوش الانتقادية لحفظ ماء الوجه وربَّما توزيع ادوار لإيهام الناس أن اللوبي الإسرائيلي ليس كتلة واحدة متراصة. ولكن قبل الخطاب، كلما ذُكر التباعد فـي الموقف بين نتنياهو وأوباما، يبادر الإعلام الأميركي المنحط (الذي لم يرَ الكراهية فـي مجزرة تشابل هيل ضد شبان عرب مسلمين أميركيين) إلى اختيار الحديث عن تاريخ نتنياهو منذ ولادته وعن شقيقه المجرم الذي نفق فـي عملية «عنتيبي» وعن تاريخ تأسيس دولة الإجرام والاحتلال فـي فلسطين، وذلك من أجل دغدغة مشاعر الناس وجعلهم ينسون إهانة نتنياهو ويحنون على دولة الصهاينة بعد أنْ عبّروا فـي استطلاعات الرأي عن معارضتهم لدعوة نتنياهو، ومراعاةً لمناصري إسرائيل وعدم إغضابهم!
حتى البيت الأبيض الذي وبَّخ الضيف الثقيل الذي أهان الشرف الوطني فـي عقر داره واعلمنا أنَّ الرئيس لن يستمع للخطاب وأنَّ نائبه أصبح فجأةً سواحاً، أوفد اثنين من كبار مساعديه، إلى مؤتمر «ايباك» الصهيوني الذي ألقى فـيه نتنياهو كلمة رئيسة، مؤكداً عمق التحالف والصداقة مع إسرائيل بدل أنْ يُقاطع المؤتمر الدنيء!
بالنهاية فعل الضيف الوقح ما أراد فقال كلمته ومشى، ضارباً عرض الحائط بتحذير أوباما من إفشاء أية معلومات سرية حول التفاوض الإيراني الغربي الدائر حاليا والمتعلِّق بالملف النووي للجمهورية الإسلامية. فماذا فعل أوباما؟ هل استشاط غضباً؟ هل لوَّح مجرد تلويح ولو لفظي بعواقب وخيمة مثل وقف بعض المساعدات الأميركية لإسرائيل والبالغة ١٠ مليارات دولار، معاذ الله؟! لم يفعل شيئاً من هذا ولا ذاك وكان الرابح الأكبر نتنياهو الذي بإمكانه الادِّعاء بعد اليوم أنه كان الرئيس الفعلي لأميركا زعيمة العالم لكن الخاضعة لإرادته ومشيئته.
الكلب لا يعض صاحبه، لكن من هو الكلب هنا ومن هو صاحبه؟!
Leave a Reply