الكلام الفاسد مثل «البيض الفاسد»للوهلة الأولى، هرعت إلى المقالة، موضوع إعتراض السيد حسين طراف، للتفتيش عن مواقع «الوصف الخلاب» الذي يزعم أنني أتيته للإعلامية مي شدياق، فلم أعثر على أي «خلابة». فالوصف اليتيم الذي ربما يشير إليه طراف تختصره كلمات خمس: «الزائرة التي تتوكأ على عصا». قلت لعل السيد طراف من أتباع مدرسة في اللغة والأدب لم أسمع بها قبلاً. لكن أعده بالعودة إلى بطون الكتب وأمهات التصانيف لمحاولة تعويض نقص في ثقافتي الأدبية من حيث فاتتني وأدركته هو!..يزعم السيد طراف أن مقالتي «مليئة بالتهكم والإستهزاء برأي شريحة واسعة من الناس»، وهذا افتراء مردود عليه و«الشريحة الواسعة» التي يشير اليها ترفض هذا الزعم وتعرف حق المعرفة مدى احترامي لها. في حين لم يكن صعباً على السيد طرّاف، أقدّر، لو بذل جهداً يسيراً، فيكتشف أنني كنت أتناول فحوى بيان محدد وصلني بالبريد إلى منزلي، لم يفصح أصحابه عن هويتهم، لكنهم يصدرون فيه حكماً مبرماً على كل من تسول له نفسه حضور المناسبة الإستقلالية التي أحياها النادي اللبناني الأميركي في المدينة، فتسود صفحته ويصير «معادياً للمقاومة» مثل الزائرة التي يبدي أصحاب البيان «إحترامهم» لآرائها قبل أن يسارعوا إلى وصفها بالمسمومة.لست معنياً بالدفاع عن آراء الزائرة الإعلامية أوغيرها التي تمتلك منبراً لنشرها يتابعه «شرفاء مدينة ديربورن» بانتظام. وطالما أن موقعي البيان هم من «طبقة الشرفاء» فالبقية الباقية من خلق الله التي تحضر مناسبة وطنية تظهر فيها شدياق في مدينة ديربورن، بصرف النظر عن ظروف حضورها، هم حكماً من طبقة «غير الشرفاء» أو من الجاهلين، ضعاف الفكر والنفس المحتاجين إلى «تنوير» في بيان ركيك، ومن النوع الذي يكرر السيد طراف محاولة إسباغه علينا ويسوق إتهامات زائفة، حتى لا أقول شيئاً آخر، من قبيل «تبجيلي» للزيارة و«إلهاب يدي» بالتصفيق لها! هذا تشويه للوقائع يبلغ حد الإسفاف الذي يستحق كل إزدراء.يحاول السيد طراف الإيحاء بأن مقالتي كانت تهدف إلى «إخراس الأصوات الشريفة» وقمع العقائر المتوثبة وكان الأجدر به أن يدقق قليلاً (وهو المحاسب) ليدرك أن إنتقادي للبيان كان يرتكز على أمرين: أولهما، رفض تصنيف الناس بين «شرفاء» و«غير شرفاء» وإمتشاق طبشورة من الفحم الأسود لتمريرها فوق صفحات الناس وسيرهم بطريقة عشوائية. وثانيهما.. كلام يقع في باب السياسة ومؤاده، أننا نحن اللبنانيين بحاجة إلى التلاقي وطي صفحات الماضي الأسود في هذه الأوقات المصيرية التي يعيشها وطننا اللبناني، وأن زيارة الإعلامية اللبنانية إلى ديربورن لم يكن من شأنها أن تزعزع قناعات أو تفتح حصوناً، فأين «إخراس الأصوات» في ذلك؟!..لكن السيد طراف يصر على وصف زيارتها بزيارة «الفاتحين» وإستقبالها ««إستقبال الأبطال»، وهذه قمة المهزلة التي يريد إقناعنا بها!..أسأل السيد طراف: ألم يكن ما ورد في مقالتي تعبيراً عن حرية رأي تعقيباً على ما رأيته بياناً عديم الجدوى وفاقد الحكمة؟ أم أن للسيد طراف رأياً آخر؟ وكان علي كصحافي «يحترم حرية الرأي والإختلاف» أن «أخرس» وأرضى بما قدره لي ولغيري من أبناء المدينة، هو و«شرفاء ديربورن» المزعومين من «صفحة سوداء» بفرمان همايوني أصدروه على جناح السرعة؟أريد أن ألفت إنتباه السيد طراف أن «البيض الفاسد» (لا أدري لماذا لم يلجأ إليه للتعبير عن رفضه للزيارة بتظاهرة أمام النادي المضيف) هو مثل الكلام الفاسد عندما يستخدم لرشق كرامات الناس في مغلفات مزيفة المصدر وغامضة التوقيع، إذا قرروا حضور مناسبة وطنية، لم تكن حسب علمي، ووفق ما شاهدت «لتكريم» الإعلامية اللبنانية، بل إن خطاب المقاومة لعلع فوق رأسها من على منبر المناسبة ولم يكن بحاجة إلى صوغه بلغة هزيلة وإرساله تحت جنح الظلام، كما فعل أصحاب البيان.لقد أخطأ السيد طراف في عملية «المحاسبة» هذه المرة، وهو «المحاسب» المحترف الذي يدرك أن الخطأ في الأرقام قابل للتصحيح، أما الخطأ في تصنيف الناس على عجل وتهديدهم باللون الأسود فوق صفحات كرامتهم فهو يرتقي الى مرتبة الخطيئة غير القابلة للتصحيح أو التدقيق على طريقة المحاسبين المجازين.أما عن «إحترام» و«تبجيل» الزيارة فيبدو أن السيد طراف يعاني من مشكلة جوهرية تتلخص بأن إتقان القراءة لا يغني عن توخي الفهم، لكي يدرك أن مقالتي لم تسعَ البتة إلى تبجيل زيارة لم يكن لي شأن بها أصلاً، وقد يكون عليه أن يقدم أطروحته الشعبوية أمام أصحاب الدعوة، إذا كان هنالك من دعوة، أما الصحافي والإعلامي فمن حقه أن يدلي برأيه في أية ظاهرة أو سلوك تطال آثارهما شريحة كبيرة من الناس يريد لهم السيد طراف وأصحاب البيان الذين هب لنجدتهم أن يكونوا «كومبارس» في «جوقة الشرف» التي يزعمون ريادتها في المدينة وإمتلاك وكالتها الحصرية!..البيان الذي يدافع عنه السيد طراف بعيد عن التهذيب والتواضع: أين التهذيب والتواضع في تهديد الناس بسمعتهم وفرض قيود طارئة على تحركاتهم بموجب قانون «شرفهم» الذي يطالعوننا به، في زمن يكافح الإعلاميون والمثقفون وأصحاب الحكمة من أجل صون كرامة الجالية وإبعاد الشبهات التي تحاصرها بتهم حضانة «الإرهاب». هل قرأ السيد طراف وغيره تقارير إعلامية أميركية عن سيناريوهات خبيثة كانت ولا تزال موضوعة لإستهدافنا في حرياتنا وحقوقنا في هذه المدينة أو غيرها وبأننا تحت مجهر تزداد عيونه إتساعاً وإنتشاراً؟ أم أن وقته الثمين لا يتيح له الإهتمام بهذه «التفاهات».لم أكن بحاجة إلى «شيطنة» بيان يقيم فيه شيطان التشكيك بمواقف الناس، والطعن بوطنيتهم وشرفهم. ولربما شعر أصحابه بتسرّعهم قبل أن يعود السيد طراف ويتسرع في سوق إتهامات لما يسميه «بعض الإعلاميين» ممّن قضوا أعمارهم في نشر ثقافة المقاومة وإعلائها فوق المنابر وعلى صفحات الصحف، عندما كان أصحاب البيانات يكرّمون ولا يزالون عملاء إسرائيل في ديربورن ولم يجرؤوا مرة واحدة على قول كلمة حق خشية على «مصالحهم» أثناء الاحتلال الإسرائيلي البغيض لقراهم وبلداتهم. وعندما لم يكن السيد طراف و«جوقة الشرف» قد قررا إمتهان وظيفة الإرشاد الإعلامي والوطني بدوام جزئي، وفي أوقات فراغهم.لا تزعجني مفردة «الشرفاء» يا سيد طراف، بل هي جزء من مفرداتي الأكثر تداولاً، بالممارسة المؤمنة والمؤلمة والمزمنة، لا بالترف واللهو واللغو والخداع وحداثة العهد الذين لا طائل منهم، ولا يخدمون للمقاومة قضية.ما يزعجني، حقاً، هو محاولة تسطيح الناس وإخضاعهم لمعايير «شرفية» غبّ الطلب.وأما ما يلتهب عندي فاسأل، تعرف: ليس أكفاً للتصفيق لأي كان مهما علا شأنه، بل يراعاً حبره يرشق كل الوجوه الزائفة التي تعمل على تحويل مدينتنا إلى سيرك لممارسة السحر على البسطاء والطيبين.
Leave a Reply