مع إبحار أول سفينة وقود إيرانية باتجاه الشواطئ اللبنانية
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
فعلها السيد حسن نصر الله! فجّر قنبلة وصل صداها إلى البيت الأبيض، فسارعت السفيرة الأميركية في بيروت، على عجل، إلى لملمة ما تبقى من كرامة بلادها المهدورة في لبنان.
في خطابه الذي كان يترقبه اللبنانيون جميعاً والذي يلقيه كل عام في ذكرى العاشر من محرم، أعلن الأمين العام لـ«حزب الله»، وبالفم الملآن، أن الباخرة الإيرانية الأولى المحمّلة بالمازوت ستبحر خلال ساعات، في تنفيذ لوعد كان قد قطعه سابقاً للبنانيين بأن الحزب لن يسمح بخنقهم وتجويعهم وبأنه لن يقف مكتوف الأيدي أو متفرجاً من دون أن يفعل شيئاً أمام السعي الأميركي الإسرائيلي لإخضاع اللبنانيين وإرغامهم على القبول بالشروط المذلة من خلال الحصار الاقتصادي بعد أن عجزوا عن ذلك بالحرب.
الإعلان عن السفينة تزامن مع تهديد عالي النبرة أطلقه السيد نصرالله للأميركيين والإسرائيليين على حد سواء محذراً إياهم من اعتراض مسار السفينة أو الاعتداء عليها ومشدداً على اعتبارها أرضاً لبنانية في إشارة إلى حق الرد الفوري ضد أي اعتداء.
فمنذ مدة ليست بالقصيرة والسيد نصر الله يهيئ الأرضية لما أعلنه اليوم لكنه كان يتريث في الأمر لاستنفاد كل الحلول الممكنة وإفساح المجال أمام السلطة الرسمية بكل أطيافها للقيام بما يمكن أن يسهم في لجم التدهور البنيوي الحاصل على المستويات كافة، حتى أنه قال في إحدى المرات إن «حزب الله» لا يمكن أن يقف في وجه أي مساعدة تصل إلى لبنان مهما كانت هوية صاحبها حتى لو كانت من الولايات المتحدة نفسها.
أيام حاسمة
إذن، هي فترة أسبوعين تقريباً يُفترض أن تصل بعدها الباخرة الموعودة إلى لبنان، إلا إذا وقع المحظور!
فإما أن تستهدف إسرائيل، السفينة فتستدرج «حزب الله» إلى حرب هي بغنى عنها، حيث تؤكد كل التقديرات الداخلية الإسرائيلية نفسها عدم الجاهزية لها، إضافة إلى أنها قد تدفع باتجاه الالتفاف أكثر حول «حزب الله»، لأنها بذلك تحرم اللبنانيين شريان حياة وتقفل في وجههم باباً للخلاص وسط المأساة التي يعيشونها، وإما أن تترك الباخرة الإيرانية تمر بسلام من دون اعتراضها، وهو ما سيؤدي إلى تهشيم صورة إسرائيل بعد كل ما أشاعته من تهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور.
شحنة المازوت الإيرانية دفع ثمنها سلفاً رجال أعمال لبنانيون «شيعة»، وأول المستفيدين منها ستكون المستشفيات والأفران ومعامل الأمصال والأدوية ومحطات الكهرباء، بحسب المعلومات المتوفرة.
واشنطن تكسر عقوباتها بنفسها
ولم يكد ينهي السيد نصرالله خطابه حتى عمد الأميركيون إلى خرق «قانون عقوبات قيصر» بأنفسهم والذي كانوا قد فرضوه على سوريا وعلى كل من يتعامل معها وتأثر به لبنان كثيراً وهو الجار والشقيق لسوريا.
فقد سارعت السفيرة الأميركية في بيروت، دوروثي شيا، الخميس الماضي، إلى تقديم عرض سخي، قالت إنه حظي بموافقة إدارتها، عبر استجرار الطاقة إلى لبنان من الغاز المصري عبر الأردن وسوريا. كما أبلغت الرئاسة اللبنانية بأن المفاوضات جارية مع البنك الدولي لتقديم قروض إلى لبنان لمساعدته وانتشاله من أزمته وإصلاح شبكة الكهرباء.
وتوجهت السفيرة بكلامها للسيد نصر الله في تصريح إلى إحدى وسائل الإعلام قائلة: إن لبنان ليس بحاجة إلى النفط الإيراني.
وزيرة الطاقة الأردنية صرّحت في وقت لاحق بأن بلادها ستعمل مع الأصدقاء على مساعدة لبنان ودعمه، فيما ترددت أنباء غير مؤكدة من داخل سوريا عن عدم قبول دمشق بتمرير الغاز المصري عبر أراضيها.
ردود فعل على خطاب نصرالله
السلطة الرسمية لاذت بالصمت ولم يصدر عن أي مرجع مسؤول فيها أي تصريح يتعلق بإعلان السيد نصرالله.
أما ردود الأفعال السياسية فتباينت وفق الانقسامات المعتادة بين مرحب ورافض.
فالمعسكر الرافض لكل ما هو إيراني مهما بلغت الحاجة إليه ما زال يكابر ويتذرع بالعقوبات التي قد يستدرجها وصول السفينة، علماً بأن تلك العقوبات أصبحت وراء اللبنانيين ولن تبلغ أكثر مما بلغته. أما المرحّبون فانطلقوا من موقف واقعي بحت في ظل انعدام أي خيار آخر، فيما الغالبية العظمى من جمهور «حزب الله» وبيئته اعتبرت إعلان نصرالله نصراً إضافياً يُدوّن في سجل انتصارات المقاومة منذ التحرير الكبير ودحر الاحتلال عام 2000.
وفي سياق المزيد من ردود الفعل، كان لافتاً تغريد أحد نواب تكتل «الجمهورية القوية» خارج السرب، وهو النائب سيزار معلوف، المعروف بتمايز مواقفه أحياناً عن موقف كتلته التي تمثل حزب «القوات اللبنانية»، حيث رحّب بالسفينة الإيرانية إذا كانت ستحل مشكلة الشعب اللبناني وليس «الشيعة» فقط، على حد تعبيره، مؤكداً أن إيران ليست عدواً للبنانيين والدليل على ذلك أن لديها سفيراً في لبنان، وعدونا الوحيد هو إسرائيل، وتساءل: أين هم أصدقاء لبنان، العرب والأميركيون، من مساعدة الشعب اللبناني وأنهم بتخليهم عنه يتركون البلد تحت رحمة «حزب الله».
وتوقع معلوف وصول الباخرة سالمة لأن تنظيم الخلاف بين «حزب الله» وإسرائيل قائم، بحسب قوله.
رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وفي تغريدة له عبر «تويتر»، تساءل إن كان وصول السفن الإيرانية بشرى سارة للبنانيين أم هو إعلان خطر يزج لبنان في وحول صراعات داخلية وخارجية.
لا حكومة في الأفق
وسط انشغال الساحة اللبنانية بخطاب نصرالله، ترددت في كواليس التأليف الحكومي أصداء سلبية حول المسار الذي تسلكه المفاوضات، حسب مصادر الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، التي حذرت من عودة الأمور إلى المربع الأول وسط أجواء من التشاؤم وصلت إلى حد توقع اعتذار ميقاتي عن التكليف، بالتوافق والتنسيق مع نادي رؤساء الحكومات السابقين، بعد اتهام رئيس الجمهورية بالمطالبة بتسعة وزراء للحصول على «ثلث معطِّل» «مُموّه».
لكن مصادر القصر الرئاسي نفت كل ما يُشاع في هذا الصدد، مؤكدة استمرار الاتصالات والمساعي للوصول إلى حكومة في أسرع ما يمكن، لافتة إلى تزويد رئيس الجمهورية للرئيس المكلف بأسماء أشخاص من أصحاب الكفاءات.
وبدوره، أكد ميقاتي أنه ليس في وارد الاعتذار على الأقل في المدى المنظور، وأنه لم يلزم نفسه بسقف زمني محدد، فيما أكدت مصادره المقربة أن نهاية الأسبوع المقبل ستكون المهلة الأخيرة التي أعطاها لنفسه لإنجاز مهمة التأليف، وإلا فالاعتذار سيكون أمراً واقعاً لا مفر منه.
هل تخلي واشنطن الملعب لطهران؟
العين على ميناء بندر عباس، مكان انطلاق السفينة، واللبنانيون ينتظرون بفارغ الصبر ما أطلق عليه مناصرو «حزب الله» اسم «سفينة النصر» في إشارة إلى كسر الحصار الأميركي والانتصار عليه.
نصر الله قال كلمته ومن خلفه إيران، ولا شك في أن ذلك سيرفع من أسهم الحزب ومن قدرته على الإمساك بالأمور و«دوزنتها» –إن جاز التعبير– على الساحة اللبنانية،
وفي المقلب الآخر، وجّهت واشنطن من خلال حركة سفيرتها إثر خطاب نصر الله مباشرة، أولى رسائلها إلى إيران رداً على خطوتها إرسال السفينة إلى لبنان، والرسالة مفادها أن الولايات المتحدة لن تسمح لها باستفراد لبنان وبسط نفوذها عليه!
واشنطن التي تلقت هزيمة تاريخية ما تزال تعيش إرهاصاتها هذه الأيام، والتي تمثلت في سحب جنودها من أفغانستان على نحو أكثر ما يشبه الهروب، مخلّفة وراءها سلطة مهزومة صرفت عليها وعلى بناء جيشها مليارات الدولارات من خزينة الشعب الأميركي، ستلاحقها لعنة أفغاستان ردحاً من الزمن كما هي الحال بالنسبة إلى فييتنام!
فهل تكون هذه الصفعة «المنعطف» درساً للولايات المتحدة يجعلها تعيد النظر في سياساتها الخارجية؟ وهل يكون لجم إسرائيل ومنعها من اعتراض مسار سفينة الوقود الإيرانية أحد ملامح إعادة النظر تلك، فتبلغ السفينة مرساها بأمان؟
أيام ساخنة بل تاريخية يعيشها لبنان قد تكون بداية انفراج لأزمته الخانقة أو ذهاباً نحو حرب لا أحد يعلم مآلاتها أو يستطيع تقدير نتائجها على المنطقة برمتها في حال اعتدت إسرائيل على السفينة أو اعترضت مسارها.
Leave a Reply