لن نذرف دمعةً واحدةً على الطاغية معمر القذافي رغم حرمة الموت الذي تحدث عنه الكثير من الكتّاب الذين راعهم كيفية أسر الديكتاتور وإعدامه وهو يتوسل “الثوار” من أجل إنقاذ حياته. يذكرني هؤلاء الكتاب بتقزز أمين الجميل من كلمة “أشلاء الجنود الإسرائيليين”، هذه الأشلاء التي حررت الأسرى من سجون إسرائيل. الذين صعقوا للمعاملة القاسية التي لقيها معمرالقذافي، لم يستذكروا، على ما يبدو، مجازره ضد الشعب الليبي على مدى ٤٢ عاماً وخصوصاً في “سجن أبوسليم” وجريمة إخفاء سماحة الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه.
المهم، لقي الطاغوت الليبي ما يستحق من قصاص عادل ونهاية وخيمة لعل من مفارقاتها أنه تنبأ بها للحكام العرب من فصيلته، لا لنفسه لأنه صدق كذبته بأنه ملك ملوك أفريقيا، بعد المصير الأسود لصدام حسين الذي وجد في حفرة ثم حوكم وأعدم شنقاً.
القذافي تأثر جداً بموت صدام وتحدث عنه طويلاً وإمتلأ قلبه رعباً منه فأسلم بالعشرة للغرب وسلم سلاحه النووي من دون مقابل لإرضاء “جورج دبليو حذاء” ووزيرة خارجيته السمراء كونداليسا رايس، القابلة غيرالقانونية للشرق الأوسط الجديد، التي شغفته حباً والتي “شرفته” بزيارة خيمته الموبوءه في طرابلس الغرب ثم تهكمت عليه في كتاب مذكراتها. لكن كل هذا “الزحف” القذافي على ظهره وبطنه وتملقه للغرب ودفعه مليارات الدولارات تكفيراً عن جرائمه في لوكربي وغيرها، لم تنفعه ثانيةً واحدة وتخلى عنه هذا الغرب بأسرع من البرق، بل ساهم في إسقاطه وقتله إلى درجة أن هيلاري كلينتون رفعت شارة النصر في طرابلس خلال زيارتها لها قبل يومٍ واحدٍ من إعدام القذافي في الشارع. لكن الصور التي بثت على “يوتيوب” لم تساهم في تحسين صورة “العربي الهمجي” بنظر الغرب ولو كان هناك “١٠٠ ربيع عربي”. زفت ساعة ثورة الشعب الليبي المظلوم والقذافي الذي كان يهاب صدام حسين فوجده يهوي كورقة خريف ثم رأى بأم عينه سقوط الطغاة من حوله ممثلاً بهروب زين العابدين بن علي من تونس وإطاحة حسني مبارك في مصر، كان يعلم أن الموسى ستصل إلى ذقنه قريباً جداً فلم يجد حلاً إلا الإمعان في ذبح شعبه ووصمهم بالجرذان وبمدمني المخدرات لأن الثورة ضد “قائد الثورة” شيءٌ غير طبيعي والعياذ بالله! أي حاكم في العالم يسمي شعبه “جرذاناً”؟
مصير القذافي الذي كانت ترتعد فرائصه من حصوله المحتوم بعد صدام، كان أشد قتامةً حيث أنه وجد مختبئاً في مجرور وهذه عبرة لكل طواغيت العالم العربي. هوى الطاغوت الثالث والبقية تتبع ولم يعد هناك حصانة أو “خيمة زرقاء” فوق أحد. لكننا رغم احتقارنا له، كنا نريد إبقاء القذافي في الأسر من أجل محاكمته على جرائمه ولاسيما جريمة العصر التي ارتكبها بحق الإمام الصدر العظيم، ولأن الموت الذي ذاقه بسرعة كان الأسهل له حتى لا يرى إنهيار نظامه المأفون وإذلاله بحكم الشعب! ولعل سبب إعدامه السريع يعود لأسبابٍ عديدة منها أن المنفّذ قد يكون أحد أبناء الشهداء الذين اعدمهم القذافي خلال حكم نزواته ونزقه المجنون، أو أن القرار جاء من علٍ بضرورة إسكات القذافي إلى الأبد لأن معظم الذين إنقلبو ثواراً خلال دقائق كانوا “ثيراناً” في نظام الإرهاب وساعدوه على تنفيذ جرائمه، فكيف يسمحون بكشف أدوارهم التي اوكلها لهم القذافي؟ خذوا مثلاً ممثل القذافي في الأمم المتحدة علي العجيلي الذي بخر لسيده في نيويورك كما لم يبخر له أحد في التاريخ وكان مساعداً له لمدة ١٥ عاماً ثم تحول ثورجياً بين ليلة وضحاها! وقد يكون من أسباب إعدام القذافي أيضاً أنه رغم “ثوريته” المزعومة المزيفة كان أهم عميل إحتياطي إستراتيجي للغرب وسياسته في الشرق الأوسط.
“المجلس الإنتقالي” الذي سرق الثورة من الشعب وسلمها للحلف الأطلسي مطالبٌ بكشفٍ عاجلٍ لقضية الإمام الصدر لكن الخطاب الذي ألقاه مصطفى عبد الجليل بعد الإنتصار لا يبشر بالخير من حيث تموضع ليبيا ما بعد الطاغية مدمر. فبدل أن يعلن وقوف ليبيا مع الحق والممانعة ضد كل أشكال الإحتلال والإستعمار الجديد، سمعنا عبدالجليل يشكر الله والأطلسي على “النصر” ثم يعلن وقوفه مع “ثورة الشعبين اليمني والسوري”.
يبدو أن من يأكل من خبز الغرب عليه أن يضرب بسيفه!
Leave a Reply