خصومه ينعتونه بالارتداد، وحساده بالارتزاق، والبعض بالهروب من الوطن، وكثيرون وهذا هو الأهم يحارون في تفسير موقفه الجديد، أما نحن فلا نميل الى هذا ولا الى ذاك، فشخصية الرجل بدت وتبدو لنا أكثر إشكالية وتعقيداً من كل هذا، فلمَ لا وهو الحائز على شهادة “مفكر عربي”؟!.
والسيد يرى نفسه أكبر مما يعتقد البعض من مشاهديه ومستمعيه، فاللغة التي يتحدث بها لسانه دائما وجسده أحيانا، تذكرنا ببعض من اعتقد امتلاك المعرفة وناصية العلوم، فهو القادر على توجيه الناس والثورات والحكام والمعارضات وتقديم الحلول لهم جميعا في جلسة واحدة.
والآن كيف نفسر نصائحه وتقديراته وتوجيهاته “للثورات العربية” من المحيط الى الخليج، ومن أين لنا كل هذا النعيم وهذه البركة لو بقي في فلسطين أو في السجن الاسرائيلي، لا قدر الله!
وكونه مفكرا محسوبا على كل العرب، لابد أن يعنى بأوضاع ليبيا الى سوريا مرورا باليمن وغيرها –عدا البحرين كونها صغيرة عليه- لذا من حقه أن يقدم النصائح والحلول للمجلس الانتقالي الليبي دون الاشارة لحلف الأطلسي، وأن يتحدث عن اليمن دون الحديث عن حالة التذابح الدائرة هناك، ودخول القبائل على خط أزماتها، ويستطيع أن يطالب ملايين السوريين في دمشق وحلب بالتظاهر المشروط سلميا حتى تبقى “الثورة” في الأطراف والأماكن النائية.
ويستطيع أن يغفر “هفوات” المعارضة السورية لأنها حديثة العهد والتجربة السياسية، وبالتزامن مع كل هذا وفي أقل من ساعة يستطيع أن يكون شاهد عيان من قطر، حيث يؤكد بأن من حمل السلاح ضد الدولة السورية هم مواطنون في حالة الدفاع عن النفس!! وذلك بعد أن أنكر هو وقناته وجودهم ثلاثة شهور كاملة، كل هذا دون أن يقدم له محاوره المعتاد أية ملاحظة أو أية أسئلة ذات شأن، سوى إشارات التأكيد والاعجاب، وبعض التصويب الملطف عند زلات اللسان المقصودة والمتعمدة علها تحسن صورة الذات، لذا نراه لا ينسى الإشارة الى السعودية بملاحظات لا تبتعد عن يا “محلى الكحل في عيونكم” يا حكام الخليج. ورقيب حاضر لا تراه الكاميرات، يعطي الايماءات والإشارة وعلامات الرضى للمفكر ومحاوره. ولم يخل المشهد من النظرات الجانبية للجار الخفي من كلاهما والمتسائلة: هل أحسنا يا سيدي؟
للسيد عزمي نقول: اللهم لا حسد على ما أنت فيه ولا شماتة مما أنت عليه، فلقد غادرت يا أخ العرب جمهورك ومشروعك واخترت جمهورا آخر ومشروعا آخر، فهنيئا لك بهذا الجديد وبارك لك وعليك جمهورا يهتف لطائرات الأطلسي، أكثر مما يهتف لثوار ليبيا الأبطال، ولطائرات اسرائيل وهي تضرب المقاومة في لبنان. جمهور يحلم بالتدخل الأجنبي في سوريا، ويسمي احتلال العراق تحريرا، ومبارك لك قناتك والتي باتت تسمي شهداء الفلسطينيين والسوريين بالقتلى، وبوركت جهودك في خدمة مشروع أميركا الجديد، والذي سوف تتكشف كل فصوله ومظاهره وهيئاته في الشهور القليلة القادمة على أبعد الحدود، عندها سوف تكشف متأخرا بأنك كنت داعية لأقلية صغيرة مارقة، وبأنك لم تمتلك ناصية المعرفة وخاتم العصمة، ولست ملهما أو حتى مواكبا لهذه الثورات ولست “جان جاك روسو العرب”، فإنجيل الثورات العربية لم تكتبه يوما شرائح المثقفين العرب، بل جرت وتجري كتابته بالدماء الزكية العربية الخالصة والنقية، وبأفق ديمقراطي أو عربي وبدون تدخلات أجنبية من الجيران أو الغرب مهما كان لونهم أو دينهم.
وأما نحن، وحتى لا يظن أحد بأننا نضاهيك قامة أو فكرا فإننا لن نوقع ما كتبناه باسمنا، بل سوف نسجله بصفتنا المحببة الى القلوب “مواطن عربي” فهذا شرف ندعيه أولا ونقبله ثانيا، شرف لا يستحقه البعض من أصحاب الألقاب الجوفاء من نمط خبير استراتيجي، مفكر عربي، حقوقي، خاصة هؤلاء الباحثين عن وجعنا وآلامنا العربية، الغامسين أصابعهم في جراحنا، والمتهالكين على أدوار صغيرة في مشاريع أميركية واسرائيلية كبيرة، وعزاؤنا أنهم لم ولن يكونوا طبعة عربية فريدة في تاريخنا أو تاريخ غيرنا، فكم من هؤلاء رأينا وسمعنا، قاسمهم المشترك حبهم لذاتهم وفقدانهم للكرامة الوطنية والقومية، فنسيهم الناس وعزوا عنهم الرحمة وأما أكثرية من مبدعي هذه الأمة ومثقفيها وفنانيها هؤلاء الذين لم ولن نراهم على قناة “الجزيرة” وأخواتها الخليجيات، فسيبقوا منارة لنا وتاجا على رؤوسنا وفي القلب والعقل الجمعي لأبناء أمتنا هؤلاء، وهم الفائزون سيأتون الينا من مصر الكنانة ومن العراق العظيم وسوريا الشام ومن كل بقاع الأرض العربية.
في الختام وبرسم قناة “الجزيرة” وضيوفها ومفكريها وخبرائها الاستراتيجيين، نقدم حادثة طريفة وقعت مع ذاك الفاشي الايطالي “المرانتي” ففي إحدى مقابلاته التلفزيونية وفي حينها لم تكن قناة “الجزيرة” موجودة قال لمحاوره: “هنيئا لك يا صديقي فلسوف تصبح مشهورا وربما وزيرا لأنك جالستني وقدمتني للناس”. مات الفاشي دون أن يحقق أهدافه وتراجع حزبه أكثر من النصف وأما الصحفي المسكين فلم يفز في أي منصب أو وزارة.
هكذا هي الدنيا، لخالقها فيها شؤون وله في ناسها شؤون وأية شؤون، فالبغاث تذهب وتزول وتبقى الجوارح في قمم الجبال فهناك ملعبها وبيتها.
مواطن عربي
Leave a Reply