مريم شهاب
سألت بقرة صديقتها وكانت تتحدث إليها: ماذا فعلت خلال موجة جنون البقر؟ فأجابت كيف لي أن أعرف؟ مثلما ترين.. فإنني بطَّة!
عادت إلى ذاكرتي هذه الطرفة، بعد لقائي بالعديد من الصديقات والأصدقاء الذين عادوا من لبنان وقضائهم فصل الصيف فيه، وسمعت منهم انطباعات أغلبها سلبية وتشبه -أي التعليقات والإنطباعات- تصريحات السياسيين والمحللين والمنظرين على الشاشات والفيسبوكات عندما يشيرون بالكلام عن وطنهم لبنان، بعبارات مثل «هيدا البلد» أو «شو هالبلد» أو «ليك ملَّا بلد» وكأنهم يتحدثون عن بلاد الواق واق.
إحدى السيدات التي اغتنت بَعدَ فاقة قالت: يا حرام على هالناس اللي عايشين بلبنان! وآخر قال: شو هالبلد اللي ما فيه أمان. وببساطة ردَّد: «هيدا بلد بدو حرق بليلة ما فيها ضو قمر»! وسيدة أخرى وبكل مرح وفرح قالت: يلعن هالبلد شو بيسلّي وشعبو لذيذ!
وكأن لبنان «هيدا البلد» ليس بلدهم. ربما يعتبرونه مثل فندق أو بلد غريب يصطافون فيه فإذا أعجبهم شكروه وإذا لم يعجبهم شتموه ولعنوا «أبو أبوه». ترى أي ذنب اقترفه «هيدا البلد» بحق شعبه العنيد؟ وما هو الفعل المعصوم عن الصواب الذي قام بفعله لتكوين ذاته كوطن؟
نحن اللبنانيين، في داخل لبنان أو خارجه، ألسنا نحن بنيانه وبنوه ونحن صانعوه وحاكموه، ونحن أمه وأبوه، وأيضاً نحن زعرانه وعصاباته وطوائفه وناهبوه؟
إذاً، ما دخل البلد إذا كان الشعب ما بيسوى؟ شعب خاضع لجلاديه وهتّاف لسارقيه. شعب محصّن ضد التعلم من أخطائه، فرحان بثقافة المقاهي والتنكيت، فأكثره -أي الشعب- يستمتع بثقافة الموت وكاره لثقافة الحياة.
هل من المعقول أن يكون هنالك وطن إذا لم يكن فيه مواطنون؟
هنا في اليونايتد ستايتس، ألم تكن هذه البلاد موجودة قبل أن يكتشفها -سامحه الله- كريستوف كولومبوس؟
بلى كانت، لكن من جعلها بلداً حضارياً ودولة عظمى هم البشر الذين وفدوا إليها، صانوها وعمَّروها وسهروا عليها وقبل كل شيء أخلصوا لها.
لماذا إذن كلّما دقّ الكوز بالجرة يحلو لبعض اللبنانيين المقيمين منهم والمغتربين عموماً -وبكل نفخة وفشخرة- أن يشتم لبنان ويصفه بأتعس الصفات ويصرخ: أُف شو هالبلد؟ أما الصواب فهو أن نقول جميعاَ «أف شو هالنحنا» و«العمى بقلبنا» لأننا ضيعنا بلدنا الجميل بسبب جهلنا.
في إحدى المرات، كتبت إدارة البريد في ألمانيا على الأغلفة البريدية: من حقك أن تنتقد بلدك، ولكن لا تنسى أن بلدك هو أنت.
بالمقابل، أرجو من جنابك أيها القارئ أن تحل هذا اللغز المؤلف من خمسة أحرف: لبنان. هذا الوطن الذي يتضارب فيه سياسيوه بكلام أشبه بالأحذية القديمة، ويوزعون فيه كلام اليأس والإحباط بالمرشات كل يوم، ومع ذلك يجب أن تحجز مسبقاً على خطوط «الميدل إيست» لتضمن لك مقعداً.
بلد بلا رئيس، ينهبه زعماؤه آناء الليل وأطراف النهار -الله لا يشبعهم- لكن لا يزال فيه الكثير من الشرفاء المخلصين الذين يحبونه ويحبهم ولا نملك سوى احترامهم وتقدير تضحياتهم لأجل أن يستمر ويبقى لبنان فينا، جيلاً بعد جيل.
Leave a Reply