كمال ذبيان – «صدى الوطن»
في كل مرة يزور فيها مسؤول أميركي لبنان، على أي مستوى كان، فإن القلق ينتاب اللبنانيين مما ينتظرهم من مشاريع وفتن وحروب، فهذا ما حصلوا عليه منذ خمسينات القرن الماضي، عندما انحاز لبنان في عهد الرئيس كميل شمعون إلى المشروع الأميركي حول منطقة الشرق الأوسط للرئيس دوايت إيزنهاور، لمواجهة التمدد الشيوعي والنفوذ السوفياتي، فنتج عن ذلك، الحرب الأهلية في صيف 1958، وكذلك فعل وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر، عندما أطلق مشروعه للتسوية حول الصراع العربي–الإسرائيلي، فكان الثمن في لبنان هو توطين الفلسطينيين على أراضيه، فانفجرت الحرب داخله في 13 نيسان 1975.
استكمالاً لمشاريع الحروب على لبنان، جاءت مبادرة الرئيس الأميركي رونالد ريغان للسلام، والتي مهّدت لاجتياح لبنان من قبل العدو الإسرائيلي في حزيران 1982، وطرد منظمة التحرير الفلسطينية منه، وجرّها إلى القبول بالتسوية الحالية من حق العودة للفلسطينيين.
القرار 1559
وفي كل مراحل التدخل الأميركي في لبنان، كانت الحروب والفتن، وهو ما تكرر أيضاً بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559 في 2 أيلول 2004، والذي طالب بانسحاب القوات السورية من لبنان، ونزع سلاح الميليشيات منه، والمقصود طبعاً سلاح المقاومة. وراحت الإدارة الأميركية برئاسة جورج بوش الابن تضغط على لبنان لنزع سلاح «حزب الله»، وأوكل إلى وزير الخارجية كولن باول تنفيذ ذلك، فتمّ تكليف كونداليزا رايس التنسيق مع العدو الإسرائيلي لشن عدوان على لبنان بعد أن تلكأت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في نزع سلاح «حزب الله»، تطبيقاً للقرار 1559 الذي كان نتيجة اتفاق أميركي–فرنسي في مجلس الأمن الدولي، لينتهي العدوان الإسرائيلي في صيف 2006 إلى هزيمة الجيش الإسرائيلي بعد 33 يوماً من الحرب التي بدأت في 12 تموز وتوقفت في 14 آب من العام نفسه.
هيل في بيروت
وما أخفقت فيه إدارة بوش الابن مع العدو الإسرائيلي، قبل 12 عاماً، تحاول الإدارة الأميركية الحالية برئاسة دونالد ترامب، تحقيقه بالعودة إلى سيناريو نزع سلاح «حزب الله»، فحضر مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل إلى بيروت التي كان سفيراً فيها بين عامي 2014 و2016، وعمل فيها أيضاً نائباً للسفير ومسؤولاً سياسياً في عام 2000، ويعرف تفاصيل الحياة السياسية والحزبية في لبنان. وتزامنت زيارته مع جولة كان يقوم بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للمنطقة، واستثنى لبنان منها، لحشد حلف ضد إيران التي أخرج ترامب بلاده من الاتفاق النووي معها، وأعاد فرض عقوبات عليها بهدف مواجهة نفوذها في المنطقة بوصفها تهديداً للاستقرار.
ماذا تريد أميركا؟
قدوم الموفد الأميركي إلى بيروت كان بهدف إبلاغ المسؤولين اللبنانيين، رسائل من واشنطن بأن لبنان يجب أن يكون خالياً من «حزب الله» كمصدر تهديد لـ«أمن إسرائيل» بحسب الوزير بومبيو الذي قال بأن «أميركا ستعمل على تقليل خطر «حزب الله» الذي يهدد إسرائيل بصواريخه، وإن إيران تعتقد بأنها تسيطر على لبنان لكنها مخطئة».
وما أفصح عنه الوزير الأميركي، كرره موفده هيل في بيروت، إذ أكّد على خطر «حزب الله» على إسرائيل، ومخالفته للقرار 1701، بحفر أنفاق باتجاهها، محرضاً أركان الحكم في لبنان على معاقبة «حزب الله»، وهو طلب، ردّ عليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي ووزير الخارجية جبران باسيل، بأن «حزب الله» معترف به على أنه مقاومة وسلاحه يقع ضمن هذا الإطار، وأن ترسيم الحدود مع لبنان وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي لبلدة الغجر، يمهّد الطريق من أجل حلّ موضوع السلاح الذي له وظيفة المقاومة.
تجميع قوى 14 آذار
وسعى هيل إلى إعادة تجميع قوى 14 آذار، لكنه لم يجدها لتكون أداة للوقوف بوجه «حزب الله» وتشكيل أداة ضغط عليه داخلياً، وهذا من أهداف زيارته إلى لبنان، لتكرار ما حصل في العام 2000، وبعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، استطاعت واشنطن وبدعم عربي، أن تجمع قوى مناهضة للوجود السوري تحت رعاية بكركي، للمطالبة بانسحاب القوات السورية، وقد ساهم النائب السابق وليد جنبلاط في هذه العملية، بعد أن بدأ يبتعد عن سوريا، منذ انتخاب العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية، وطرح بعد تحرير الجنوب شعار لبنان «هانوي أم هونكونغ»، لتسليم «حزب الله» سلاحه، حيث قام جنبلاط بمغامرة في العام 2007، عندما بدأ يتحدّث عن سلاح الغدر، واستكمل حملته بطلب نزع «سلاح الاتصالات» من «حزب الله» فكانت 7 أيار 2008 من قبل المقاومة التي أعادت التوازن إلى الساحة الداخلية، وابتعد جنبلاط عن 14 آذار التي وإن عاد إليها من جديد، لتجميعها تحت عنوان سلاح «حزب الله»، فإن لبنان سيعود إلى حرب أهلية.
قلق جنبلاط
جنبلاط الذي كان أول مَن زاره هيل في جولته اللبنانية، يعيش قلقاً من بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في منصبه، مع الانفتاح العربي عليه، وهو الذي مازال يقف ضد النظام السوري ويتخوّف من «أبواقه» في لبنان كما يردد دائماً.
محادثات جنبلاط مع الدبلوماسي الأميركي تركزت حول الوضع السوري أكثر منه اللبناني، وما إذا كانت من عودة لنفوذ دمشق إلى لبنان، فطمأنه هيل، بأن لا عودة للنفوذ السوري معتبراً أن النظام في موقع ضعف، وليست له قوة إقليمية، لأن قوته مستمدة من روسيا، ومن تحالفه مع إيران و«حزب الله»، وفي المقابل –بحسب هيل– تعمل أميركا مع حلفائها في المنطقة على تقليص لا بل إنهاء الوجود الإيراني في سوريا، وإضعاف نفوذها في المنطقة، وصولاً إلى تلاشي أذرعتها المسلحة ومنها «حزب الله»، وهذه على أولوية جدول أعمال الإدارة الأميركية. غير أن المصادر كشفت أن جنبلاط لم يتجاوب مع طرح هيل، حول إمكانية ضرب «حزب الله»، لأنه بات أقوى مما كان واكتسب خبرة في سوريا، وأي محاولة من هذا القبيل قد تؤدي إلى فتنة داخلية.
ضغوط أميركية
لم يلمس الدبلوماسي الأميركي حماسة لبنانية، حتى من حلفائه، لإنهاء وجود «حزب الله» العسكري في لبنان، لأن إسرائيل جرّبت وفشلت، وإذا حاولت فلن تنجح وباعترافها هي، وهو ما سمعه هيل من المسؤولين وقيادات لبنانية، التي أبلغت المبعوث الأميركي، أن «حزب الله» مكوّن لبناني، وتقف معه غالبية الطائفة الشيعية، ويقيم تحالفاً راسخاً مع حركة «أمل»، إضافة إلى وجود حلفاء له في طوائف أخرى، مما يصعب إزالته، حتى في موضوع العقوبات المالية والاقتصادية عليه، فإن اللبنانيين هم الخاسرون، وليس الحزب الذي له مصادر تمويله وأثبتت التجارب أنه قادر على مواجهة كل العقوبات والتي تعود إلى عقود مضت، بسبب تصنيفه كتنظيم إرهابي، بحسب الخارجية الأميركية.
الضغوط الأميركية على لبنان، لمحاصرة «حزب الله» لا يمكن أن تلقى التجاوب المطلوب، ذلك لأن الحزب بات جزءاً من مجلس النواب وممثل في الحكومة، وينسّق مع الجيش اللبناني الذي تحاول أميركا دعمه ليقف بوجه المقاومة، ولكنها فشلت في تحويل عقيدته القتالية التي تشكل أحد أعمدة «القاعدة الذهبية»: الجيش والشعب والمقاومة.
ماذا ينتظر لبنان؟
خرج المسؤولون اللبنانيون الذين التقوا هيل، بانطباعات سلبية حول ما يحمله إلى لبنان الذي سيغيب عن القمة التي ستُعقد في وارسو بين 13 و14 شباط (فبراير) القادم، تحت عنوان التصدي لإيران ونفوذها، ومعها حزب الله، فرفض لبنان التجاوب مع الطلب الأميركي بالحضور.
كذلك سأل هيل عن الحكومة والحقائب التي سيحصل عليها «حزب الله» في الحكومة القادمة، ولم يكن متفائلاً بما سمعه من أن وزارة الصحة ستكون من حصة الحزب الذي سيتمثّل بثلاثة وزراء، وهو ما دفع به للطلب من المسؤولين اللبنانيين التريث بتشكيل الحكومة، وانتظار التطورات الإقليمية.
إن ما ينتظر لبنان مقلق، على ما نشره هيل بين المسؤولين فيه، وأول ما سيواجهه هو في اقتصاده وماليته، إذ ستزيد الضغوط الأميركية عليه، تحت ذريعة تجفيف تمويل «حزب الله»، كما سيتم ربط تسليح الجيش بتجريد المقاومة من سلاحها، وفي المطلبين الأميركيين، يدخل لبنان، مرحلة الانتظار لما هو أخطر.
Leave a Reply