فـي موقف مناقض لتصريحات المالكي
بغداد – «جدولة انسحاب» أو «اتفاقية أمنية» طويلة الأمد؟ سؤال طرح نفسه بقوة الأسبوع الماضي على الساحة العراقية.
فالغموض يلف بشكل متزايد المفاوضات الأميركيّة العراقية حول الوجود العسكري الأميركي في بلاد الرافدين، وذلك مع استمرار التصريحات والمواقف المتناقضة بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والإدارة الأميركية.
إذ يبدو أنّ رئيس الحكومة العراقيّة نوري المالكي بات متخصّصاً في اقتناص مناسبات زياراته الخارجيّة، ليطلق مواقف غريبة عن حكّام بغداد ما بعد الاحتلال. ففي الشهر الماضي، استغلّ زيارته الأردنيّة الأولى له، ليعلن من عمّان أنّ المفاوضات بين وفد بلاده والطرف الأميركي بشأن «الاتفاقيّة الطويلة الأمد»، وصلت إلى «حائط مسدود». موقف أثار ولا يزال، تكذيباً من شركائه في الحكومة، وفي مقدّمتهم وزير الخارجيّة هوشيار زيباري.
وخلال الأسبوع الماضي، أطلق المالكي من الإمارات موقفاً يُعَدّ الأوّل لمسؤول عراقي بمستواه منذ عام 2003، أكّد فيه أنّ «التوجّه الحالي» بالنسبة للمفاوضات مع الأميركيّين، يقضي بالتوصل إلى «مذكرة تفاهم، إما لجلاء القوات الأجنبية أو لجدولة انسحابها، وذلك بدلاً من الاتفاقية» الأمنية طويلة الأمد.
وأبرز ما أوضحه رئيس الوزراء أنّ «الهدف (من المذكّرة) هو إنهاء وجود القوات الأجنبيّة»، من دون أن يعطي تفاصيل عن الآليّة التي ستتضمّنها لإنهاء الاحتلال. وجاء كلام المالكي أمام السفراء العرب المعتمدين في أبو ظبي، حيث رأى أنه «في كل الأحوال، فإنّ قاعدة أيّ اتفاق هو الاحترام الكامل للسيادة العراقية»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ «المفاوضات ما تزال مستمرة مع الجانب الأميركي».
ويحمل موقف رئيس الحكومة ابعادا سياسيّة بالنسبة لحكومة بغداد، الحليفة لكل من واشنطن وطهران. إذ هي المرة الأولى التي يتحدّث فيها المالكي عن وضع جدول زمني لجلاء قوات الاحتلال من بلاده، أو انسحابها الكامل، وهو الشرط الذي بنى جورج بوش مشروعه العراقي على رفضه بشكل قاطع، رغم أنّ هذا الرفض كلّفه خسارات شعبيّة وسياسيّة يستعدّ لتوريثها إلى المرشّح جون ماكاين في حملته الرئاسيّة.
أما في الجانب الأميركي، قللت واشنطن من أهمية الخلاف مع بغداد بشأن مستقبل الاحتلال الأميركي للعراق، رافضة أي موعد «تعسفي» لسحب قواتها.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض دانا بيرينو للصحافيين المرافقين للرئيس الأميركي جورج بوش في قمة مجموعة الثماني في اليابان، «لقد عارضنا دائما، وما زلنا نعارض موعدا تعسفيا للانسحاب»، مشيرة إلى أنّ قرارات كهذه ينبغي أن «تستند إلى الأوضاع على الأرض» وأن المسؤولين العراقيين متفقون مع واشنطن في ذلك.
ورأت بيرينو أن التصريحات الأخيرة للمسؤولين العراقيين »تعكس أولا، وقبل أي شيء، التطورات الإيجابية التي شهدناها في العراق في الآونة الأخيرة»، مضيفة أنّ «هذا الأمر يتعلق بمستقبلهم (العراقيين)، وهم يريدون تحمل المزيد من مسؤولياتهم ونحن نريد ذلك أيضا».
وقالت الادارة الاميركية الثلاثاء الماضي انها لا تزال تأمل في التوصل الى اتفاق قبل نهاية تموز (يوليو) الحالي بشأن وجود القوات الاميركية في العراق مشيرة الى ان الخلافات مع الجانب العراقي اقل مما تبدو عليه من خلال التصريحات العراقية. ورد سكوت ستانزل المتحدث باسم البيت الابيض بالايجاب على سؤال حول ما اذا كان الهدف لا يزال التوصل الى اتفاق مع الحكومة العراقية بحلول نهاية الشهر الحالي رغم الخلاف البادي بشأن جدولة انسحاب القوات الاميركية.
ويجري العراق والولايات المتحدة مفاوضات لارساء اسس قانونية لوجود القوات الاميركية بعد 31 كانون الاول (ديسمبر) 2008 عندما ينتهي تفويض قرار مجلس الامن الدولي الذي ينظم انتشارها حاليا.
واعلن مستشار الامن الوطني العراقي موفق الربيعي ان بلاده ترفض الموافقة على اي مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة لا تتضمن تاريخا محددا للانسحاب الكامل للقوات الاجنبية.
وقال ستانزل ان الخلاف مع الجانب العراقي ليس بالقدر الذي يبدو عليه. واوضح «ان المشاركين في المفاوضات متفقون على الرغبة في ان يتحمل العراقيون المزيد من المسؤولية في امن بلادهم وعلى عودة الجنود الاميركيين الى ديارهم». واضاف «ان المفاوضين متفقون على القول بان القرارات يجب ان تقوم على الظروف الميدانية» مستبعدا بذلك الحديث عن جداول محددة. وتابع «ان العراقيين لا يرغبون بالتأكيد في التخلي عن التقدم المحرز عبر كفاح كبير من اجل امن بلادهم وكذلك نحن».
واشار وبخلاف ما يظهر من خلال تصريحات الربيعي، الى ان الاميركيين والعراقيين لا يتفاوضون من اجل تحديد موعد نهائي لانسحاب القوات الاميركية.
من جانبه قال وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس انه متفائل بشأن تواصل انسحاب القوات الاميركية من العراق مؤكدا ان نقل المسؤوليات الامنية للقوات العراقية يسير بشكل جيد.
واوضح غيتس اثناء زيارة لفورت لويس في ولاية واشنطن (شمال غرب) «طالما تواصل تعزيز قوات الامن العراقية وتحسنها فانه يمكننا مواصلة تقليص وجود قواتنا». واكد ان عملية نقل السلطة للقوات العراقية «تسير بشكل جيد وبناء على كل ما اسمعه فانه سيكون بامكاننا مواصلة» الانسحاب. واضاف «ان الوقت الذي يتطلبه ذلك يرتبط بالوضع على الميدان غير ان ذلك يجري بشكل جيد في هذه المرحلة». أما في وزارة الخارجية الأميركية فقد رفض المتحدث شون مكورماك الإدلاء بأي تعليق قبل الحصول على توضيحات إضافية لتصريحات المالكي.
وبالعودة الى المالكي، يرى المراقبون ان موقفه قد يكون سببه التهرّب من الرفض البرلماني للاتفاقية مع واشنطن، هو ما دفع المالكي إلى الحديث عن «المذكّرة»، إذ كان قد تعهّد سابقاً ألا يمرّر أي اتفاق مع الأميركيين، إلا بعد نيل موافقة السلطة التشريعيّة.
وفي السياق، سارع المتحدّث باسم الحكومة علي الدباغ، في حديث لوكالة «أسوشييتد برس»، إلى الجزم بأنّه «يعود للحكومة فقط أن توقّع أو لا على التفاهم من دون العودة إلى البرلمان».
وربط بعض المراقبين بين إعلان المالكي وما ألمح إليه زيباري قبل أيام، عندما تحدّث عن وجود «خيارات بديلة» إذا لم يُتوصل إلى اتفاقية أمنية قائلاً «لدينا بدائل نستعين بها في حال التأخر أو عدم التوصل إلى اتفاق أمني، منها اتفاقية ثنائية بديلة، أو نذهب إلى مجلس الأمن ونطلب منهم تمديد تفويضهم سنة أخرى».
التيار الصدري يشكك
في المقابل، اتهم المتحدث باسم التيار الصدري صلاح العبيدي الحكومة بالتهرب من الضغوط المفروضة عليها لتوقيع اتفاقية مع واشنطن، لافتاً إلى أنّ «هناك ضغوطاً شعبية متزايدة رافضة للاتفاقية، بالإضافة إلى إصرار المراجع والشخصيات الدينية السنية والشيعية على رفضها». ورأى أن «الحكومة تحاول تخفيف هذه الضغوط، من خلال هذه التصريحات»، مشككاً في مدى قدرتها على تنفيذها.
من جهته، قال النائب عن «التحالف الكردستاني» محمود عثمان أنّ «ثمة ترددا من رجال الدين للمضي قدما في الاتفاقية، من دون رؤية الضوء في نهاية النفق، أي من دون جدول زمني». وأضاف «كما لاحظنا، فان تصريحات الربيعي جاءت بعد لقائه (المرجع الشيعي الأعلى السيد علي) السيستاني، لذلك فأن هناك ضغوطا تمارسها المراجع».
Leave a Reply