طارق عبدالواحد – «صدى الوطن»
شملت زيارة مدير عام المغتربين اللبنانيين هيثم جمعة إلى الولايات المتحدة جوانب رسمية ومجتمعية متعددة. فمن جهة، جاءت ضمن وفد رسمي وحكومي ترأسه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل للمشاركة في اجتماعات الدورة الـ71 للجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك التي احتضنت -في الفترة ذاتها- تظاهرة اغترابية لبنانية هي الأولى من نوعها خارج بلد الأرز، حيث شهدت نيويورك انعقاد مؤتمر «الطاقة الاغترابية اللبنانية» ( أل دي إي).
زيارة جمعة، الأميركية تضمنت جولات على الجاليات اللبنانية في مدن نيويورك ونيوجيرزي وتوليدو وديربورن حيث التقى خلالها بهيئات مجتمعية وسياسية وفعاليات اغترابية.
«صدى الوطن» التقت المدير العام للمغتربين اللبنانيين وأجرت معه حواراً شاملاً.
- بداية، ما هي أبرز المحطات التي تضمنها برنامج زيارتكم للولايات المتحدة؟
– لقد تضمنت الزيارة ثلاثة محاور أساسية، هي المشاركة في التظاهرة الاغترابية اللبنانية في مدينة نيويورك، التي كانت الأولى من نوعها خارج لبنان، وكذلك المشاركة في اجتماعات الدورة الـ71 للجمعية العامة للأمم المتحدة وحضور الاجتماعات التي دعت إليها الجمعية العامة لمناقشة أوضاع اللاجئين والمهاجرين، كما قمنا بسلسلة لقاءات مع أبناء وفعاليات الجالية اللبنانية في عدد من المدن الأميركية للتعرف على إمكانياتها وظروفها والمشاكل التي قد تواجهها، وكيفية مساهمة وزارة الخارجية والمغتربين في توطيد العلاقة بين المهاجرين اللبنانيين ووطنهم الأم.
- ما هي السياقات التي تبناها مؤتمر الطاقة الاغترابية اللبنانية وما هي أبرز مزاياه وتوجهاته؟
– كما قلت.. لقد جاءت هذه التظاهرة بوصفها الأولى من نوعها خارج لبنان، حيث عقدت ست جلسات على مدى يومي 16 و17 أيلول (سبمتبر) الجاري في مدينة نيويورك ضمن فعاليات مؤتمر «الطاقة الاغترابية اللبنانية» بأميركا الشمالية، والذي قررنا أن يعقد هذا العام خارج لبنان.
وقد تميز المؤتمر بمستوى عال من التنظيم والتحضير المسبق وخاصة لجهة الجلسات التي تخللته ونوعية المشاركين فيها وإفساح المجال أمام الإجابة على تساؤلات الحضور في كافة المواضيع التي طرحت فيها.
- ومن هم أبرز المشاركين؟
– افتتح المؤتمر بحضور وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل ومشاركة وزير التربية الياس بو صعب والوزير السابق نقولا صحناوي وقناصل لبنان في الولايات المتحدة وكندا والقائمة بأعمال السفارة اللبنانية في واشنطن كارلا جزار، وشخصيات اغترابية فاعلة ومميزة في البلدين من رجال سياسة وأعمال وفكر وإعلام وأطباء ومهندسين وتربويين وحقوقيين، إضافة إلى مشاركة ممثلين عن جمعية «تاسك فورس فور ليبانون»، ومؤسسة «لايف» التي تهدف الى مساعدة لبنان في دعم المشاريع التربوية والمصرفية.
- ما هي الأهداف الأساسية لمؤتمرات «الطاقة الاغترابية اللبنانية»؟
– في لبنان لدينا الكثير جدا من الطاقات والمواهب الخلاقة المنتشرة في المهاجر الأوروبية والأميركية والافريقية، وأحد التوجهات الرئيسية في وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية هو ربط هؤلاء المهاجرين بشكل مباشر بوطنهم الأم من جانب، وتوظيف طاقاتهم وإمكاناتهم الاقتصادية والسياسية والعلمية في تعزيز نهضة لبنان ووحدته واستقراره، من منطلق أننا في وزراة الخارجية والمغتربين نؤمن بأن الانتشار قادر على المساعدة في إحداث تغيير جذري في لبنان في حال إنجاز إصلاحات اقتصادية وبنيوية ضرورية.
ومن جانب آخر، يتطلع المؤتمر إلى ربط المغتربين اللبنانيين ببعضهم البعض، عبر شبكة تسمح لهم بالتواصل المباشر والتعاون فيما بينهم لمواجهة مجمل العقبات التي يمكن أن تجابههم، وهذا من منطلق أن المغتربين اللبنانيين الذين يقيمون في بلاد المهاجر ويحملون جنسياتها يؤكدون على ولائهم للأوطان التي احتضنتهم، إلا أنهم يبقون في نهاية المطاف لبنانيين، يهتمون بحاضر لبنان ومستقبله وموقعه الحضاري المتميز في منطقة الشرق الأوسط والعالم عموماً.
- وهل للمؤتمر أية مضامين أو توجهات سياسية؟
– إن أهم ما يتميز به المؤتمر هو الابتعاد عن السياسة، إذ يركز على طرح القضايا المشتركة التي تهم اللبنانيين جميعاً بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والحزبية، مثل تنويع وتعديد موارد دعم الاقتصاد اللبناني وتنشيط المؤسسات التربوية والتشجيع على الاستثمار في لبنان، مع الإشارة إلى أن المؤتمر خلال جلساته كان يتطرق إلى بعض الأمور الإجرائية المتصلة بالحياة السياسية، مثل تعزيز الصلات بين لبنان المقيم ولبنان المغترب وتلبية حاجات المغتربين وتطلعاتهم بما فيها مشاركتهم في الحياة السياسية من خلال التصويت في الانتخابات.
وهذا كله لا يمنع من أن يساهم المغتربون اللبنانيون، وبينهم العديد من الناشطين والمسؤولين السياسيين والحكوميين -خاصة في الولايات المتحدة الأميركية- أن يساهموا في توضيح طبيعة المساعدات والدعم الذي يحتاجه لبنان، في العديد من القضايا الراهنة والشائكة، وكمثال على ذلك العبء الذي يتحمله بلدهم الأصلي من جراء أزمة النازحين السوريين والفلسطينيين.
- أشرت إلى الأزمة التي يعانيها لبنان من كثافة النزوح السوري خلال السنوات الخمس الأخيرة، وقد دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية إلى عقد قمة خاصة لمناقشة موضوع المهاجرين واللاجئين، فما هو موقف لبنان من هذه المسألة؟
– لقد كانت مشاركة لبنان في الاجتماعات التي دعت إليها الجمعية العامة لمناقشة أزمة الهجرة واللجوء أمراً ضرورياً، لاسيما وأن بلدنا هو من أكثر البلدان التي تعاني من أزمة النازحين وتبعاتها وتأثيراتها الضاغطة على مجمل المشهد اللبناني، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
لقد وقعت الواقعة، في أعقاب ما يسمى بـ«الربيع العربي» الذي أسفر عن موجات واسعة وعاصفة من النزوح إلى مختلف البلدان في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، مما أعاق الجهود المبذولة لتوقيع اتفاقية عالمية بهذا الشأن في العام 2015، فمنذ العام 2006 بدأ العالم يبحث في موضوع المهاجرين وكيفية الاستفادة منهم في تنمية بلدان اللجوء، وصيانة حقوقهم والاستفادة من حجم تحويلاتهم الكبير إلى أوطانهم الأم، والتي تبلغ قيمتها 560 مليار دولار سنوياً، ولكن صنّاع «الربيع العربي» لم يعرفوا أن بجعة سوداء تنتظرهم على الطريق، فتحولت الهجرة من نعمة إلى نقمة، ونتج عنها الإرهاب والقتل والتدمير، وتحولت بذلك إلى مشكلة عالمية باتت تهدد مصير الدول والمواطنين فيها.
– ولكن، ما هي أبرز المواقف اللبنانية في هذا الشأن؟
– بادئ ذي بدء، أؤكد أن لبنان تحمل مسؤولياته بأعلى المعايير الإنسانية والحقوقية العالمية في هذا الشأن، ولكن العالم تخلى عن مسؤولياته فزاد ذلك من تفاقم الأزمة مما دفع الدول الكبرى إلى محاولة البحث الجدي عن حلول تطوق المشاكل التي تنتج عن معاناة مجتمعات المهاجرين والنازحين، وعلينا أن لا ننسى أن الكثيرين ممن يشاركون في الصراعات المحتدمة في الشرق الأوسط، كانوا مهاجرين في أوروبا وعادوا للمشاركة في الحروب وهم يحملون إيديولوجيات متطرفة.
- إذن، برأيكم، ما هي أفضل الطرق لمعالجة هذه الأزمة وتطويق تأثيراتها السلبية؟
– حتى الآن لم يطرح المجتمع الدولي أية حلول مقنعة، ونعتقد بأن أفضل الحلول هو البدء بعملية سياسية تنهي الصراع المسلح في سوريا وتضمن عودة السوريين إلى ديارهم وأعمالهم، كما أعتقد أن الحكومة السورية مستعدة وجادة للبدء في هكذا مسار، بل يمكن القول إنها سائرة في هذا المسار، رغم عدم توقف الحرب.
- لكن.. مثل هذا الحل يبدو صعباً في ظل الظروف الراهنة؟
– علينا أن لا نهرب إلى الأمام، فالتفكير في كيفية توزيع المهاجرين السوريين على بلدان العالم سوف يزيد في حجم المأساة، وبدلا من ذلك علينا التفكير في كيفية إعادتهم إلى بلدهم، والعمل على إيجاد تسوية سياسية في سوريا، تضمن إطلاق عملية إعادة إعمار واسعة.
– هذه رؤية سياسية مطروحة ولكنها غير واقعية في الوقت الحالي على الأقل.. كيف يتحمل لبنان مسؤولياته، وما هي خطته في هذا الشأن؟
– هنالك ظروف موضوعية لا يمكننا تجاهلها في أزمة النزوح التي ينوء لبنان تحت أعبائها المجهدة، فهذا البلد الصغير يستضيف أكثر من 1.5 مليون نازح سوري، إضافة إلى 0.5 مليون نازح فلسطيني، بينهم 400 ألف طفل يستفيدون من التعليم.
إننا في لبنان نتحمل المسؤوليات التي تمليها علينا واجبات الأخوة والجيرة ولكننا لا نستطيع القيام بهذا العبء الذي تعجز عنه دول كبرى ومتقدمة، فأزمة النزوح -وبعيداً عن التأثيرات الاجتماعية والثقافية- تهدد البلد اقتصادياً وسياسياً وتضعنا أمام مشاكل عويصة لا يقدر لبنان السياسي على حلها.. ومع ذلك لدينا للعام الحالي خطة للاستمرار في احتضانهم ومساعدتهم وفتح الأبواب أمامهم في حال رغبوا بالانتقال إلى بلدان أخرى، قد توفر لهم ظروفاً أفضل للإقامة، وتمنحهم حقوق الإقامة والعمل والتجنس، وهي أمور لا يستطيع لبنان القيام بها بسبب تركيبته وظروفه السياسية والاقتصادية التي باتت معروفة للجميع.
- شملت زيارتكم جولات على العديد من الجاليات اللبنانية في مختلف المدن الأميركية، في أي إطار جاءت تلك الجولات؟
– إن الجاليات اللبنانية في المهجر الأميركي ما تزال قوية الصلة بوطنها الأم، وما يزال أبناؤها متمسكين بهويتهم اللبنانية، ومن هنا جاءت لقاءاتنا مع العديد من الهيئات والفعاليات الاغترابية في نيويورك ونيوجيرزي وتوليدو وديربورن للتعرف على مشاكلهم وهمومهم ومطالبهم التي تمحور معظمها حول قضايا تتعلق بالأحوال الشخصية والتطورات السياسية، خاصة لضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، ومطالبة القوى السياسية اللبنانية بالاستمرار بالحوار لحل مجمل القضايا العالقة.
– وما هو الدور المنوط بالجاليات اللبنانية على المستوى السياسي؟
– إن لبنان ليس جزيرة معزولة في هذا البحر الهائج والمتلاطم الأمواج، فهو حتماً يتأثر بمجريات الأحداث في محيطه، ووحدة اللبنانيين المغتربين هي صمام أمان لحماية وطنهم من التصدع والتشرذم، فمن خلال مواقعهم ومواقفهم واتصالاتهم يستطيعون -وكل واحد من موقعه- أن يساهموا في تحصين بلدهم، وقد لمسنا هذا الشيء من خلال التجارب العملية، فصحيفة «صدى الوطن» على سبيل المثال، كان لها -كوسيلة إعلامية- دور كبير في المشهد السياسي الأميركي المؤثر، من خلال امتلاكها لرؤية سياسية واجهت المخاطر التي تهدد الصيغة الحضارية للبنان.
- واضح أن لبنان الرسمي يعوّل كثيراً على الاغتراب اللبناني في تدعيم الاقتصاد خصوصا، بالمقابل.. كيف يساعد لبنان أبناءه المغتربين؟
– يقدم لبنان للمغتربين حوافز استثمارية جاذبة، في مختلف المجالات، وفي مقدمتها الحقل التكنولوجي، فقد رصد البنك المركزي اللبناني حوالي 0.5 مليار دولار لمساعدة الشباب المغترب في إطلاق وتسويق المشاريع التكنولوجية (هاي-تك)، كما أنه يقدم قروضاً سكنية وزراعية بفوائد مشجعة لا تتجاوز 1 بالمئة، وتعود هذه السياسة المصرفية بالفائدة على لبنان الذي تجاوزت صادارته، العام الماضي، 700 مليون دولار بدعم من تلك المشاريع.
– قمت بزيارة الجالية اللبنانية في مدينة ديربورن، ماذا لمست خلال هذه الزيارة، وبماذا تتوجه لأبنائها؟
– إن الجالية اللبنانية في مدينة ديربورن هي من أكثر الجاليات حيوية في الولايات المتحدة، فأبناؤها يعيشون هموم الوطن ويحملون انتماءً وطنياً عميقاً تتبدى مظاهره يوميا عبر مساندة القضايا الوطنية، ونرجو من جميع اللبنانيين في منطقة مترو ديترويت أن لا يقتربوا كثيرا من التفاصيل والحساسيات الداخلية وأن يقدموا لنا دروساً في الوحدة وأن يكونوا احتياطاً للبنان.
Leave a Reply