وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
يزعم السعوديون أن صاروخاً باليستياً يمنياً استهدف قصر اليمامة في الرياض يوم السبت الماضي، غير أن هذا الادعاء الذي نفاه الحوثيون، قد لا يكون سوى محاولة يائسة من الرياض للتأثير على المسار السياسي الجديد الذي ستنتهجه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
فقد تزامن الإعلان السعودي الذي يهدف إلى إظهار الرياض بمظهر الضحية، مع توجه الإدارة الأميركية الجديدة نحو تجميد تصنيف «أنصار الله» كحركة إرهابية، فضلاً عن تجميد صفقة بيع مقاتلات «أف–35» وذخائر دقيقة للسعودية والإمارات.
ويأتي ذلك أيضاً وسط تقارير حول إمكانية رفع السرية عن التقرير الاستخباراتي الذي يحمّل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مسؤولية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في اسطنبول، وهو القرار الذي تعمل على إنفاذه مديرة الاستخبارات الأميركية الجديدة آفريل هاينز.
وقد غرّد محمد علي الحوثي، القيادي في حركة «أنصار الله» ، عبر «تويتر» يوم الأربعاء الماضي، على قرار واشنطن تجميد مبيعات أسلحة للسعودية والإمارات بالقول: «التجميد غير رادع ولا يعفي من مسؤولية القتل والدمار والمجاعة والحصار لإرهاب العدوان الأميركي السعودي الإماراتي المستمر ضد الجمهورية اليمنية».
أما رئيس الوفد الوطني المفاوض في اليمن محمد عبد السلام فقد أكد حق الشعب اليمني في الرد بالمثل على سياسة العدوان السعودي الأميركي والحصار، وقال عبد السلام في تغريده له «إن المعتدي على اليمن قتلاً وحصاراً لا ينبغي عليه انتظار لقاءات ودبلوماسية مفتوحة تحت النار والحصار ولكن عليه أن ينتظر الرد بالمثل».
انفتاح أميركي؟
ربطاً بموقف الإدارة الأميركية الجديدة، وفي موقف لافت، أكد وزير الخارجية الجديد، أنتوني بلينكن، في أول مؤتمر صحفي له، أن السعودية ضالعة بحدوث أسوأ كارثة إنسانية في اليمن على مستوى العالم.
وأضاف بلينكن أنه لا يمكن تصنيف حركة «أنصار الله» اليمنية التي تسيطر على 80 بالمئة من سكان البلاد كتنظيم إرهابي لأن ذلك قد يكون عائقاً في طريق إيصال المساعدات لليمنيين.
وعن تعليق مبيعات الأسلحة قال بلينكن «من المعتاد أن تقوم الإدارة الجديدة في بداية عملها بمراجعة كل عمليات البيع غير المكتملة للتأكد من أنها تخدم دفع أهدافنا الاستراتيجية ودفع سياساتنا الخارجية».
أما السناتور الديمقراطي كريس مورفي فقد أعلن في تغريدة له عبر «تويتر» أن الأسلحة التي بيعت للسعودية والإمارات، استُخدمت لقتل أطفال المدارس، معتبراً أن قرار التجميد هو الخطوة الصحيحة.
ولا بد أن تكون الرياض قد تلقت هذه التصريحات بكثير من القلق، إزاء قرارات مماثلة قد تصدر لاحقاً عن الديمقراطيين. أما الإمارات فقد أعلن سفيرها في واشنطن يوسف العتيبة أن بلاده كانت تتوقع مراجعة صفقات السلاح من قبل الإدارة الأميركية.
ووفقاً لستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يشهد اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث يحتاج نحو 80 بالمئة من السكان إلى المساعدة الإنسانية والحماية. وأشار إلى أن خطر الجوع بالنسبة إلى الملايين «حقيقة واقعة»، مؤكداً أنه يجب فعل «كل ما في وسعنا» لمنع انتشار المجاعة، مطالباً بالمزيد من التمويل الإنساني، وبوضع حد للعنف.
رفض الحرب
الخطوة الأميركية بتجميد صفقات الأسلحة، جاءت إثر فعاليات حاشدة نُظِّمت خلال «اليوم العالمي من أجل اليمن» رفضاً لحرب التحالف السعودي على اليمن واستنكاراً للحصار والتجويع. سبق ذلك، توقيع 300 منظمة دولية لبيان يطالب المجتمع الدولي بضرورة إنهاء الحرب على اليمن وباتخاذ خطوات سريعة من بينها:
– وقف الاعتداء الأجنبي على اليمن.
– وقف الإسناد التسليحي والحربي للسعودية والإمارات
– رفع الحصار عن اليمن وفتح جميع الموانئ البحرية
– إعادة المساعدات الإنسانية إلى شعب اليمن وتوسيع نطاقها.
وتزامناً مع المسيرات الحاشدة التي نفّذها الشعب اليمني، الإثنين الماضي، في المحافظات الشمالية كافة، نظّم ناشطون في عشرات البلدان حول العالم، منها الولايات المتحدة، كندا، تشيلي، المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، بولندا، إسبانيا، سويسرا، أوستراليا، بنغلاديش، الهند، وغيرها، تظاهرات ووقفات احتجاجية مندّدة بالعدوان على اليمن، ومطالبة برفع الحصار المفروض عليه منذ ست سنوات. كما عُقد اجتماع موسّع في شبكة الإنترنت حضره ممثلون عن 620 منظمة دولية للتعبير عن رفضهم للعدوان.
فساد حكومة هادي
في سياق آخر، اتهم تقرير أممي حكومة الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي، المدعومة من السعودية، بالفساد وتبييض الأموال، معتبراً أن ذلك أثر في إمكانية وصول الموارد الغذائية الى اليمن.
وقد علّقت مصادر في صنعاء على التقرير بالقول إن فساد منظومة حكومة هادي لا يقتصر علی تبييض الأموال، بل يتعداه إلى الإتجار بالمخدرات، وإن هذا الفساد يُمارَس بضوء أخضر من السعودية والولايات المتحدة، كما لفتت المصادر عينها إلى أن جرائم الفساد وغسيل الأموال لتحالف العدوان في اليمن، ينبغي أن تُحال على الأمم المتحدة. وكان تقرير أممي قد أصدره مكلّفون بمراقبة العقوبات الدولية المفروضة على اليمن واتهم حكومة هادي بالتورط في عمليات تبييض أموال، وأشار الخبراء في تقريرهم إلى أن الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي قد انتزعوا السيطرة على أراضٍ استراتيجية من القوات الحكومية خلال عام 2020.
جولة مفاوضات جديدة
في الأثناء، انطلقت في العاصمة الأردنية عمّان، جولة جديدة من مفاوضات تبادل الأسرى بين وفد الحكومة اليمنية في صنعاء، والوفد السعودي، الذي يمثل حكومة هادي.
المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث افتتح الاجتماع بدعوة الجانبين إلى النقاش والاتفاق على أسماء خارج قوائم اجتماع عمان، للوفاء بالتزام قطعه الطرفان خلال اجتماعات السويد بالإفراج عن جميع الأسرى في أقرب وقت ممكن.
ونقلت مصادر مطلعة على تفاصيل المحادثات أن الجولة الحالية ترمي إلى الافراج عن نحو 300 أسير بينهم مسؤولون بارزون في حكومة هادي، أبرزهم شقيق هادي نفسه، وهو العقبة الأساسية في طريق نجاح الجولة الحالية، لأن وفد صنعاء يطالب بإفراج عام يشمل الجميع، ولاسيما الأسرى والمعتقلين لدى السعودية والإمارات.
وتأتي جولة المفاوضات الجديدة في إطار بناء الثقة تمهيداً لاستئناف مفاوضات السلام التي انطلقت في السويد نهاية عام 2018، حيث اتفق الجانبان على تبادل 15 ألف أسير، فيما لم يتم الإفراج سوى عن ألف فقط.
الوضع الميداني
وفي إطار التراجع المستمر لقوات التحالف السعودي وحلفائها على الأرض، انشق 150 عنصراً من صفوف تلك القوات، من عناصر اللواء السادس في الحرس الجمهوري، التابع لطارق صالح في الساحل الغربي، مع قائد الكتيبة المقدّم يحيى عريك.
ووفقاً لوكالة الأنباء اليمنية «سبأ» فقد رحّب محافظ الحديدة، بالعائدين من أبناء تهامة من ضباط الكتيبة وأفرادها، وكان في استقبالهم مدير استخبارات المنطقة العسكرية الخامسة ومدير استخبارات القوات البحرية وعدد من قادة لواء الدفاع الساحلي.
وأكد محافظ الحديدة محمد قحيم أن قيادة المحافظة ستعمل بالتعاون مع الأجهزة الأمنية على «تأمين عودة المغرّر بهم إلى مناطقهم وأهاليهم معزّزين مكرّمين».
الضغوط على السعودية
دول غربية عديدة استنكرت قصف الرياض، متعهدة بحماية حليفتها السعودية من «اعتداءات» الحوثيين، فيما يُقتل أبناء اليمن بالعشرات يومياً وبالسلاح الغربي الذي تزوّد به الرياض، مما يجعل تلك الدول شريكاً أساسياً في الحرب المستمرة على اليمن منذ نحو ست سنوات.
وفي حين أن الرياض تنعم بغطاء بالعديد من الحلفاء الغربيين، إلا أن تبدل الموقف الأميركي من حرب اليمن، سيفقد السعوديين –بلاشك– الداعم الأول للعدوان الذي بدأ عام 2015. فهل يكون قرار تجميد تصنيف «أنصار الله» حركة إرهابية مقدمة للضغط على الرياض وتحجيم دورها، وسط تسريبات ساقتها مصادر متعددة، تفيد بأن واشنطن–بايدن في علاقتها مع السعودية، وتحديداً مع ابن سلمان، ستكون مختلفة عما كانت عليه واشنطن–ترامب.
بحسب الإشارات الأميركية، يبدو أن الضغط على الرياض، مرشح للازدياد في المرحلة المقبلة، خاصة مع اقتراب عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي مع إيران، أو على الأقل عودتها إلى التفاوض مع طهران، وهو ما ستسعى السعودية إلى عرقلته، لقناعتها بأن أي تقارب أميركي إيراني –مهما كان محدوداً– ستكون له انعكاسات سلبية على المملكة.
Leave a Reply